أكد الأمير الحسن بن طلال ضرورة تطوير المناهج التربوية بما يعمق القيم الإنسانية المشتركة لدى مكونات الوطن بأبعادها المختلفة، ودعا إلى البدء بهذا المشروع انطلاقا من أرضية علمية موضوعية تؤدي إلى تحقيق الأهداف المنشودة.

نصر المجالي: قال الأمير الحسن بن طلال "إننا بحاجة إلى تنمية في عقولنا وتفعيل إرادتنا، مؤكدا أن ثمة حاجة ماسة للجمع بين التنمية المعنوية وفق المقاربات الانسانية، كما أكد الحاجة لمشروع تضامني إنساني، يفتح الباب أمام الجميع، ويركز على المحتوى المتمثل بمستقبل الشرق".

وأضاف رئيس مجلس أمناء المعهد الملكي للدراسات الدينية، خلال رعايته حفل إطلاق كتاب (المسيحية العربية والمشرقية: دراسة تاريخية) لمؤلفه الأرشمندريت أغابيوس جورج أبو سعدى، أن الحفاظ على البيئة الإنسانية والمادية (الحِمى) يتطلب العمل على تعزيز الأخوة الانسانية واستبعاد مظاهر الإقصاء الاقتصادي والاجتماعي.

وقال في الاحتفال الذي أقامه المعهد الملكي، أمس الثلاثاء بالتعاون مع اللجنة الثقافية في النادي الارثوذكسي في عمّان، إن الحوار بين المسيحيين والمسلمين في الوطن العربي لم يكن حول العقائد اللاهوتية والمعتقدات بل كان نوعا من علاقة مشتركة قائمة على الاحترام المتبادل.

المسيحيون ليسوا غرباء

وأكد الأمير الحسن في حديثه أن المسيحيين العرب لم يكونوا غرباء عن الحضارة العربية الاسلامية، ولا سيما أن الحديث عن الكلدانية والآرامية واليونانية، هو حديث عن صيرورة من الفكر.
&
وأشار الأمير الحسن إلى خطاب العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني الذي ألقاه يوم الإثنين الماضي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي يوضح أن العامل الأكثر أهمية للحرب ضد الارهاب يكمن في التصدي للفكر المتطرف وأدواته التي تحتاج الى تكاتف المجتمع الانساني وتنوعه الديني والعرقي والثقافي، وهو ما يسمى وفق علم الاجتماع بالطاقة المجتمعية.

كما تناول الأمير الهاشمي في حديثه دعوة البابا فرنسيس لمكافحة الفقر والتغير المناخي والتدهور البيئي وتسوية النزاعات التي ترغم الاف اللاجئين على الفرار، لافتا إلى أن رؤية قداسته التي تبين ان الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والبيئية تأتي مقابل الحقوق المدنية والسياسية لكنها ليست متناقضة بالضرورة.

المسيحية نبتة عربية مشرقية

من جهته، قال الارشمندريت اغابيوس جورج ابو سعدى، مؤلف الكتاب إن الهدف من كتابه يتمحور حول أمرين اولهما: إبراز حقيقة وجود المسيحية كنبتة عربية ومشرقية، نظرا لقلة الصفحات في كتب التاريخ المتداولة في حقل التعليم بالعالم العربي واسرائيل، وثانيهما: الايمان العميق بأن المسلمين والمسيحيين بإمكانهم العيش جنبا الى جنب دون ان يلغي احدهم الاخر.

واستند الأرشمندريت ابوسعدى في تأليفه للكتاب على حقائق أساسية ومنها إن المسيحية المشرقية جزء عضوي من الواقع التاريخي والاجتماعي والثقافي العربي والمشرقي، وأن الحضور المسيحي في الشرق، حضور أصيل داخل النظام الحضاري العربي والاسلامي.

ودعا المسيحيين المشرقيين الذين لم يكونوا يوما جزءا من هموم الغرب أن يتفحصوا من جديد انساق السياسات الاستعمارية والتوسعية التسلطية التي لم تكترث او تهتم لما يتعرضون له، مؤكدا ضرورة العمل على كشف اخطار تلك السياسات والتوجهات.

وطرح أبو سعدى في مؤلفه جملة من الاقتراحات ومنها: نشر ثقافة احترام الاخر والاعتراف بحقه في الاختلاف دينيا وثقافيا، إلى جانب المطالبة بوضع قوانين صارمة لرجال الدين من كل الأديان، بما يمنع التحريض على التطرف قولا وعملا بين أبناء البشر بالإضافة الى قيام منظمات المجتمع المدني بدورها بما تملكه من قدرة على التمدد بين اوساط المجتمع.

المسيحية والعرب

من جهتها قالت الباحثة الدكتورة هند أبو الشعر إن ما توصل إليه المؤلف سليم جدا، لا سيما ونحن لا نجد في مصادرنا العربية صورة متسلسلة للقبائل العربية المسيحية قبل الاسلام، رغم ان المسيحية كانت ديانة غالبية القبائل العربية والتي بعضها كون دولا كالغساسنة والمناذرة وكنده.

وأشارت أبو الشعر إلى المبرر الذي جعل المؤلف يتجه لدراسة المسيحية العربية، عندما لاحظ طمسا لا يخلو من غرابة للتاريخ العربي المسيحي سواء في كتب التاريخ العربي او مناهج الدراسات وكذلك الدراما، ولا سيما أنه اكتشف وجود حالة صمت حول الدور التاريخي للعرب المسيحيين.

نسيج اجتماعي وديني

وقال عميد كلية الاداب في جامعة الاسراء الدكتور وجيه عبدالرحمن إننا عندما نتحدث عن المسيحيين العرب والمسلمين فهو حديث عن نسيج اجتماعي تاريخي وديني أيضا، والتي بدأ منذ نزول الوحي على النبي محمد عليه السلام وذهابه للقس ورقة ابن نوفل الذي اعترف بنبوة سيدنا محمد عليه السلام.

وأشار الدكتور وجيه إلى أن الكنيسة كانت حاضنة للإسلام وراعية للمسجد مستشهدا بهجرة المسلمين إلى الحبشة، واستقبال النجاشي، ومنحهم الامن والامان.

وقال إن المعاناة التي يواجهها المسيحيون العرب في بعض البلاد الاسلامية التي تشهد صراعات وحروبا ونزاعات، لا تقتصر على المسيحيين لوحدهم بل طالت المسلمين ايضا، الامر الذي يؤكد إن هذه الممارسات تمس الوجود العربي بفسيفسائه المتنوعة.