يقول النائب السويدي لارس أداكتوسون لـ "إيلاف" إنّ حماية أقليات العراق تستدعي إقامة ملاذ آمن للمسيحيين فيه، وهو ما لاقى تأييداً لدى حزب الشعب الأوروبي، ولكنه أُسقط بأصوات الخضر والليبراليين والديمقراطيين الاجتماعيين.


دبي: لم ينصف العراق أقلياته يومًا، ولم ينصفهم محتلوه، إذ اتفقت القوى التي تعاقبت على حكم هذا البلد على جعل الأقليات الدينية والعرقية ضحية مباشرة للصراعات السياسية والمذهبية وأخيراً... الداعشية.

يرتب ذلك على المجتمع الدولي، وفي صلبه الاتحاد الأوروبي، مسؤولية ضمان عودة المسيحيين وسائر الأقليات التقليدية إلى مواطنهم الأصلية، كي يستأنفوا حياتهم بكرامة ومساواة وأمان، ودعم استمرارية وجودهم فيها.

&لم يسقط زوال نظام صدام حسين بردًا وسلامًا على أقليات العراق، إذ ما لبث البلد أن انتقل من تطبيق سياسة قهر الأقليات، وإن في إطار دولة عراقية واحدة جامعة، إلى تطبيق سياسة المحاصصة الطائفية والتفتيتية التي غلبت مجموعات كبرى كالأكراد والشيعة والعرب السنة على مجموعات عرقية ودينية ومذهبية أخرى اضطهدت وأقصيت، وصولا الى الوضع الراهن المتمثل بظهور تنظيم "داعش"، وفي منظاره الناس إما أنصاراً أو كفاراً.

وعلى نحو لم تشهده المنطقة منذ إفراغ فلسطين من سكانها على الأقل، وقبله تهجير الأرمن، جرى إفراغ العراق من سكانه الأصليين من مسيحيين وصائبة أيزيديين سكنوا العراق منذ آلاف السنين ولهم فيه حضارات كبرى. وهكذا، اكتملت حلقة إفراغ مناطق شمال العراق وجنوب تركيا من مسيحييها، قبل أن تدمج "داعش" حدود العراق وسوريا، حيث تعيش الأقليات مصيرًا مشابهاً.
&
وبهذا، يخسر الشرق العربي تنوعاً دينيا واثنيا ومذهبيا هو سر فرادته، ليدخل في أتون حروب متنقلة وقودها، إلى المواطنين العاديين، أقليات مسالمة لم تعد تتوفر لها أدنى شروط العيش الحر.

مسيحيون عراقيون يصلون في كنيسة سانت جوزيف في أربيل في تموز 2014

المأساة التي تعيشها أقليات العراق وسوريا بالتحديد حثت البرلمان الأوروبي على التحرك، فتقدمت كتلة حزب الشعب في البرلمان الأوروبي بمشروع قرار يدعو المجتمع الأوروبي إلى إقامة ملاذات آمنة في البلدين، توفّر للاجئين قسطًا من الأمان، وحداً أدنى من المساعدة. وأدخل النائب السويدي لارس أداكتوسون تعديلاً على مشروع قرار حزب الشعب الأوروبي يدعم إقامة ملاذ آمن للمسيحيين في العراق.

ونال التعديل موافقة حزب الشعب الأوروبي لكنه أُسقط بأصوات الخضر والليبراليين والديمقراطيين الاجتماعيين فلم يُدرج في نص القرار.

ويوضح أداكتوسون لـ "إيلاف" أن التعديل الذي أقترحه يهدف إلى حث البرلمان على دفع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى التحرك مؤكدًا "ضرورة إقامة ملاذ آمن لحماية الأقليات المشرقية وتفادي حدوث أزمة لاجئين ذات أبعاد حتى أشد مدعاة للقلق". يضيف أن التعديل "يعبر عن الدعم لإقامة ملاذ آمن للأقليات بضمانة دولية".

لكن لماذا صوَّت الخضر والليبراليون والديمقراطيون الاجتماعيون ضد التعديل؟

يقول أداكتوسون لـ "إيلاف" إن التعديل رُفض خلال المفاوضات التي جرت بين كتل الأحزاب المختلفة، وكان لدى الخضر والليبراليين والديمقراطيين الاجتماعيين اعتراضان رئيسيان. الأول، أن القرار بصفة عامة يركز بافراط على المسيحيين. والثاني، أن إقامة ملاذ آمن يتطلب تدخلاً عسكرياً من جانب المجتمع الدولي.

عائلات مسيحية في الموصل

لكن هل يمكن أن يشكل الملاذ الأمن للمسيحيين خطوة أولى نحو تفكيك العراق؟

يعتقد أداكتوسون أن "فكرة الملاذات الآمنة فكرة صالحة في إطار الدولة العراقية وتتماشى مع الدستور العراقي"، لافتًا إلى أن المطالبة بملاذات آمنة للمسيحيين "ليست عملية سرية لتقسيم العراق بأي حال من الأحوال".

ويضيف النائب السويدي "لا أحد يعرف كيف سيكون شكل العراق في المستقبل، لا سيما إزاء الاستفتاء المقبل في إقليم كردستان.

لا يخفى أن الأقليات المشرقية المضطهدة راهناً لم تحصد، بالرغم من إعلان دولة الخلافة الإسلامية على أجزاء من أراضيها التاريخية، تعاطفاً دولياً يعتد به. فما سبب قلة دراية الاتحاد الأوروبي بحال أقليات الشرق؟

ترتكز جهود أداكتوسون خلال المرحلة المقبلة على نقل الصورة الواقعية للإسلام المتطرف إلى صانعي القرار في أوروبا "لأن التطرف يشكل تهديداً كبيراً للسلام في الشرق الأوسط". ويلفت إلى أن "الجهل بواقع أقليات الشرق مشكلة منفصلة عن الآليات السياسية المتبعة، وعلى الاتحاد معالجة المشكلتين معاً".

ويضيف النائب السويدي: "يتعين على صانعي القرار في اوروبا، في اعتقادي الراسخ، أن يعالجوا الإسلاموية المتطرفة، حتى إذا كانت نتيجة ذلك اتهاماً بالإسلاموفوبيا من جانب اليسار والمدافعين عن الإسلاموية الراديكالية. علينا كأوروبيين أن إلى توضيح أن لا تناقض بين المطالبة بالحرية الدينية للجميع والتصدي تحديداً لقضية اضطهاد المسيحيين في الشرق الأوسط والعالم".

لكن اداكتوسون لا يعظ فقط على ما يبدو. في إطار نقل صورة واقعية عن أوضاع المسيحيين في الشرق الأوسط، استضاف خلال ندوة تجمع أعضاء البرلمان الأوروبي وموظفي مؤسسات الاتحاد الاوروبي الصحافي الآشوري السويدي نوري كينو، المشهور بتقاريره الجريئة من جبهات القتال في دول شرق أوسطية.

وقد أطلع كينو الحاضرين على الظروف الصعبة التي يعانيها مسيحيو العراق، وقدم خلال الندوة وقائع وشهادات تبين أن غالبية اللاجئين والمهجرين المسيحيين سيعودون إلى بيوتهم إذا جرى ضمان أمنهم وحقهم في تقرير المصير. وشدد كينو على أن بمقدور الحكومة السويدية فعل الكثير في سبيل إقامة ملاذ آمن.&

غالبية مسيحيي العراق سيعودون إذا جرى ضمان أمنهم وحقهم في تقرير المصير

يشير أداكتوسون لـ "إيلاف" إلى ان الاتحاد الأوروبي لم يصدر قرارات جديدة بشأن العراق منذ كلمة كينو، ولو أنّ أهميتها تكمن في ترسيخ فكرة إقامة الملاذات الآمنة، التي أخذت تتوارد أكثر فأكثر خلال النقاشات حول سبل الحل لوضع الأقليات العراقية.

ويرى النائب السويدي أن لبلاده دور رئيسي في احداث فارق على هذا الصعيد من خلال الدفاع علنًا عن إقامة ملاذ آمن وحث حكومات الاتحاد الأوروبي الأخرى على المشاركة في هذه الجهود.

ويعطي مثالاً على اهمية الدور الذي يمكن ان تلعبه بلاده. فالسويد اعترفت حديثاً بالدولة الفلسطينية. وكان للاعتراف غير المشروط، ويصفه أداكتوسون بـ "غير الموفق"، تأثير الدومينو، وانسحب قرارات مماثلة من بلدان أخرى أعضاء في الاتحاد الأوروبي.

عراقيتان تصليان في أحد كنائس بغداد

من هنا، يرى النائب السويدي أن بلداً صغيرًا يمكن أن يحدث فارقاً كبيراً، والسويد يمكن أن تُحدث فارقاً بالدفاع علناً عن إقامة ملاذات آمنة وحث حكومات الاتحاد الأوروبي الأخرى على المشاركة في هذا المجهود.

يضيف أداكتوسون "بدلاً من الضغط للاعتراف بالسلطة الفلسطينية ولتجنب استخدام عبارة "إبادة جماعية" في وصف الوضع في العراق، على وزيرة الخارجية السويدية مارغوت فالستروم إحداث فرق حقيقي للعراقيين الذين يعانون، من خلال دعم إقامة ملاذات آمنة.

ويرى النائب السويدي أن الاهتمام الدولي بقضية الأقليات المضطهدة في العراق بدأ يتزايد، "لكن ما زال هناك الكثير مما يتعين عمله، فالاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على السواء ينتابهما التردد في غرس جذور في الأرض، وذلك أمر مطلوب لدحر داعش وإقامة ملاذات آمنة".

ويعتزم أداكتوسون زيارة إربيل ودهوك في العام المقبل للوقوف على الوضع على الأرض. كما يتوسّم خيرًا من الدعوة لعقد جلسة استماع عن الوضع في العراق كونه عضو في لجنة حقوق الانسان في البرلمان الأوروبي، مؤكدا ان الجلسة ستُعقد في العام المقبل.