بالتوازي مع الاحتجاجات التي تعيشها تونس، لم يخرج حزب الرئيس الباجي قائد السبسي من دائرة المجهول والتفكك بعد اشهر من الصراعات الداخلية. فالمنشقون عنه من قيادات ونواب لا نية لهم في العودة إلى حزب والقيادات التي جمّدت عضويتها لا تزال على موقفها بسبب ما تعتبره "انقلاب الشق المتبقي في الحزب" والمعروف في تونس بـ"شق حافظ السبسي" نجل الرئيس على توافقات سابقة واحتكارهم للحزب.


مجدي الورفلي من تونس: اجتمعت الجمعة الماضي الهيئة السياسية او ما تبقى منها، لحزب الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي في محاولة لايجاد صيغة ترضي القيادات التي جمّدت عضويتها في الحزب احتجاجا على تركيبة الهيئة السياسية الجديدة، وتحديدا تعيين، حافظ نجل الباجي قائد السبسي امينا مكلفا بالادارة التنفذية، اي الامساك بكل دواليب الحزب، والموالين له في مناصب مماثلة.

ونتج عن هذا الاجتماع الذي ترأسه رضا بالحاج مدير ديوان الرئيس السبسي، وحافظ قائد السبسي، الغاء المناصب القيادية في الهيئة السياسية ومنها منصب امانة الادارة التنفيذية التي يتولاها السبسي الإبن وتعويض تلك المناصب بدوائر يترأس كل دائرة 3 اعضاء من الهيئة وتكليف حافظ السبسي بمهام ادارية ومالية دون تحديدها، وهو اتجاه توافقي يُلغي تقريبا نتائج مؤتمر سوسة وفق ما افاد به عضو الهيئة السياسية خميس قسيلة لـ"إيلاف".

وعقد حزب "نداء تونس" الذي فاز في انتخابات 2014 التشريعية، مؤتمره الأول في محافظة سوسة، على وقع خلافات واستقالات وانشقاقات كثيرة.

وتشترط القيادات التي جمدت عضويتها في الهيئة السياسية للعودة للحزب، حل الهيئة السياسية المنبثقة عن مؤتمر سوسة (محافظة ساحلية تونسية) وتعويضها بهيئة تسيير تتكون من 4 أو 5 قيادات تحظى بالتوافق وتكون مهمتها إدارة الحزب الى حدود إنعقاد مؤتمره التأسيسي بعد 5 اشهر على أقصى تقدير، ولكن مقترحها لم يكن ما قررته الهيئة السياسية.

ويُذكر انه بعد الإعلان عن تركيبة الهيئة السياسية التي افرزها مؤتمر سوسة شهد الحزب موجة إستقالات وتجميد عضوية بلغت 8 أعضاء من ذات الهيئة التأسيسية و6 نواب وقيادات اخرى بسبب ما اعتبروا انه "انقلاب من شق نجل الرئيس التونسي حافظ قائد السبسي على التوافقات وافتكاك الحزب والسيطرة على الهيئة السياسية".

ومن اهم المستقيلين وزير الشؤون الإجتماعية محمود بن رمضان، فيما خيّرت قيادات اخرى تجميد العضوية فحسب املا في ايجاد حل ينهي ازمة قسمت الحزب، ومن بين هؤلاء وزير الصحة الحالي سعيد العايدي ورجل الاعمال المعروف فوزي اللومي الذي اسس تيارا جديدا داخل الحزب بعد مؤتمر سوسة.

مناورة سياسية

يبدو ان ما قررته الهيئة السياسية لحزب الرئيس السبسي لن يكون عاملا مساعدا لانهاء الازمة التي اضرت بمصالح تونس، فرغم التركيز على التحركات الاجتماعية التي تعيشها البلاد رفضت عديد القيادات ما افرزه الاجتماع الذي ترأسه نجل الرئيس السبسي واعتبرته "مجرد مناورة لا غير".

فوزي اللومي رجل الاعمال والقيادي داخل الحزب، وقد اسس تيارا داخله بعد مؤتمر سوسة، اعتبر في تصريح لـ"إيلاف" ان القرارت التي اعلنتها الهيئة السياسية لحزبه نداء تونس مرفوضة وليس لها أي معنى وتمثلّ هروبا إلى الأمام خاصة ان حافظ السبسي كُلف بمهام ادارية ومالية وهي نفس مهمة الادارة التنفيذية تقريبا باعتباره لا يزال الممثل القانوني للحزب.

أصل الصراع ونتائجه

منذ إعلان تأسيسه في 2012 من طرف الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي تشكّلت "حركة نداء تونس" من روافد عديدة مثلتها شخصيات ذات خلفيات يسارية ونقابية ودستورية "تجمعية" (نسبة الى التجمع الدستوري الديمقراطي حزب الرئيس بن علي)، وحّدتهم آنذاك معارضة مشروع حركة النهضة.

ويوم الأحد 10 جانفي/يناير 2016، وقع انقسام نهائي داخل الحزب الأول في تونس لينتهي حلقة من مسلسل صراعات بين ما يعرف بشق الأمين العام للحزب محسن مرزوق، وشق نجل الرئيس التونسي حافظ قائد السبسي.

ففي ذلك اليوم بينما كان مؤتمر حركة نداء ينعقد في محافظة سوسة، أعلن أمينه العام السابق محسن مرزوق وعشرات من القيادات والنواب في العاصمة، الإنفصال التام عن الحزب خلال اجتماع شعبي وكشفوا عن "نيتهم تأسيس كيان سياسي جديد يواصلون من خلاله مشروعهم الذي حاد عنه نداء تونس بتحالفه مع حركة النهضة في البداية ومن ثم محاولة نجل السبسي ومواليه السيطره على الحزب".

ويتهم المستقيلون والمنشقون الرئيس السبسي بمحاولة توريث الحزب لنجله حافظ.

يذكر ان مؤتمر حركة نداء تونس في سوسة انتهى بالإعلان عن تركيبة الهيئة السياسية الجديدة ليسيطر عليه رموز ما يعرف بشق نجل الرئيس الباجي قائد السبسي، كخميس قسيلة وعبد الرؤوف الخماسي، لينال حافظ قائد السبسي منصب أمين وطني مكلف بالإدارة التنفيذية والممثل القانوني للحزب، وهو ما تسبب في سلسلة ثانية من الإستقالات وتجميد العضوية في الحزب.

كيان جديد

ونتج عن الصراع داخل حزب السبسي انقسام كتلته البرلمانية التي تتألف من 86 نائبا حيث أعلن 32 نائبا منها في البداية تعليق عضويتهم في هذه الكتلة مما دفع الرئيس الباجي قائد السبسي لتشكيل ما يُعرف بلجنة الـ13 هدفها تقريب وجهات النظر بين الفريقين المتصارعين ولكنها لم تكن من وجهة نظر الامين العام السابق محسن مرزوق والمتماهين معه في الموقف سوى إنعكاسا لمساندة السبسي الاب لإبنه، بالنظر الى تركيبتها.

كل هذه الاحداث والمنعرجات والصراعات ادت الى استقالة 22 نائبا من كتلة الحزب بالبرلمان وتشكيلهم لكتلة نيابية جديدة والذهاب مع الامين العام المنشق عن حركة نداء تونس لتأسيس كيان سياسي جديد يتبنى "البورقيبية الجديدة" والاعلان عنه في 2 مارس/ آذار المقبل رسميا، سيكون تاريخا رمزيا في تونس ففي اليوم ذاته من سنة 1934 اعلن الرئيس الاول لتونس الحبيب بورقيبة عن انشقاقه عن الحزب الدستوري وتأسيس "الحزب الدستوري الجديد" فيما يُعرف بمؤتمر "قصر هلال".