لم يبق من كوميونة تولستوي، وهي واحدة من كوميونتين ما زالتا في بريطانيا، إلا اربعة اعضاء مقيمين فيها وقطة طرشاء ودية وبعض الدجاجات وبقرة كبيرة.
&
ويعود تاريخ الكوميونة الى أكثر من 100 عام. &ففي سنة 1894 حين كان الكونت ليف نيكولايفيتش تولستوي في أوج شهرته بادرت مجموعة من المعجبين به الى تأسيس اول كوميونة تولستوية في بريطانيا تهتدي بمبادئ الروائي الروسي الذي بدأ في منتصف العمر يكتب اعمالا فلسفية قال فيها ان المسيح نبي انساني يدعو الى النزعة المسالمة والعيش الجماعي في كوميونات وانه كان عموما ينظر بعين الشك الى مؤسسات الحكم. &وسرعان ما كسب تولستوي اتباعا يقرب اعجابهم به من العبادة ، في بلده وفي الخارج ، رغم انه كان يرفض مثل هذه التبعية. &وكتب ان الحديث عن "تولستوية ، وطلب حلول مني خطأ كبير وفادح". ولكن كوميونات تحمل اسمه أُقيمت رغم ذلك. &
&
تشريح البؤس
&
وكان اشد اتباعه تحمسا في بريطانيا ، ومنهم جون كولمان كينورذي رجل الأعمال السابق الذي كان ابرز اعضاء كوميونة تولستوي في بيرلي في بريطانيا. &ونشر كتابا اقتصاديا بعنوان "تشريح البؤس" اثنى عليه تولستوي وحرص على ان يُترجم الى الروسية. &ويعلن كينورذي في كتابه "ان من المتعذر محاربة النظام بأسلحته دون ان نتلوث بها". &وخلص الى القول ان تغيير المرء لنفسه هو المخرج الوحيد من جحيم البيروقراطية الذي صنعناه بأنفسنا. &ولكن رغم دعم تولستي لكوميونة بيرلي فانها لاقت صعوبة بسبب "انعدام الانضباط والحس السليم" ، كما قال أي. ان. ولسن كاتب سيرة تولستوي. &وبحلول عام 1904 انهارت الكوميونة عندما هجرها المتبقون من اعضائها. ولكن بعد فترة وجيزة انتقلت مجموعة من المعجبين بآراء تولستوي من مدينة ليدز شمال انكلترا الى كوميونة بيرلي المهجورة. &وفي النهاية عادوا الى مدينتهم واقاموا كوميونة باسم ستايبلتون في مقاطعة يوركشاير شمال انكلترا قرب مرتفعاتها الجميلة. &ولم يكن تولستوي متحمسا لها ربما بسبب انشغاله في مشاكله الزوجية وقتذاك. &وفي عام 1903 سافر اثنان من اعضاء الكوميونة الى روسيا لاقناعة بأهمية الروحانية التي كان يرفضها. ولكنه قال ان العمر تقدم به بحيث لا يستطيع ان يتلقى "حقيقة جديدة".&
&
خلال القرن الذي مر منذ ذلك الحين عاش نحو 24 شخصا في أبنية الكوميونة الثلاثة. &والى ان انتهت الخدمة العسكرية الالزامية في عام 1960 كانت كوميونة ستايبلتون تؤوي هاربين من التجنيد الاجباري. &ولكن عدد سكان الكوميونة انخفض خلال السنوات الأخيرة الى حفنة فقط. &وحين زارها مراسل مجلة نيويوركر مؤخرا وجد ان براكن جيبسون احد اعضاء الكوميونة ينتمي الى الجيل الثالث من افراد عائلته الذين كانوا من سكانها. &وشعر جيبسون بالتعاطف مع قضية والده رغم انه لم يتأثر بطابع القضية الديني. &وحين سُئل إن كان يعتبر نفسه مسيحيا ابتسم وقال انه ملحد وحين كان مراهقا شارك في اعمال احتجاجية واعتُقل مرات كثيرة حتى انه لا يستطيع ان يحصيها. الى جانب اعمال الصيانة التي يقوم بها جيبسون في الكوميونة فانه يمارس هواية تربية النحل ويعتني بوالدته العجوز هيلدا المصابة بمرض الزهايمر وتعيش في بيت داخل الكوميونة. &وكانت هيلدا في شبابها مسيحية متدينة وخطيبة متفوهة.&
&
الجانب اللاهوتي
&
عضو الكوميونة الآخر الشابة جو التي تؤدي اعمالا زراعية فيها بينها زراعة اشجار الصنوبر وبيعها في اعياد الميلاد. وكان براكن وجو التقيا ايام الدراسة في الجامعة واكتشفا انهما يشتركان في ايمانهما بالنزعة المسالمة وبعد تخرجهما عاشا في مبنى مجهور في لندن حيث كانا يقيما حفلات شبابية صاخبة في قبو المبنى.&
&
عضو الكوميونة الرابع شاب انتقل اليها حين قرأ عنها في دليل للمستوطنات الجماعية والكوميونات في بريطانيا. &ورغم ان الجانب اللاهوتي للتولستوية لم يؤثر في اي من اعضاء الكوميونة كما اثر في اسلافهم فان قيم تولستوي الاشتراكية والدفاع عن البيئة هي المبادئ التي يسترشد بها اعضاء الكوميونة. ومن هذه الناحية تختلف كوميونة ستايبلتون اختلافا جذريا عن وايتواي كولوني ، الكوميونة التولستوية الثانية المتبقية في بريطانيا حيث يعيش الكثير من سكانها حياة لا تختلف عمليا عن حياة القرى المجاورة لها في حين ان سكان كوميونة ستايبلتون يستهلكون مصادر الماء الموجود في ارض الكوميونة ورغم انها ليست مكتفية ذاتيا فانهم لا يشترون إلا منتجات التجارة الأخلاقية النزيهة أو السلع المستعملة. &ويؤمن اعضاء الكوميونة &بالمسؤولية عن كل ما في الكوميونة ولهذا السبب اختاروا العناية بالعجوز هيلدا بأنفسهم بدلا من ارسالها الى دار لكبار السن. وقالت جو الملحدة مثل صديقها براكن ان تشبيه حياة الكوميونة بالزهد والتنسك المسيحي ليس صحيحا وان ما يفعله سكان الكوميونة بالاعتماد على أنفسهم وما تنتجه ارضهم قدر الامكان "يبدو هو الأمر المنطقي". &
&
كتب تولستوي "ان آلافا منا نشروا وكتبوا في محاولة لتعليم الآخرين وهم طول الوقت ينكرون ويشتمون بعضهم البعض". &واضاف "اننا من دون ان ننتبه الى حقيقة اننا لم نعرف شيئا ولا نعرف الجواب عن ابسط مسائل الحياة ، وهي مسألة الصواب والخطأ ، مضينا كلنا نتحدث دون الاستماع الى أحدنا الآخر".&
&
التعليقات