كل الأنظار شاخصة إلى المعارك التي تدور في مدينة حلب وريفها، البعض بات يتحدث عن حرب شبه كونية يخوضها الجميع بالوكالة داخل الجغرافيا السورية، وفيما يبرز الدور الروسي الوازن في حرب قضم الأصابع وتحسين وضعها الجيوسياسي، تبدو غريبة حالة اللامبالاة من قبل الولايات المتحدة الأميركية، لا سيما لجهة عزوفها عن دعم معارضي الأسد، والإنتقال نحو اعتماد استراتيجيات غير مفهومة. &
&
إعداد عبد الإله مجيد: يهدد حصار مدينة حلب بكارثة انسانية، وهذا ما تؤكده جثث الضحايا في شوارعها، وكذلك حياة من قرروا البقاء، والتي يمكن أن تنتهي في أي لحظة. فهذه المدينة تحولت إلى ساحة حرب مفتوحة على كل الإحتمالات، لا سيما في ظل دخول أطراف كثيرة على خط الصراع المحموم في شوارعها وأزقتها وريفها.
&
وفي هذا الإطار، قال الدكتور الشاب حمزة، الذي يعمل في أحد مستشفيات حلب: "نحن نعيش كابوسًا أسوأ من كل ما حدث سابقًا"، واضاف: "المستشفى الذي أعمل فيه استقبل في يوم واحد جثث 22 مدنيًا، وفي اليوم السابق استقبل 20 طفلًا جريحًا، كما وان هناك طفلا في السابعة لقي مصرعه، وآخر في الثامنة فقد ساقه اليسرى". واشار الى ان الطائرات الروسية تشن غاراتها في الصباح حين يكون الأطفال متوجهين الى المدارس، فيما نقلت مجلة شبيغل الالمانية عن الدكتور حمزة قوله: "سنحتاج الى سنوات من العلاج لنكون قادرين على التعامل مع هذا كله". &
&
&
إقدام روسي ..
&
وهناك سبعة اطباء ما زالوا يعملون في المستشفى الآن، ويقول حمزة إن آخرين غادروا منذ بدأ القصف الروسي. وكان المستشفى تحت القصف وصوت حمزة يُسمع مرتجفًا على الهاتف وهو يقول إن النظام استهدف المستشفى خمس مرات في السنوات الماضية ولكنه كان دائما يخطئ الهدف، في حين "ان القصف الروسي دقيق جدًا"، مؤكدًا أن لا وجود لمواقع الجيش السوري الحر في وسط المدينة، بل "مدنيون فقط"، واصفًا القصف بأنه تمهيد لاقتحام قوات الأسد المدينة، وذلك بعد ان سيطرت على العديد من البلدات والقرى في ريف حلب.
&
إلى ذلك، فإن مدينة حلب تشهد تراكم أنقاض السياسة الغربية التي تُروَّج على انها دبلوماسية، فالسياسيون الغربيون يصرون على ان الحل الدبلوماسي وحده الذي يستطيع انهاء الحرب في سوريا، لكن المحادثات التي كان من المقرر ان تجري في اطار هذه الدبلوماسية أُرجئت الى 25 شباط (فبراير) لأسباب في مقدمها رفض روسيا التوقف عن التصعيد، مهددة بذلك اتفاق وقف اطلاق النار الذي توصلت اليه مجموعة دعم سوريا.&
&
كما أصبح واضحًا أن روسيا ليست شريكا في الحرب ضد تنظيم داعش، بل قوة تريد تحقيق اهداف جيوسياسية في المنطقة، حتى لو اضطرت إلى استعمال العنف إذا دعت الضرورة، وهذا ما عبر عنه نائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف، الذي قال إن الشرق الأوسط سيبقى في مركز اهتمام السياسة الخارجية الروسية لسنوات مقبلة.&
&
&
.. وإحجام أميركي!
&
وهناك حاليا نحو 3000 جندي روسي في محافظة اللاذقية، فيما نفذت الطائرات الروسية نحو 7300 طلعة منذ نهاية ايلول (سبتمبر)، كما حققت العمليات العسكرية الروسية في غضون فترة قصيرة ما عجز نظام الأسد عن تحقيقه في سنوات، الأمر الذي دفع رئيس اكاديمية القضايا الجيوسياسية في موسكو الجنرال السابق ليونيد ايفاشوف إلى الإعلان بأن عام 2016 سيكون عامًا حاسمًا "تقوم فيه روسيا بدور قيادي في الشرق الأوسط". &
&
في هذه الاثناء، تقف الادارة الاميركية متفرجة، ولا يقول الرئيس باراك اوباما الكثير عن سوريا هذه الأيام، فاستراتيجية اوباما تتركز حاليا على محاربة داعش، الذي يرى انه يشكل تهديدًا فعليًا للأمن القومي، في حين ان الأسد تحول إلى مجرد ديكتاتور مزعج، حاله حال كثيرين.
&
وفي اطار هذه الاستراتيجية، اوقفت الولايات المتحدة تقديم مساعدات عسكرية الى فصائل المعارضة السورية من اجل حملها على الجلوس الى الطاولة في محادثات جنيف الفاشلة، وضغطت على حلفائها لوقف مساعداتهم ايضا، بحسب ما افادت مجلة شبيغل، فيما يشعر مقاتلو المعارضة الذين يحاربون على جبهتين ضد النظام وداعش بالمرارة والغضب، ما دفع اسماعيل نداف من لواء الفتح في حلب إلى التساؤل: "كيف يمكن ان تصل السذاجة باوباما الى حد الاعتقاد بأن كل ما عليه ان يفعله هو توجيه دعوة ودية الى بوتين او الأسد؟"، وأضاف: "اميركا لم تسع يومًا إلى اسقاط الأسد، بل كانوا يريدون التفاوض، وهذا وهم. لأن الأسد لا يتفاوض". & &
&
إلى ذلك، اعرب الطيار السابق عبد السلام حميدي، الذي انشق عن جيش النظام والتحق بالجيش السوري الحر عام 2012، عن شعوره بتخلي الغرب عن الشعب السوري، وقال: "أنتم رحبتم بالثورة ولكنكم تتفرجون الآن فيما يذبحنا الأسد والروس"، كما واعرب عن اقتناعه مع كثير من المعتدلين الآخرين بالرأي القائل ان اميركا غدرت بالثورة، متوقعًا ان يضم بعض المقاتلين قواهم الى داعش وينتقل كثيرون آخرون الى صفوف جبهة النصرة.&
&
&
حظر جوي
&
وضمن هذا السياق، ترتفع اصوات متزايدة لمطالبة الولايات المتحدة بالتحرك لمنع الكارثة المحدقة في حلب، وقد كتب المؤرخ مايكل ايغناتيف والباحث في معهد بروكنز ليون ويسيلتير في صحيفة واشنطن بوست ان حلب تتطلب اجراءات طوارئ، داعيًا الولايات المتحدة الى استخدام قواتها البحرية والجوية لاقامة منطقة حظر جوي تمتد من حلب الى الحدود التركية، والتعهد الدفاع عنها.&
&
ونوهت مجلة شبيغل بإعلان السعودية استعدادها للمساهمة بقوات على الأرض، لكنها اضافت انه ليس هناك ما يشير الى ان لدى الولايات المتحدة خططا كهذه، على الأقل ليس خلال الفترة المتبقية من ولاية اوباما الثانية، والأرجح ان يأتي رئيس اشد حزما في البيت الأبيض مطلع العام 2017، ولكن حينذاك من الجائز ان يكون الأسد قد حقق نصرًا يسفر عن الكثير من الخاسرين، ودائمًا بحسب الصحيفة.
&

&