يعاني آلاف اللاجئين الأفارقة في الجزائر من استغلالهم للعمل في ظروف تقترب من العبودية من قبل أرباب العمل بعد هربهم من ظروف قاسية في بلدانهم ليعانوا من قسوة مشابهة.


الجزائر: انتقد تقرير حديث لمنظمة حقوقية غير حكومية الوضع الذي يعيشه المهاجرون الأفارقة في الجزائر، وقال إن ما بين 11 و13 ألف أفريقي يعملون بطريقة غير شرعية وتقترب من "العبودية"، غير ان السلطات ترفض هذا الوصف وترى انه يحمل كثيرا من المبالغة والمغالطات بالنظر إلى الجهود التي تبذلها للتكفل بهم، ومواجهة شبكات التهريب والاجرام التي يعمل فيها البعض منهم.

في ورشة للبناء تابعة لمقاول خاص غرب العاصمة الجزائر يعمل يوسف الهارب من جحيم حرب لا تريد ان تنتهي في مالي&منذ مدة، ويقول يوسف " أعمل في ظروف ليست كما أريد لكن تبقى أحسن من نيران الحرب في بلدي".

وأضاف يوسف" هنا نعمل لفترة تزيد عن 8 ساعات أحيانا مقابل راتب يومي لا يتجاوز 15 دولارا لكن ما باليد حيلة، فليس من حقنا الاحتجاج لأننا لا نملك وثائق إقامة" وحالة يوسف لا تختلف كثيرا عن حالات الآلاف من اللاجئين الأفارقة القادمين من مالي والنيجر والتوغو وساحل العاج وغينيا ومختلف دول الساحل وغرب افريقيا، فحالات كهذه تصنف عند المهاجرين الأفارقة في خانة المحظوظين لأنهم سيظفرون إضافة الى العمل بمأوى يبيتون فيه حتى ولو كان في ظروف غير مقبولة ومهربة من العصر البدائي.

لا رواتب
في مدينة أولاد فايت التي يرتادها كثير من الأفارقة للعمل في العديد من مشاريع البناء التي أطلقتها الحكومة الجزائرية ضمن برنامج يهدف إلى القضاء على أزمة السكن، التقت "ايلاف" الشقيقين موسى وسعيد القادمين من مدينة غاو شمال مالي، وهما في رحلة بحث عن عمل قد يضمن لهما دخلا حتى ولو كان بسيطا والاهم أنه سيضمن لهما مأوى.

وعن ظروف عمل الماليين في الجزائر، يقول سعيد " نبحث عن عمل، لكن لم نجد بعد"، مضيفا" الحصول على مصدر رزق ليس سهلا، فأحيانا نعمل لشهر ونتوقف، وبعض أرباب العمل لا يدفعون لنا رواتبنا بعد نهاية ما شغلونا من أجله".

وأضاف " نعامل أحيانا كالعبيد ، بعض أرباب العمل لا يعطوننا حقوقنا، ونشتغل دون تأمين ودون توقيت عمل محدد، لكن رغم ذلك نعمل ونرضى بهذه الظروف". وكشف سعيد الذي يبدو أكثر حظا من أخيه كونه يتحدث الفرنسية بطلاقة على عكس موسى الذي لا يجيد إلا لغته المالية المحلية عن ما عاناه مع رب عمل في غرداية جنوب الجزائر، وقال " لقد تأخر في دفع راتبي كما لم يكن يعطيني حتى لآكل". وغير بعيد عن المكان الذي التقينا فيه سعيد وموسى، نجد ثلاث رعايا ماليين آخرين هم& إبراهيم وإبراهيم ومحمد كلهم في العشرين من العمر برفقة جزائري زميل لهم& وهم جالسون في احد مقاهي أولاد فايت.

ويعمل الأربعة لدى مقاول جزائري يملك شركة مناولة تعمل مع مستثمر تركي ينجز مشاريع سكنية.وتحدث ابراهيم& مع "إيلاف" نيابة عن زميليه قائلا " ظروف العمل ليست كما نريد، أن تعمل في قطاع البناء معناه ستقوم بعمل شاق، لكن هذا تعودنا عليه وكنا نتوقعه عندما جئنا من بماكو، لكن ليس من المعقول أن نبقى 3 أشهر دون اجر، إننا بشر ولسنا عبيدا".

وفي ورشة للبناء، التقت "ايلاف" رعية إفريقي آخر كان يحمل الآجر على كتفه، فسألته عن ظروف عمله، وخوفا ربما من إمكانية طرده لو تحدث عن هذه الظروف، قال" ظروف العمل جيدة، وراتبنا معقول كما أننا نملك تأمين".لكن صاحب هذه الورشة ينفي ما جاء على لسان هذا الأفريقي، وتحدث لـ"إيلاف" بمنتهى الصراحة قائلا" جميع العمال الأفارقة لا يملكون تأمينا لأنهم لا يحملون وثائق إقامة".وأردف " أرفض أن يقال إننا نعامل الرعايا الأفارقة كالعبيد، صحيح ظروف عملهم قد لا تكون مثالية لكن ليست بذلك السوء، فرواتبهم تصل أكثر من 300 دولار شهريا ".

وفي مدينة باب الزوار شرق العاصمة غير بعيد عن محطة قطار المدينة، يوجد الكثير من هؤلاء غير المحظوظين الذين يضعون طاولات مدت عليها نظارات من صنع صيني يبيعونها لذوي الدخل الضعيف من الجزائريين.وبالنسبة لهؤلاء لا يهم إن كانت تجارتهم غير شرعية ولا يسمح بها القانون، فحسب من تحدثنا معهم حياتهم كلها غير شرعية وغير صحيحة.. إقامتهم تجارتهم.. وحتى أطفالهم غير شرعيين لان زيجاتهم تتم عرفيا، والاهم بالنسبة لهم الحصول على بعض الدنانير لكسب قوت يومهم حتى ولو صنفها آخرون أنها من عالم العبودية، على حد قولهم.

شبكات
لكن صاحب العمل الذي تحدث الى&"إيلاف" حرص على التنبيه&الى أن هؤلاء الأفارقة ليسوا "ملائكة"، مشيرا الى&أنهم ينشطون ضمن شبكة عمل تفرض على أصحاب العمل سعرا موحدا لا يتم التنازل عنه والذي لا يقل عن 15 دولارا، الأمر الذي يجعل رب العمل يقبل به في ظل غياب عمالة بديلة.

ورغم يد العمل الرخيصة التي يمثلها المهاجرون غير الشرعيين الأفارقة، إلا أن بعض أرباب العمل يتفادون توظيفهم بالنظر لسمعتهم السيئة بشأن عملهم في الشعوذة وتزوير العملات، وهي الظاهرة التي شهدتها عدة مناطق في&الجزائر. وفي بداية العام الجاري ، قضت محكمة الشراقة غرب العاصمة الجزائر بعقوبة سنتين حبسا نافذا في حق 3 رعايا أفارقة من جنسية كاميرونية متواجدين رهن الحبس الموقت لتورطهم في قضية حيازة معدات لتزوير النقود.

وتم القبض على المتهمين الثلاثة& بعد ورود معلومات لمصالح الضبطية القضائية مفادها وجود رعايا أفارقة يقومون بتزوير النقود و ينصبون على أصحاب المحلات التجارية ببلدية بوسماعيل في تيبازة الولاية الحدودية غرب العاصمة.وتوصلت تحريات الشرطة الجزائرية إلى تحديد هوية المتهمين، والقبض عليهم في حالة تلبس وبحوزتهم حقيبة حديدية فيها محلول خاص بتزوير النقود و20 مليون سنتيم مزورة (ألفي دولار)، بالإضافة إلى أموال بالعملة الصعبة قيمتها 50 دولارًا مزورة، و3 جوازات سفر مزورة وورقة محرر فيها كيفية تزوير النقود.

وبحسب ما جاء في اعترافات أحد المتهمين، فإن هذه التجهيزات والنقود قد اقتناها من المغرب.

بحث عن الذهب
أما على الحدود الجنوبية للجزائر، فللأفارقة عمل آخر يبدأ بالتهريب وينتهي بالبحث عن الذهب الأصفر، مستغلين بذلك شساعة الحدود بين الجزائر، وجيرانها الجنوبيين، وعدم غلق المنافذ الحدودية.وتظهر حصيلة لوزارة الدفاع في حوزة "إيلاف" أن مختلف عمليات حماية الحدود ومكافحة التهريب والجريمة المنظمة التي نفذتها مفارز الجيش الجزائري ومختلف قوات الأمن في سنة 2015 أفضت إلى توقيف 2076 مهربًا للسلع، منهم 543 أجنبيًا، وتوقيف 1977 منقبًا عن الذهب منهم 1274 من جنسيات أفريقية.

وتشير الحصيلة إلى حجز 656 قطعة سلاح لدى المهربين وتجار المخدرات، بالإضافة إلى 18 قطعة سلاح لدى المنقبين عن الذهب، وحجز أكثر من 1434 طنًا من المواد الغذائية الموجهة للتهريب خارج الحدود الجزائرية.وحجزت عناصر الجيش الجزائري لدى هؤلاء الأفارقة أكثر من 3880564 ليترًا من الوقود كانت موجهة للتهريب ، و 1722 جهاز كشف عن المعادن، بالإضافة إلى عدد كبير من المولدات الكهربائية ومطارق الضغط، و أكثر من 1000 شاحنة ومركبة، منها 171 عربة رباعية الدفع لدى المنقبين عن الذهب.

كما تم خلال مختلف هذه العمليات حجز أعداد معتبرة من رؤوس الماشية والاجهزة الكهرومنزلية والهواتف والحديد والنحاس والفحم والإسمنت والمرجان والمواد الصيدلانية وشبه الطبية وخليط الذهب والتبغ والألعاب النارية والمشروبات ومبالغ مالية بالعملة الوطنية والأجنبية".

استغلال
نشرت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان مؤخرا تقريرا حول ظروف تشغيل اللاجئين الأفارقة في الجزائر، ودعت فيه السلطات الى فتح تحقيق في الموضوع.وقالت الرابطة إنها "تتابع باهتمام هذا الوضع، وتدق ناقوس إنذار حول استغلال أرباب عمل ومقاولين وأصحاب مزارع كبرى ومستثمرات فلاحية النازحين الأفارقة غير الشرعيين في مشاريعهم بعيدا عن القوانين المعمول بها، منها القانون رقم 90/11 المتعلق بعلاقة العمل، ودون تصريح عنهم لدى الضمان الاجتماعي ولا حتى علم بهم على مستوى وزارة العمل والتشغيل ووزارة الداخلية".

وكشف التقرير أن من سماهم بـ "الإقطاعيين الجدد" يستغلون "مآسي المهاجرين الأفارقة الهاربين من ويلات الحروب والفقر في مشاريعهم سواء في ورشات البناء أو الفلاحة مقابل رواتب زهيدة، حيث يتعرضون لاستغلال بشع، ويعملون دون التصريح بهم لدى مديرية الضمان الاجتماعي". وبحسب التقرير ذاته، فهؤلاء المهاجرون يتقاضون أقل من نصف الحد الأدنى من الأجر الذي يتلقاه العامل الجزائري، ويتعرضون للتهديد بالإبلاغ عنهم لدى مصالح الأمن إذا تذمّروا من وضعهم الراهن، كونهم لا يملكون وثائق هوية".

دعوات بالتدخل
ودعت المنظمة غير الحكومية ذاتها السلطات إلى إنهاء "هذه الممارسات غير الإنسانية، خاصة بعد أن أبدى الإقطاعيون الجدد وبعض الشركات الأجنبية من& عديمي الضمير استخفافا مروعا بالحقوق الإنسانية الأساسية للعمال الأفارقة غير الشرعيين، وانتهز كثير منهم تراخي السلطات الوصية وقرار الحكومة السماح بتوظيف اللاجئين الأفارقة والعرب في مختلف القطاعات، خاصة لدى أصحاب المصانع ومقاولات البناء، بالسماح لمديريات التشغيل على مستوى الولايات لمنح تراخيص بتوظيف هؤلاء".

ودعا هواري قدور الأمين الوطني المكلف بالملفات المتخصصة للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان السلطات المختصة إلى فتح "تحقيق معمق لاستغلال بشع للمهاجرين الأفارقة". وذكّر هواري قدور أن " حقوق العمال جزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان، ولا ينبغي التجاوز عليهم وعلى حقوقهم مهما كانت المبررات، فهؤلاء العمال الأفارقة غير الشرعيين يحملون صفة إنسان أولا، وهذه الصفة وحدها تكفي لكي تُصان حقوقهم على أفضل وجه، خاصة أنهم يؤدون أدوارا تعود بالفائدة على الجزائر بعد ما أضحت اليد العاملة الأفريقية البديل الأنسب لشركات البناء ومقاولات أشغال الري والطرقات والفلاحة، بسبب عزوف شريحة واسعة من الشباب الجزائري عن العمل في هذه الأشغال القائمة على الجهد البدني الشاق، لذلك هم يستحقون الاحترام والمكافأة المعنوية والمادية بما يليق بإنسانيتهم".

لا أرقام رسمية
وأشار التقرير أن الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان حاولت معرفة عدد الرخص الاستثنائية الممنوحة& في سنة 2015 لأرباب العمل من طرف مديريات لتشغيل للأفارقة من اجل مقارنتهم مع العدد الحقيقي في الواقع الميداني الذي قدرته بين 11 و13 ألف عامل، لكن "كل محاولاتنا& باءت بالفشل متحججين بان الأرقام الحقيقية& لسنة 2015& ما زالت في إطار التحليل والمعالجة على مستوى وزارة العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي ، مما حتم علينا الاستناد الى الأرقام السابقة.

وقال وزير العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي في 21 يونيو 2014 إن عدد العمال الأجانب الذين يعملون في الجزائر يبلغ 140 ألف عامل من 125 جنسية أجنبية مختلفة.وانتقدت الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان اكثر من مرة طريقة تعامل السلطات مع اللاجئين الأفارقة، وتقول إنها تستثنيهم من حقوق توفرها لباقي اللاجئين كالسوريين والفلسطينيين والصحراويين.

كل الظروف وفرت
لكن رئيسة الهلال الأحمر الجزائري سعيدة بن حبيلس تنفي كل هذه الاتهامات والملاحظات الصادرة عن الرابطة، واعتبرت أن هذا التقرير لا يقترب من الحقيقة لانه بني على حالات منعزلة لا تمثل كل الحقيقة.وتقول بن حبيلس التي تتولى منظمتها التكفل بملف اللاجئين الأفارقة إن هؤلاء "غير مجبرين على العمل لان السلطات وفرت لهم كل شيء للاقامة في الجزائر وسط ظروف كريمة".

وبحسب بن حبيلس، فإن مسؤولية هذه الحوادث إن صح وقوعها فهي من مسؤولية الطرفين، مبينة أن كثيرًا من المهاجرين غير الشرعيين يرفضون المساعدة المقدمة لهم من طرف السلطات ممثلة في الهلال الأحمر الجزائري، ويفضلون العمل في هذه الظروف.
&