مراكش: يمكن القول إن المشاركين في مؤتمر الأطراف في الاتفاقية الإطار للأمم المتحدة بشأن تغير المناخ (كوب 22)، الذي تتواصل فعالياته إلى غاية 18 من الشهر الجاري، يناقشون، على مدى 12 يوماً، الأسئلة الحارقة، التي تهم مستقبل البشرية والكون، على حد سواء، داخل ملعب أخضر متناغم مع ما ينادون إليه: مراكش، هذه المدينة "الضاحكة"، بنهارها الدافئ وليلها الساحر، التي أكدت، على مدى تاريخها، من خلال طريقة تدبيرها للماء وتهيئتها للحدائق، بشكل خاص، أن الرهان على الخضرة مربح ومريح، على أكثر من صعيد.

مراكش .. "الحاضرة البستان"

مراكش هذه المدينة التي كتب تاريخها عبر حدائقها، أيضاً، والتي سميت، منذ القديم، بـ"الحاضرة البستان"، أخذت أحياء عديدة منها أسماء الحدائق عنواناً وتسمية لها، مثل "عرصة علي وصالح" و"عرصة الملاك" و"عرصة البردعي"، وهي عرصات وحدائق ظلت تتجاور، ضمن المدينة نفسها، مع حدائق "أكدال" و"المنارة" و"ماجوريل"، وعرصات "البيلك" و"مولاي عبد السلام"، وغيرها من المساحات الخضراء، التي تكاد تدفع البعض إلى المطالبة بتغيير لقب مراكش من "المدينة الحمراء"، نسبة إلى لون بناياتها، إلى "المدينة الخضراء"، نسبة إلى حدائقها.

هي "ليست حمراء فقط، بل خضراء أيضاً"، يكتب الشاعر والروائي ياسين عدنان، قبل أن يستدرك: "بل هي خضراء أساسًا، سمّاها الأسلاف "الحاضرة البستان"، وهي اليوم تتوفر على 30 حديقة ومنتزهاً مفتوحة في وجه السكان والزوار. هذا جيد".

وجوه مشاركة في جناح الشعوب الأصلية في قمة المناخ بمراكش

وفي خضم الفورة العقارية والتحولات المتسارعة، التي عرفتها مراكش، على مدى السنوات الأخيرة، يشدد أبناء المدينة على الحاجة إلى الاهتمام بالجانب البيئي، عبر الاعتناء بالرصيد الهام من الحدائق، التي عرفت بها مراكش، على مر القرون، وابتكار "طرق خضراء" لمسايرة زحف الأسمنت.

ويتحدث عدنان عن جيلين من الحدائق: "العراصي الأميرية التي أنشئت في أواخر القرن الثامن عشر أيّام حكم السلطان محمد بن عبد الله، وأشهرها عرصة مولاي المامون، حيث فندق المامونية اليوم، وعرصة مولاي عبد السلام الضرير.. وبساتين القرن الثاني عشر السلطانية". وتعتبر حدائق "المنارة" و"أكدال" من البساتين السلطانية.

في مراكش، يقف الزائر متعجباً من كثرة الحدائق فيها، والتي تعيد، كل يوم، سرد تاريخ المدينة. فهناك مساحات أخرى خضراء تنبت، بين الفينة والأخرى، لتمنح المدينة الحمراء مزيداً من الخضرة: أشجار زيتون وبرتقال ونخيل، ووروداً من كل الألوان، لذلك يقال عنها إنها "وردة بين النخيل". والجميل في المساحات الخضراء التي تملأ وتزين المدينة، أنها ترفع عبارات تحث الزوار على العناية بالبيئة، متوسلة في سبيل ذلك عبارات مستمدة من القرآن الكريم والأحاديث الشريفة ومن حكم الأجداد، ومن ذلك: "ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها"، أو "ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة"، أو "إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها"، أو "إن الله جميل يحب الجمال"، أو "لا تسرفوا في الماء ولو كنتم على نهر جار"، أو "ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين".

روح بهجة .. ومؤثرات بصرية

إلى الخضرة التي تزينها، تبقى "البهجة" من أجمل ألقاب مراكش. ويتميز المراكشيون بروح النكتة والمرح، حيث يغلب عليهم طابع الانشراح والإقبال على الحياة، وهو شيء ينتقل إلى زوار المدينة، الذين يجدون أنفسهم يعيشون أجواء من المرح والانشراح، بشكل يخفف عنهم ضغط وتعب الحياة.

مراكش .. الخضراء

ولم يكتف المسؤولون المغاربة، بمناسبة تنظيم مؤتمر المناخ، بما توفره مراكش من أجواء انشراح وبهجة، حيث عمدوا إلى برمجة فقرات فنية تشمل عروضاً تقوم على المؤثرات البصرية بحدائق "المنارة" و"باب اجديد" وباب "محطة مراكش" للقطار.

وفي الوقت الذي اتخذت عروض "المنارة" و"باب اجديد" من التغيرات المناخية موضوعا لها، مزجت المؤثرات التي تزين واجهة باب "محطة مراكش" للقطار، كل مساء، بين استعراض مخاطر التغيرات المناخية على الكون واستحضار تاريخ وعمران البلد.

كرنفال احتفالي 

احتفالا بدخول "اتفاق باريس" حول التغيرات المناخية حيز التنفيذ وتنظيم (كوب 22)، شهدت مراكش، قبيل انطلاق فعاليات هذه التظاهرة المهمة لمستقبل الكون والبشرية، مسيرة احتفالية، نشطتها فرق موسيقية وتراثية من المغرب وخارجه، انطلقت من ساحة البريد بشارع محمد الخامس (جليز)، وصولاً إلى ساحة جامع الفنا بالمدينة القديمة.

شعوب أصلية في مراكش

غير بعيد عن أجواء الفرجة التي تقترحها ساحة جامع الفنا، على مدار اليوم، والعروض الفنية الليلية، المبرمجة، في مواقع أخرى، بالمدينة، قدم جناح الشعوب الأصلية، من خلال الإيقاعات الموسيقية والأهازيج الراقصة، التي اقترحها على المشاركين، بـ"المنطقة الخضراء"، داخل "قرية المؤتمر" بـ"باب إيغلي"، بمشاركة فرق فنية قادمة من القارات الخمس، صورة تنقل لمشترك بين سكان الكوكب، بغض النظر عن أعراقهم ولغاتهم ودياناتهم، يتلخص في الإقبال على الحياة والتشبث بالخصوصيات الثقافية، التي لا تمنع أن يجد كل واحد متعة فيما يعبر به الآخر عن هذه الخصوصية.

جانب من كرنفال احتفالي بمراكش بمناسبة مؤتمر المناخ

ونقل جناح الشعوب الأصلية لتنوع في الأجناس البشرية وفي أزيائها وطرق تعبيراتها الفنية، فيما جمعتهم الموسيقى، كلغة تواصل عالمي، وكمعبر حقيقي عن معاناة هذه الشعوب للحفاظ على تراثها وخصوصياتها الثقافية. لذلك، تميزت عروض الفرق المشاركة بتنوع في فقراتها الموسيقية التراثية، لذلك تفاعل الجمهور مع أهازيجها وألحانها، التي عبرت، بعمق، عن مكنون تاريخي دفين، من خلال ما رافقها من أزياء وحركات راقصة جعلت الجمهور الحاضر يعيش لحظات تربط "الماضي السعيد" بـ"الحاضر المرتبك".

"ترنيمة الحياة" و"رقصة المناخ" .. في جامع الفنا

اختارت الفرق الموسيقية بساحة جامع الفنا، منذ انطلاق التظاهرة، الرفع من جرعات الاحتفالية، من أجل أن يعرفوا الزوار بجمالية الموسيقى التقليدية المغربية. وأطلقت هذه الفرق على احتفاليتها عنوان "ترنيمة في الحياة"، بمشاركة ما يقرب من ألف وخمسمائة موسيقي، تتمفصل إلى 12 مشهداً جهوياً، ينشط كل يوم على مدى أيام "قمة المناخ". كما تشمل الاحتفالية عروضاً

جانب من احتفالية جامع الفنا

لراقصين وراقصات على إيقاع الطبول، يشاركون الجمهور إيقاعات الموسيقى الأصيلة.
وفضلا عن "ترنيمة الحياة"، كان جمهور الساحة على موعد مع عرض تعبيري من الرقص المعاصر، حمل عنوان "رقصة من أجل المناخ"، مستوحاة من الطبيعة تحسيساً بما يتهدد الكوكب من مخاطر التغيرات المناخية.