لا يختلف داعش عن نظام الأسد في مسألة تدمير سوريا، وليست مدينة تدمر إلا نموذجًا على عذاب وقتل ودمار يعيشها السّوريّون.

بيروت: عاشت سوريا منذ العام 2011، أسوأ مرحلة في تاريخها، حيث شهدت الدّمار والقتل من جهات مختلفة، ذهب ضحيّتها أبرياء وأطفال وكهول على حد سواء، فضلًا عن تدمير الكثير من البنى التحتية والأماكن التّراثية، التي قدّرت أضرارها حتى الآن بـ 200 مليار دولار. لكنّ الأهم هو التّدمير النّفسي الّذي عاشه المواطن السّوريّ، والّذي ترسّخ في ذهنه.

عذاب وقتل ودمار
تجارب عدّة رواها أبناء الوطن، تحدّثوا فيها بحسرة وألم عن معاناتهم مع المنظّمة "الإرهابيّة" داعش والنّظام السّوريّ، وجاءت قصة ابن تدمر محمد الخطيب، لتضيف حلقة إلى سلسلة من الحوادث، تمحورت حول العذاب والقتل والدّمار الّذي شهدوه في تلك المرحلة.

كان محمد في جامعته في حمص عندما علت أصوات الثورة في سوريا، فلملم نفسه، وعاد إلى تدمر، ليؤسس مع أصدقائه منظمة تدمر، الّتي تهدف إلى قيادة تظاهرات سلميّة مطالبة بالحرّيّة.&

لكنّ الوضع تطور بسرعة فائقة إلى أن خرج عن السيطرة. فبعد أشهر، أرسل نظام الأسد نحو 50 دبابة و 3000 جندي للسيطرة على تدمر، يقول محمد: "عندما اقتحم الجيش العربي السوري اضطررنا أن نخرج من تدمر". بعد ستة أيام، تمّ القبض عليهما في مناطق ريفية مجاورة من قبل 30 عنصرًا من الجيش السوري.

تعذيب في المراكز الأمنية
يتحدث محمد بألم عن هذه المرحلة: "تلقينا أسوأ معاملة، فبعد الضرب والتعذيب أخذونا إلى مركز الأمن في تدمر، حيث شهدنا كل أنواع العنف هناك، والمضحك في الموضوع أنّهم اتهمونا&بالمشاركة في التظاهرات والاحتجاجات التي كانت سلمية".&

لم تنتهِ مرحلة تعذيب محمد بيد عناصر النظام السوري في مركز الأمن في تدمر، بل أرسل إلى المركز الأمني 291 في دمشق، حيث شهد نوعًا آخر من العنف والتعذيب، إلى أن أُخلِيَ سبيله بشكل مفاجئ بعد سبعة أشهر.

عاد إلى شوارع تدمر، يجول فيها بحسرة. تغيّر كل شيء فيها، فاكتشف أنّه لا يمكنه البقاء في هذه المنطقة: "أصبحت المنطقة غير آمنة، عشت فيها قلقًا وتوترًا، كانت معرفة متى يُقبض عليّ مجددًا مستحيلة، عندها قررت السفر مع بعض المهاجرين إلى تركيا".

داعش في تدمر
في أيار (مايو) 2015، أعلن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) هجومه على تدمر. يتحدث محمد عن عذابه خلال هذه الفترة: "علمت أن دخول داعش سيسبّب كثيرًا من الاستبداد والظلم لأبناء تدمر، وكما كان متوقعًا دخلوا بقوانينهم الجديدة، التي تقضي بقتل من يعارضهم&ومعاقبتهم، فكان من الصعب العيش تحت سلطة داعش.&

وقد ازداد الأمر صعوبة، بعدما قرر الأسد محاربتهم، وقصف المدينة، لكن معظم الضحايا كانوا من المدنيين من أبناء تدمر، الذين فرّوا بعد أشهر قليلة إلى شمال وشرق سوريا، وبقي نحو 100 مواطن عندما عادت داعش وبسطت سيطرتها".

الأسد وداعش سواسية
يتحدّث محمد عن تدمر، التي من المفترض تحريرها من قوات الأسد: "إنّ المهاجرين يخافون العودة إلى منازلهم بسبب وجود قوات الأسد والميليشيات التابعة له، الذين يعاقبون المواطن السوري، ظنًّا&منهم أنه ساعد داعش، ويدّعي الأسد أنه أطلق حملة لحماية السوريين وحفظ مواقع سوريا التراثية وحمايتها من داعش، لكن قنابله دمرت معظم المدينة وآثارها الثمينة كما فعلت داعش".

أعلن محمد نقمته على كل من ساهم في تدمير سوريا: "نحن شعب تدمر، ننظر إلى الأسد وداعش ونعدهم مجرمين، جميعهم ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية، وقتلوا الأبرياء ودمّروا المدن والآثار التاريخية، وهجروا مئات الآلاف من المواطنين الأبرياء بسبب أعمالهم واعتقالاتهم وتعذيبهم وقتل الناشطين السياسيين أمثالي".

يعتقد محمد أن تدمر لم تتحرر، بل تمّ نقلها من طغيان إلى آخر. ووجّه رسالة إلى الغرب والمجتمع الدولي بضرورة النظر في جرائم الأسد، وطالب بمحاسبته، كما تتمّ محاسبة داعش، لأنّه "العدوّ الحقيقي للمواطن السوري".


&