كثيرة هي المعطيات التي دفعت روسيا إلى الدخول العسكري في سوريا، فبعيدًا من آخر موطئ قدم لها على ضفاف البحر الأبيض المتوسط، مع ما يعنيه هذا الحضور في الميزان السياسي والاستراتيجي، فإن هناك حربًا اقتصادية شرسة تدور خلف هذا النزاع، لا سيما في ضوء الحديث عن أنابيب غاز تمتد من قطر وإيران نحو القارة العجوز.
&
إعداد سهى الجندي: تجدّد الجدل حول دوافع روسيا من قتالها في سوريا، وقد أعطى جيمس نيكسي، رئيس برنامج روسيا واوراىسيا في تشاثام هاوس، وزينيا ويكيت، مديرة مشروع الولايات المتحدة في تشاثام هاوس، أفضل إجابة على هذا السؤال في مقال لهما صدر حديثا، إذ قالا: "لماذا منطقيا تقوم دولة تعاني حالة عسر في اقتصادها، وكانت هي نفسها ضحية لهجمات إرهابية، بفتح جبهة على نفسها في منطقة بعيدة عن مجالها الإقليمي العسكري الذي كان في العهد السوفياتي مسرحا لعملياتها العسكرية؟ وما هي الدوافع الأخرى غير المعلنة لها التي تجعل روسيا تستهدف جماعات سورية غير داعش؟ أحد الأجوبة على هذا السؤال هو الغاز الطبيعي، وجميع الأطراف المقاتلة في سوريا هي دول مصدرة للغاز الطبيعي، إذ يوجد أنبوبان متنافسان للعبور من الأرض السورية إلى أوروبا، وهما إما أنبوب قطر أو أنبوب إيران، وبالاختصار المفيد، فإن إيران خارجة من العقوبات ولديها مخزون هائل من الغاز تسعى إلى تصديره.
&
في عام 1989، قامت قطر وإيران بتطوير حقل جنوب بارس/ القبة الشمالية، وهو تحت الخليج بنحو 3000 متر، وقدرته الإنتاجية هي 51 تريليون متر مكعب من الغاز و50 مليار متر مكعب من الغاز المكثف، وهو بذلك أضخم حقل في العالم، ثلثه موجود في إيران وثلثاه في قطر.
&
روسيا تضغط ..
&
ومنذ ذلك الكشف، استثمرت قطر الكثير في إنشاء مصانع ومحطات الغاز المسال لكي تتمكن من تعبئة الغاز في الصهاريج وتصديره إلى دول العالم. لكن هذه العملية مكلفة، خاصة مع انخفاض السعر العالمي للغاز، لذا فقد أصبح غاز قطر ضعيفا في الأسواق الأوروبية بسبب الغاز الأرخص القادم من روسيا وغيرها. بناء على ذلك، اقترحت قطر في عام 2009 بناء أنبوب لتصدير غازها إلى الشمال الغربي عبر السعودية والأردن وسوريا وتركيا. وهو مشروع يكلف مليارات الدولارات ولكنه يقلل تكلفة النقل على المدى البعيد. ولكن الرئيس السوري بشار الأسد رفض هذا المقترح، وقد مارست روسيا ضغطا شديدا على الأسد لكي لا يوافق، وحتى لا ينافس الغاز المصدَّر غازها.
&
في ذلك الوقت، انتهزت إيران الفرصة ونظرا لأنها لا تمتلك بنية تحتية لتصدير الغاز، فقد اقترحت أنبوبا بديلا وهو أنبوب ايران-العراق-سوريا لكي تضخ من خلاله الغاز من نفس الحقل، عبر الموانئ السورية مثل اللاذقية ومن ثم تحت البحر الأبيض المتوسط. وقد باركت روسيا هذا المشروع، كسبا لود إيران التي وجدتها أفضل من قطر، حيث يوجد قاعدة عسكرية أميركية، وثقة بإيران لكي تضبط عملية تصدير الغاز إلى منطقة بحر قزوين ووسط آسيا، وقد أعلن عن أنبوب إيران-العراق-سوريا في عام 2011 وقامت الأطراف بالتوقيع على الاتفاق في يوليو عام 2012 &ولكن اضطرابات الربيع العربي بدأت في سوريا ونشرت الفوضى. وقد أمدت إيران النظام السوري بالدعم العسكري من حرسها الثوري وقوات القدس، بالنظر إلى أن سوريا ظلت حليفا ثابتا يسمح بمرور الدعم العسكري من إيران إلى حزب الله، كما أنها ستكون معبرا لغاز إيران.
&
.. وقطر ترد&
&
في تلك الأثناء، بدأت قطر، بحسب المقال، بالعمل على إسقاط نظام الأسد من خلال تمويل الثوار بما يقرب من 3 مليارات دولار بين عامي 2011 إلى 2013 كما قدمت جوائز للمنشقين عن نظام الأسد وأسرهم بقيمة 50 ألف دولار واستضافت قاعدة لتقوم الاستخبارات الأميركية بتدريب الثوار فيها. ويذكر أن علاقة قطر بسوريا كانت في السابق علاقة ودية، إلى أن قامت قطر بدعم حركات الربيع العربي وإفساح المجال لهم بالحديث من خلال قناة الجزيرة. كما سعت قطر إلى إعطاء مقعد سوريا في جامعة الدول العربية إلى الثوار السوريين، وقد أضعفت بذلك علاقتها مع إيران. كما أن تدخل روسيا أضاف إلى الصراع مستوى جديدًا، فهي تود أن ترى أنبوب إيران-العراق-سوريا أو لا أنبوب على الإطلاق لكي تستطيع التحكم بصادرات الغاز إلى أوروبا وهي سوقها الرئيسي، لكن الولايات المتحدة تحبذ الأنبوب القطري لتنويع مصادر الغاز إلى أوروبا بعيدا عن روسيا، وكذلك تركيا التي يهمها أن تكون معبرا للأنبوب القطري المصدر إلى أوروبا وتنويع مصادر حصولها على الغاز بعيدا عن روسيا. وبحسب الإعلام الروسي الرسمي فقد ذكرت تركيا أنها لن تستطيع الاستغناء عن الغاز الروسي، وأن مزودها الآخر بالغاز هو إيران وهي متحالفة مع روسيا وسوريا.
&
بمعنى آخر، فإن أية تسوية في سوريا لا بد وأن تحل مشكلة التنافس على أنابيب الغاز أولا. وأحد الحلول هو مد كلا الأنبوبين لجلب الغاز القطري والإيراني إلى الأسواق بسعر منخفض، وهذا الحل يحقق مصالح الجميع باستثناء روسيا.
&
بالفعل، فمد أنبوبين سيكون كارثة للكرملين، إذ أن روسيا لديها مصلحة بالسيطرة على تصدير الغاز إلى أوروبا حيث تصدر شركة غازبروم الروسية 80% من غاز أوروبا. وقد نجح الاتحاد الأوروبي بتنويع مصادر الغاز من خلال استيراد الغاز المسال، وهو يسعى إلى مد أنابيب إضافية في وسط آسيا والشرق الأوسط لتقليل اعتمادها على الغاز الروسي. فإذا ما مدت أنابيب جديدة، فإن هذا سيخطف السوق العالمي للغاز من روسيا كما أنه سيجعل سعر الغاز إلى&دون المستوى الذي تحتاجه روسيا لكي تبقى على قيد الحياة.
&
موقف حازم
&
لقد أبدت روسيا رغبتها بالقتال من قبل دفاعا عن مصالحها، فقد قاتلت في جورجيا لإحباط خطط لتصدير الغاز من منطقة بحر قزوين إلى الغرب عبر أذربيجان وجورجيا إلى تركيا. كما حاربت في أوكرانيا لكي تسيطر على الممر بين آسيا وأوروبا. لذا فإن روسيا مستعدة للقتال لمنع الأنبوب القطري من العبور عبر سوريا إلى الأسواق الأوروبية، ولجعل إيران معتمدة على الدعم الروسي في صادراتها. كما أن هذا يفسر لماذا اختارت روسيا استهداف الثوار الذين تمولهم قطر والسعودية، ولماذا تعنت موقف دول الخليج. لذلك، فمن الواضح أن تسليم سوريا لمصالح روسيا وإيران سيكون كارثة، كما أنه من الصعب التفاوض في موقف كهذا حيث يوجد تعارض هائل بين المصالح الأميركية والروسية، بحسب المقال.
&
إلى ذلك، يتعين على الولايات المتحدة أن تقف موقفا حازما وأن تستغل الأزمة للتصالح مع تركيا والسعودية وغيرهما من حلفائها التقليديين في الشرق الأوسط بعد أن ساءت العلاقات بينهما نتيجة للربيع العربي. كما يمكن لتركيا أن تلعب دور الوسيط الأمين في مسألة عبور الغاز لكي تضمن، بدعم من الولايات المتحدة، أن تقوم كافة الأطراف في الشرق الأوسط بتصدير سلعتها الثمينة.&
&

&