توفي الشيخ السوداني حسن الترابي في إثر ذبحة قلبية أصابته، فغادر الدنيا وهو ما زال يثير الجدال حول شخصيته وأفكاره.


الخرطوم: وافت المنية السبت الدكتور حسن الترابي، رئيس حزب المؤتمر الشعبي السوداني، عن 84 عامًا، إثر إصابته بذبحة قلبية، بحسب ما أعلن مصدر طبي سوداني.

وكان الترابي نُقل صباح السبت إلى قسم العناية المركزة في مستشفى رويال كير بالخرطوم، لكن محاولات إنقاذه لم تنجح.

وقالت تقارير صحافية إن نبضه توقف مرتين قبل أن يعود إلى العناية المكثفة تحت إشراف فريق من الأطباء. وكان يعاني في الأعوام الماضية هبوطًا في ضغط الدم.

وبوفاة الترابي، تنطوي صفحة غنية ومحيرة من تاريخ السودان، إذ كاد هذا المفكر الاسلامي أن يحدث فارقًا في الحياة الفكرة السودانية لولا أن غلبته السياسة وتوّهته في دهاليزها.

السوربون فالشريعة

الترابي مولود في كسلا في عام 1932. درس الحقوق بجامعة الخرطوم بين عامي 1951 و1955، وحاز درجة الماجستير من جامعة أكسفورد البريطانية في عام 1957، ودكتوراة الدولة من جامعة سوربون الباريسية فيي عام 1964. وأتقن أربع لغات: العربية والإنجليزية والفرنسية والألمانية. عاد إلى السودان وصار عضوًا في جبهة الميثاق الإسلامية، أول حزب أسسته الحركة الإسلامية السودانية التي تحمل فكرًا إخوانيًا. تقلد الترابي أمانتها العامة في عام 1964، وعمل في ظرف سياسي كان اللاعبان الأساسيان فيه طائفتا الأنصار والختمية ذات الخلفية الصوفية، واللتان تدعمان حزبي الأمة والاتحادي اللذين يحملان فكرًا علمانيًا.
بقيت جبهة الميثاق الإسلامية حتى عام 1969، أي إلى عام انقلاب جعفر النميري، فتم اعتقال أعضاء جبهة الميثاق الإسلامية، وأمضى الترابي سبعة سنوات في السجن، ليطلق سراحه بعد مصالحة الحركة الإسلامية السودانية والنميري في عام 1977.

فرضت حكومة النميري الشريعة الإسلامية في عام 1983، وانقلبت بعدها علي جبهة الميثاق الإسلامية، حليفتها في السلطة. عارض الشعب هذا الانقلاب، وقامت التظاهرات الحاشدة، ما أدى إلى ثورة شعبيه ضد النميري في عام 1985. أسس الترابي بعد عام الجبهة الإسلامية القومية، كما ترشح للبرلمان ولكنه لم يفز. في حزيران (يونيو) 1989، انقلت حزب الترابي عسكريًا ضد حكومة المهدي المنتخبة ديمقراطيًا، وعين عمر حسن البشير رئيسًا لحكومة السودان.

من المعتقل... فإليه

عمل في التدريس، فكان أستاذًا محاضرًا في جامعة الخرطوم، ثم عميد كلية الحقوق بها. كما عيّن وزيرًا للعدل في السودان. وفي عام 1988، عين وزيرًا للخارجية السودانية. واختير رئيسًا للبرلمان السوداني في عام 1996، وانتخب أمينًا عامًا للمؤتمر الوطني الحاكم في عام 1998. ترك الكثير من المؤلفات والآثار: قضايا الوحدة والحرية، تجديد أصول الفقه، تجديد الفكر الإسلامي، الأشكال الناظمة لدولة إسلامية معاصرة، تجديد الدين، منهجية التشريع، المصطلحات السياسية في الإسلام، الدين والفن، المراة بين تعاليم الدين وتقاليد المجتمع، السياسة والحكم، عبرة المسير لاثني عشر السنين، الصلاة عماد الدين، الايمان واثره في الحياة، الحركة الإسلامية... التطور والنهج والكسب، التفسير التوحيدي.

عارض الترابي التدخل الأجنبي في منطقة الخليج بحجة تحرير الكويت من الغزو العراقي في عام 1990، فتدهورت علاقاته مع الغرب وبعض الدول العربية، اختلف مع الحكومة السودانية حول الفساد والشوري والحريات، فحل البشير البرلمان في اواخر 1999، وانتقل الترابي إلى المعارضة. شكل في 31 حزيران (يونيو) 2001 المؤتمر الشعبي، ومعه قادة ورموز الثورة على النميري، ومسؤولون في الحكومة تخلوا عن مناصبهم.

وفي عام 2001، اعتقل بسبب توقيع حزبه مذكره تفاهم مع الحركة الشعبية. ثم اعتقل مرة أخرى في عام 2004 بتهمة تورط حزبه في محاولة للانقلاب على البشير.

إسلامي مجدد

لا شك في أن الترابي واحد من أشهر قادة الإسلاميين في العالم، ومن أشهر المجتهدين في الفكر والفقه الإسلاميين المعاصرين. له كتاب في تفسير القرآن، وكتاب في أصول الفقه، وكتب كثيرة أخر في مجالات الاصلاح الإسلامي والسياسة.

قدم كثيرًا من الرؤى الفقهيه المتميزة والمثيرة للجدل، آخرها إمامة المراة للرجل في الصلاة وفتوى تبيح زواج المرأة المسلمة من أهل الكتاب، مخالفًا المذاهب الإسلامية المتبعة. وتحدث الترابي عن خطأ التفرقة بين المرأة والرجل لأنهما "نفس واحدة خلق منها زوجها وبث خلقًا كثيرًا، فكان يتعجب الناس من حديثه، فيقول: "السودانيون لا يفهمون اللغة العربية جيدًا، ولذلك يخلطون في أحكامهم".

تميز الترابي من أترابه الاسلاميين باستخدامه تقنيات العصر، فهو حاور مرارًا مع مجموعة من الشباب المسلم بشأن ثورات الربيع العربي من العاصمة القطرية الدوحة عبر كاميرا "سكايب" من الخرطوم قبل شهرين. وهو أستاذ الشريعة والقانون الذي حاضر عن الديمقراطية والحقوق الإنسانية الأساسية عبر الانترنت.

مثير للجدال

ثمة من يتهم الترابي بأنه ما فكر في زعامة السودان فحسب، بل زعامة العالم، خصوصًا أن المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي الذي أسسه الترابي في 1991 ضم شخصيات متنافرة، من الفلسطينيين اليساريين جورج حبش ونايف حواتمة، إلى الشيخين أسامة بن لادن وأيمن الظواهري وممدوح حمزة ومصطفى مشهور وعمر عبد الرحمن والتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وبين هذين القطبين شخصيات لا تقل إثارة للجدل من مثال الشيخ يوسف القرضاوي وراشد الغنوشي التونسي والزنداني اليمني، فكان لهم مرشدًا.

أيًا يكن الرأي، فالمتفق عليه أن الترابي كان شخصية أثيرت حولها أحكام مختلفة وأوصاف متباينة. يرى فيه أنصاره سياسيًا برع في تحريك الإعلام، وخطيبًا هز المنابر، وداعية جذب الأنصار، في حين يراه خصومه مخادعًا بطموح لا يحد وبخبرة في رسم المؤامرات، متعلقًا بالسلطة، ويتهمونه بإصدار فتاوى تخرج عن إجماع أهل السنة كعدم قتل المرتد إلا في حالة حمل السلاح، والقول بإيمان أهل الكتاب، واستثمار نظرية المصلحة، واستخدام مصطلح القياس الواسع، والقول بشعبية الاجتهاد.