أقامت منظمة اليونيسكو في جنيف ندوة تناولت فيها أشكال التمييز العنصري المستمرة بوجوه جديدة في عالم اليوم، وذلك إحياءً لذكرى ضحايا الرق وتجارة الرقيق عبر الأطلسي، وتحضيرًا للعقد الدولي للمتحدرين من أصل أفريقي.
&
جنيف: لأكثر من 400 سنة، كان أكثر من 15 مليون رجل وامرأة وطفل ضحايا لمأساة تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي، وهي واحدة من أظلم الفصول في التاريخ الإنساني. ويتيح 25 آذار (مارس) من كل عام، بوصفه ذكرى ضحايا الرق وتجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي، فرصة لتكريم ذكرى من ذاقوا الويلات أو لقوا حتفهم تحت نير الرق، وبالتالي يهدف هذا اليوم الدولي إلى إذكاء الوعي العام بمخاطر العنصرية.
&
وبهذه المناسبة، قدم المكتب التمثيلي لمنظمة "يونيسكو" في جنيف ندوة، استهلها عبد العزيز المزيني، مدير المكتب، بكلمة أعرب فيها عن عرفانه بجهود مركز جنيف لتعزيز حقوق الانسان والحوار العالمي، وبجهود مدير هذه الندوة والمشاركين فيها والتزامهم الدفاع عن قضية عادلة، "فتجارة الرقيق عبر الأطلسي كانت هي الأكبر والأوسع نطاقًا، كما كانت الهجرة القسرية الأكثر بأسًا في تاريخ البشرية، منذ عام 1500 وحتى عام 1830، إذ أجبر أفارقة على عبور الأطلسي في سفن العبودية. كما كانت هذه التراجيديا الأشد فظاعة، خصوصًا أنها ترافقت مع انتهاك صارخ لحقوق الانسان وامتهان لكرامته".
&
&
وقال المزيني: "على الرغم من إعلان الجمعية العمومية للأمم المتحدة القرار 122 بتاريخ 17 كانون الأول (ديسمبر) 2007، الذي اعترف بوجود العبودية،&لا يزال الكثير غامضًا في تاريخ 400 عام من تجارة الرقيق عبر الأطلسي".
&
وتابع المزيني: "بإعلان 25 آذار (مارس) من كل عام يومًا دوليًا لذكرى ضحايا الرق وتجارة الرقيق عبر الأطلسي، في تكملة لليوم العالمي لذكرى تجارة الرقيق والحد منها المحدد في 2 كانون الأول (ديسمبر) من كل عام، قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة أن يسلط المجتمع الدولي الضوء على واحدة من أكثر فترات التاريخ البشري ظلامًا، وهذا القرار الدولي طلب إلى الأمين العام للأمم المتحدة ومنظمة يونسكو أن يطلقا برنامجًا تربويًا في المدارس ومؤسسات المجتمع المدني حول العالم من أجل توعية الأجيال القادمة بجوانب قضية الرق وتجارة الرقيق وأخطارهما على البشرية، ولذلك تنخرط منظمة اليونسكو في هذا الالتزام الدولي من خلال نشاطها الدولي، بالتعاون مع مفوضية حقوق الانسان".
&
&
جهل وتعمية
&
أضاف المزيني: "إننا نرى أن الجهل والتعمية في هذه القضية عقبتان تعترضان سبيل الفهم المتبادل والتعاون بين الشعوب، وقد أطلقنا في عام 1994 (مشروع طريق العبيد: المقاومة والحرية والإرث)، الذي سلط الضوء على التغيّرات العالمية والتبادل الثقافي الذي نتج من تجارة الرقيق عبر الأطلسي. وفي هذه المبادرة، شجعنا البحث في المناطق النائية، من أجل تحديد مبادرات جديدة لتعليم هذا التاريخ، ولإطلاق دليل جديد للحفاظ على الآثار الباقية من تجارة الرقيق، ولترويج المساهمة الفاعلة للمتحدرين من أفريقيا في المجتمعات المعارضة".
&
وبحسب المزيني، منذ عام 2012، تم تطوير توجهات مفهومية جديدة ساهمت في بلورة العقد الدولي للمتحدرين من أفريقيا (2015-2024)، تركز على (1) الذاكرة المشتركة للشعوب؛ و(2) الثقافة عابرة الثقافات والحوار من أجل الحوار العالمي؛ و(3) حقوق الانسان، ومكافحة الفصل العنصري، والمواطنة العالمية، "وما إحياؤنا هذا اليوم إلا تذكير لنا بالجرائم السابقة، وفرصة لنجدد تصميمنا على حل مشكلاتنا المعاصرة، فهذا اليوم رمز لتصميمنا البشري على إعادة الاعتبار لمن استعبدهم الانسان، ولمن قاوموا العبودية".
&
&
محاور النقاش
&
دار النقاش في الندوة وفق محاور عدة، أبرزها تحليل أسباب الحفاظ على ذكرى دائمة لضحايا الرق وتجارة الرقيق عبر الأطلسي في صميم الأجندة الدولية في الأعوام القليلة الماضية، ودراسة أمثل الطرائق لمحاربة الفصل العنصري ورهاب الآخر، وهي التي تشكل أولوية التعامل الأممي من خلال يونيسكو مع هذه القضية الأساس، خصوصًا من خلال تعزيز الحوار العالمي والتسامح والحفاظ على التعددية الثقافية في العالم.
&
كما ناقش المشاركون في الندوة سبب استمرار الناس في الوقوع ضحايا العنصرية والتمييز العرقي ورهاب الأجانب، خصوصًا أن هذه السمات تتخذ اليوم أشكالًا جديدة، يغلب عليها العنف، وتدارسوا في المبادرات الدولية التي تضع كل منها نصب عينيها الترويج لعالم خالٍ من العنف والتطرف.
&
وخلصوا إلى تقديم تقرير موضوعي، يثبت التعاون الوثيق مع اليونيسكو على الإنجازات والتحديات في مجال مكافحة العنصرية والتحيّز في ذكرى ضحايا الرق وتجارة الرقيق عبر الأطلسي، والعقد الدولي للمنحدرين من أصل أفريقي، بما في ذلك وضع إطار عام لتعزيز التربية على حقوق الإنسان، ما من شأنه أن يضمن أن هذه التربية&لا تزال أولوية ضمن جدول الأعمال الدولي.
&
&
انتهاك صارخ
&
وبحسب المشاركين في الندوة، التمييز والعنصرية ظاهرتان تؤثران في حياة المتحدرين من أصل أفريقي والشعوب الأصلية. وعلى الرغم من اعتماد بعض التدابير القانونية والإدارية لتشجيع وتعزيز الهويات العرقية والثقافية والدينية واللغوية، ومشاركة الأقليات في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فذلك ليس حاصلًا حتى يومنا هذا في عدد من البلدان التي ما زالت تعتمد، إلى حد ما، سياسات عنصرية قائمة على التفوق العرقي وكره الأجانب والتمييز، في انتهاك صارخ لميثاق الأمم المتحدة والمعاهدات الدولية المتصلة بحقوق الإنسان.
&
كما أن عدم الاعتراف بالتعددية الثقافية عامل أساس في المسألة العنصرية والقضية المركزية في الأزمة الراهنة في أنحاء العالم. وعلى الرغم من أن المجتمعات ناتجة من عمليات تاريخية طويلة اشتملت الاتصال بين الشعوب والثقافات والأديان، تكمن المشكلة المركزية في معظم المجتمعات الحديثة في تناقض جوهري بين الدولة القومية والتعبير عن الهوية الوطنية الخالصة وديناميكية التعددية الثقافية.
&
&
وتناول المنتدون العنف القائم على الجنس، كالضرب وغيره من أشكال العنف المنزلي والاعتداء الجنسي والعبودية والاستغلال الجنسي والاتجار الدولي بالنساء والأطفال واستغلالهم في الدعارة والمواد الإباحية والتحرش الجنسي، فغالبًا ما تتفاقم هذه المآسي العنصرية الناجمة عن التحيز الثقافي والتمييز العنصري وكراهية الأجانب، مع تأكيدهم على اتفاقية القضاء على التمييز ضد المرأة، والتوصيات العامة، وتحديدًا القرار (19) الصادر في عام 1992 في شأن العنف ضد المرأة، بما في ذلك النساء المسنات والمهاجرات.
&
شارك في هذه الندوة مامي بابا سيسي، السفير الممتاز والممثل الدائم لجمهورية السينغال في مكتب الأمم المتحدة بجنيف، ويوري بويشينكو، مدير قسم مكافحة التمييز العنصري في المفوضية العامة لحقوق الانسان، &والبروفيسور بريانكار أوباديايا، مدير يونيسكو لشؤون السلام والتفاهم الثقافي، ولما جبارة، ممثلة مركز جنيف لتعزيز حقوق الانسان والحوار العالمي.

&