عندما تجد الطريق "معلقاً"، والعمال "يشتعلون".. و أحدهم يعاني من "إضرابات النوم"، تأكد أن من يعاني فعلاً هو لغتنا العربية، حيث تكثر "الجرائم" المعنوية المرتكبة بحقها.

الدوحة: "ممنوع براكن السيارات" عبارة استوقفته ملياً، فمحمد اليوسف الشاب الجامعي الذي أنهى دراسته في اللغة العربية شعر بالأسى، "كيف يعقل أن تكتب هذه الجملة على مدخل موقف للسيارات في دولة عربية!"، لكنه سرعان ما وجد نفسه أمام "جرائم" مماثلة ترتكب في كل شارع ومتجر وحتى على صفحات الصحف اليومية والمواقع الإلكترونية الرسمية. فهنا الألف المقصورة تكتب "ي" وهناك الهاء في آخر الكلمة تقلب تاء مربوطة، وفي أماكن أخرى وجد أحرفاً تستبدل بأخرى دون سبب واضح، وأحياناً كلمات تكتب بأحرف ناقصة، وإذا ما جاء إلى القواعد فإنه يجد المنصوب مرفوعاً والمجرور منصوباً.

يطالعنا محمد بصحيفة شهيرة نشرت إعلاناً لمركز طبي يعالج اضطرابات النوم، "عندما نشروا الإعلان أول مرة كان يقول مركز لمعالجة إضرابات النوم، لكن بعد فترة تم تصحيح الخطأ وهذا أمر جيد، لكن المفارقة أن الصحف تنشر إعلانات غير مدققة لغوياً وهذا يعتبر تساهلاً بحق لغتنا العربية". هذا عدا عن الأخطاء في متن الصحف التي يشدد محمد على أن "موادها لا تدقق لغوياً كما يفترض مما يطرح أسئلة حول دور الإعلام في تشويه اللغة العربية عوضاً عن النهوض بها والرفع من شأنها". ويشرح أن "هذا الأمر لن يكون غريباً لو حصل في دولة أجنبية لجهلهم لغتنا لكن الطامة الكبرى أنه يحصل في دولنا العربية".

&

أما السيدة فرح فحاولت جاهدة أن تصوب تهجئة ابنتها لعبارة "عمال يشتغلون" التي تحملها لافتة على جانب الطريق، كانت الصغيرة تصر على موقفها بأن الكلمة "يشتعلون" والأم تؤكد لها أن الفعل الصحيح هو "يشتغلون".

وكانت المفاجأة في اليوم التالي عندما مرت الوالدة في الشارع نفسه، حيث اكتشفت أن تهجئة ابنتها كانت صحيحة والخطأ يعود لمن خطّ هذه العبارة. وابتسمت الأم لاحقاً عندما وجدت أن العمال أيضاً "يشعلون" وفي مكان آخر "عمان يشعلون".. وعندما وجدت أنها عالقة في "طريق معلق" لم تستغرب فالصحيح أنه "مغلق".

وتعتقد فرح أن سبب انتشار هذه الأخطاء في شوارع المدن العربية هو جهل من يقوم بكتابتها بمعنى الكلمات والعبارات التي يخطها، وكذلك لجوء البعض من غير الناطقين بالعربية لترجمة العبارات من الإنكليزية إلى العربية بوسائل غير محترفة، وعدم وجود من يراجع هذه الترجمات للتأكد من صحتها.&


&
رفقاً باللغة العربية

تضج وسائل التواصل الاجتماعي فايسبوك وتويتر وأنستغرام بالنماذج الصارخة لأشخاص قرروا مجابهة الأخطاء اللغوية، البعض أنشأ مجموعات لمحاربة ظاهرة تشويه اللغة العربية، وآخرون يقومون بمبادرات فردية بناءة وإن كانت على مستوى ضيق، فهناك مجموعات على منها "رفقاً باللغة العربية" و"عربي مبين" وحملة "الحفاظ على اللغة العربية" و"حتى لا تندثر العربية" وغيرها، حيث يقوم أفرادها بنشر صور يتم التقاطها هنا وهناك في عالمنا العربي وتحمل في طياتها الكثير من الأخطاء سواء المطبعية أو تلك المتعلقة بالترجمة، أو التي يكون سببها أن من كتبها يجهل اللغة العربية ولا يتحدث بها أصلا.
&
وقد حاورت "إيلاف" الإعلامي اللبناني باسم زين كشف لنا عن بداية فكرة مجموعة "رفقاً باللغة العربية"، فأوضح أن البداية كانت خلال عمله في إحدى شركات العلاقات العامة في دولة الامارات العربية المتحدة "كنا نتبادل داخلياً بعض الأخطاء التي كنا نصادفها بشكل يومي، وهي كثيرة للأسف.

&

وعلى سبيل المزاح، ناقشنا فكرة إحياء النشاط وتحويله لقضية تعني الأمة العربية، لكن لم نقم بذلك على مستوى المؤسسة"، ويضيف "قمت بتطوير الفكرة بشكل فردي وأطلقت صفحة "رفقاً باللغة العربية" على فايسبوك منذ أكثر من عام وأصبحت ما هي عليه الآن. تعمدت استعمال كلمة "رفقاً" لدلالاتها العديدة، من الناحية اللغوية والمعاني التي قد تحملها.

&

وأشار زين إلى أن الصفحة لاقت إقبالاً كبيراً من أول يوم. قمت بتجميع الصور كمرحلة أولى، وبعدها التعريف المكتوب عن الصفحة ليكن أكثر شبهاً بمحتواها، وبدأت بإضافة عدد من الزملاء والأصدقاء الذين بادروا إلى إضافة أصدقائهم، فبات الأمر بمثابة كرة الثلج حتى تجاوز عدد الأعضاء 2200 حتى يومنا هذا. وقد ساهمت وسائل الاعلام أيضاً في الترويج للصفحة ونشاطها، ومنهم من قام بذلك بشكل مباشر كراديو مونتي كارلو، ومنهم من بادر إلى اجراء تحقيقات مكتوبة ومرئية استناداً الى المادة المتوفرة على الصفحة.

وعن مصادر الصور التي تنشر في الصفحة أشار إلى أنه قام بجمعها بنفسه "قمت بالتقاط عدد كبير من الصور المنشورة على الصفحة، فلدي كل الاستعداد للتوقف على أي طريق لالتقاط صورة خطأ لغوي، ويبدو أن العدوى انتقلت لباقي أعضاء الصفحة، إذ أن معظم الصور على الصفحة يقوم أصحابها بالتقاطها، وقد يتجاوز عدد الصور 10 يومياً. البعض يقوم بذلك من خلال حرصه على اللغة العربية، أما السواد الأعظم فيقوم بذلك بهدف التسلية، لكن الهدف الرئيسي هو تسليط الضوء على مشكلة كبيرة نعاني منها، ومع هذا المعدل، أتوقع أن الأجيال القادمة ستكتفي بالتكلم، إلى حد ما، باللغة العربية، أما الكتابة، فلا أعتقد أن أحدهم سيتكلف عناء التحقيق بين الصواب والخطأ.

&

وعن التجاوب من قبل المعنيين لتصحيح الأخطاء أوضح الزين أن الصفحة شكلت "تحدياً لبعض الشركات، التي قام بعضها بالاعتراض على نشر الأخطاء بهذا الشكل الواضح والصريح" مؤكداً إن "كان الجواب حاضراً: بادروا إلى تصحيح الخطأ لتجنب السخرية.

بادر البعض إلى تصحيح الأخطاء، لكن يبدو أن الضرر كبير"، وشدد على أن جوهر المسألة "يتعلق باحترام اللغة العربية وتاريخها، ونحن نتكلم عن أمة عربية يتجاوز عدد مواطنيها 370 مليون نسمة. ولا أذهب بالقول إلى ضرورة أن يكون الجميع على خبرة لغوية، لكن أضعف الإيمان ألا نسمح لمن هم من غير الناطقين باللغة العربية بالتحكم بالترجمة في المنطقة العربية من خلال المواقع الإلكترونية مثل "غوغل" وغيره. نحن لا نتكلم عن أخطاء في أميركا أو أوروبا أو أي بلد آخر، نتكلم عن أخطاء في اللغة العربية في الدول العربية".

ويرجع زين الأخطاء المتكررة بحق اللغة العربية إلى عدة أسباب يلخصها بالقول: "الترجمة الإلكترونية، والناطقون بغير العربية، والإهمال والتغاضي عن الأخطاء"، ويشدد على أننا "نحن مسؤولون بشكل مباشر عن هذه الأخطاء من خلال التساهل معها وتسليم زمام المبادرة لمترجمين غير عرب. مما تسبب بدخول لغة هجينة على مجتمعاتنا، هي خليط من العربية الخاطئة ولغات أخرى قد تتشابه معها، ومنها الفارسية أو الأردو، وهي شبيهة من حيث شكل الأحرف".

عربي مبين

أما مبادرة "عربي مبين" Arabi Mubin فهي منصة تفاعلية ناشطة تهدف إلى استخدام لغة عربية سليمة مع تحمل المسؤولية تجاه الأخطاء الشائعة دون إغفال الإضاءة على الجوانب الإيجابية. واستوحت اللجنة تسميتها من الآية في القرآن الكريم "بسم& الله& الرحمن الرحيم{ وَلَقَدْ& نَعْلَمُ& أَنَّهُمْ& يَقُولُونَ& إِنَّما يُعَلِّمُهُ& بَشَرٌ&&& لِسَانُ& الَّذِي& يُلْحِدُونَ& إِلَيْهِ& أَعْجَمِيٌّ&& وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ }صدق الله العظيم / النحل.

&

وعلى موقع المبادرة نجد الأهداف الإستراتيجية التي تتلخص بتحقيق رؤية الإمارات 2021 التي تهدف إلى جعل الدولة مركزاً للامتياز في اللغة العربية، وتطبيق ميثاق اللغة العربية وتعزيز الهوية الوطنية عبر ترسيخ التواصل بلسان عربي مبين، وتوعية المستَهدَفين بتحمل المسؤولية تجاه الأخطاء الواردة في مطبوعاتهم، وإعلاناتهم& ومراسلاتهم، وبضرورة الاهتمام وإثراء المحتوى العربي في مواقعهم الإلكترونية كافة، مع تشجيع ودعم مبادرات تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، وكذلك الحد من استخدام العربية المهجنة (عربيزي) على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي.

وسائل التواصل الاجتماعي

وإذا كانت المبادرات الإلكترونية التي تطلق لنصرة اللغة العربية تتخذ من وسائل التواصل الاجتماعي منصة لها، فإن هذه الوسائل نفسها تتحمل جزءاً من المسؤولية في تشويه اللغة العربية، حيث تنتشر اللغة العامية واللهجات المحلية في صفحاتها دون حسيب أو رقيب، هذا عدا عن لجوء الكثير من المستخدمين العرب إلى الحديث باللغة الأجنبية في محادثاتهم وكتاباتهم. علماً ان المطلوب ليس استخدام اللغة العربية الفصحى المعقدة، بل تلك البسيطة والقريبة للقلب بما فيها من جماليات.

&

الدول العربية

ومؤخراً كثفت الدول العربية حملاتها للقضاء على ظاهرة الأخطاء اللغوية، خصوصاً على اللافتات الإعلانية، وأصدرت قرارات في إمارتي الشارقة ودبي تهدف إلى تدريب الموظفين المسؤولين عن استصدار تصاريح اللوحات الترويجية على قواعد اللغة العربية السليمة، وإلزام الخطاطين باجتياز دورة معتمدة في اللغة العربية، طالبت بمنح جمعيات الخط وحماية اللغة صلاحية الموافقة على تراخيص الخطاطين بالتعاون مع الجهات الرسمية.

وذلك بعد أن وصل عدد مخالفات اللافتات الإعلانية عام 2014 في دبي إلى 450 مخالفة، توزعت بين التلف وعدم الصيانة أو أمور تتعلق بأخطاء لغوية أو عدم وجود اللغة العربية، أو عدم أخذ التراخيص اللازمة لوضع اللافتات، بالإضافة إلى إعلانات أو لافتات إعلانية غير مناسبة أو مسيئة للذوق العام.

عقوبات للمخالفين

ولعل العقوبات الرادعة هي من الحلول التي ستقف بوجه المخالفين، حيث فرضت مخالفات على اللوحات التي لا تتطابق المواصفات، وفي إمارة الشارقة مثلا تتراوح الغرامة بين 500 إلى 1000 درهم حسب بند المخالفة، والتي تتوزع بدورها بين مخالفات الأخطاء الإملائية وعدم مطابقة الاسم التجاري وعدم الالتزام بحجم الخط وأخيراً عدم الالتزام بقواعد اللغة والتصميم المعتمد، ويأتي تطبيق العقوبة بعد التنبيه، ثم إعطاء مهلة للتعديل، وأخيراً اتخاذ الإجراءات اللازمة بالمخالفة.

أما في إمارة دبي فقد تصل الغرامة إلى 1000 درهم، وتتضاعف إلى 2000 درهم في حال الاستمرار في المخالفة، وذلك بعد إنذار الجهة المخالفة.

وإذا كانت الغرامات هي الرادع الذي قد يمنع البعض من ارتكاب المخالفات، فإن فرض المزيد من الضوابط على ما ينشر في شتى الوسائل الاعلانية الورقية والإلكترونية، سيساهم في الحد من ارتكاب الأخطاء بحق لغتنا العربية. ومما لا شك فيه أن تربية أجيال جديدة على احترام اللغة العربية قد تكون الأساس، فهي لغتنا الأم التي تلتقي تحت مظلتها الشعوب العربية على اختلاف لهجاتها.&
&