إستأنفت الأمم المتحدة في جنيف رعاية الجولة الثالثة للمفاوضات بين النظام والمعارضة السورية، في مسعى لحلّ الأزمة المستمرة منذ أكثر من خمس سنوات، ومناقشة الانتقال السياسي. لكن الأمور لا تبدو على خير ما يرام، ولا سيما في ظلّ عوامل تصبّ جميعها في خانة المراوحة والفشل.

جنيف: لعلّ "المراوحة في المكان" هو الوصف الدقيق للعملية السياسية القائمة في جنيف حتى الآن، ولكن بدت هذه المراوحة أقرب الى الفشل، ولا سيما مع إلغاء الموفد الدولي ستيفان ديميستورا لمؤتمره الصحافي أمس الجمعة، على الرغم من اجتماعه مع وفدي النظام والمعارضة، في إشارة إلى أنه "لا جديد في المفاوضات"، ومع رفض بشار الجعفري، رئيس وفد النظام، تلقي أيّ أسئلة في مؤتمره &الصحافي أمس.

"المفاوضات المهددة بالانهيار"، بهذا وصف مقربون لميستورا هذا الملف، نظرًا لتباين ما تريده المعارضة وما يريده النظام، فيما قال ياسر بدوي، المحلل السياسي السوري لـ"ايلاف"، إنّ ما نراه اليوم في جنيف من جمود في العملية السياسية هو "بسبب ألاعيب النظام، وعدم استطاعة ديميستورا ادارة المرحلة، ولأن بشار الأسد اقترب من المقصلة".

واعتبر أنّ "الحل هو بتمسك وفد المعارضة ببيان جنيف &وقرارات مجلس الأمن التي نصت على الانتقال السياسي، وعلى بناء دولة مدنية ديمقراطية "، كما وحضّ على "ضرورة تفعيل المسؤولية عن الجرائم المرتكبة في سوريا من القتل والذبح والتعذيب وإطلاق الصواريخ والمدفعية وفق القوانين الدولية ".

خبر مفبرك

وقال إن "الأبرز في موضوع الحل لاحراج موسكو هو قرار من مجلس الأمن لتطبيق نقاط كوفي عنان الست، و عندها ينكشف نظام الأسد على حقيقته"، وأضاف: "ان كانت موسكو لا تمتلك القرار بشأن النظام فهناك العديد من السيناريوهات في حال توفر الارادة الدولية وكلها تؤدي الى محاكمة بشار لا تعيين نواب له".

من جانبه، نفى المتحدث الرسمي باسم الهيئة العليا للمفاوضات سالم المسلط، أن يكون ديميستورا قد نقل لهم عرضًا حول تعيين 3 نواب للأسد من المعارضة، وقال في تصريحات صحافية &إن "اللقاء الذي جمع وفد المعارضة وديميستورا أمس الجمعة لم يتطرق لهذا الطرح".

وأضاف أن "ما تناولته وسائل الاعلام غير صحيح، وربما من أوصل هكذا خبر مفبرك إلى مندوب إحدى الفضائيات، لا شك يتعمد الاساءة إلى الشعب السوري والى الممثلين الحقيقيين له"، مشددًا على أن "المعارضة لم ولن تطرح في حديثها عن هيئة الحكم الانتقالي أي دور للأسد، إذ لا يمكن قبوله في أي مرحلة تتعلق بمستقبل سوريا"، وأضاف: "كذلك لا يمكن قبول رموز أركانه الذين اقترفوا الجرائم بحق الشعب السوري".

وكانت تقارير إعلامية تحدثت خلال الساعات الماضية عن طرح قدمه المبعوث الأممي للمعارضة يقضي بتعيين 3 نواب منها للأسد مع بقاءه في السلطة.

تصريحات مجتزأة

إلى ذلك، أثارت تصريحات سالم المسلط، حول الموافقة على هيئة حكم مع النظام واعلانه عن استعداد لجنة المفاوضات لتقاسم مقاعد هيئة الحكم الانتقالي مناصفةً مع النظام، ضجة وجدلًا كبيرًا.

ونقلت وكالة "رويترز" تصريحات المتحدث باسم الهيئة العليا للمفاوضات سالم المسلط "إن الهيئة مستعدة للمشاركة في هيئة حكم انتقالي مع أعضاء حاليين من حكومة رئيس النظام السوري بشار الأسد ولكن ليس بشار الأسد نفسه".

وقال المسلط "إن هناك العديد من الأشخاص على الجانب الآخر يمكننا التعامل معهم". مضيفًا&أن الهيئة لن تعترض طالما لن يرسلوا "مجرمين".

المسلط قال إنها "تصريحات مجتزأة"، فيما نفى كبير المفاوضين في وفد المعارضة لمحادثات جنيف هذه التصريحات، والتي قال إنها منسوبة للوفد حول القبول بمقاسمة السلطة مع النظام بهيئة حكم انتقالية.

وقال محمد علوش في تغريدةٍ على حسابه الشخصي على "تويتر" إن التصريح المنسوب للمعارضة "غير صحيح، ولا يمكن ان نشترك بشيء مع بشار ورموز نظامه الذين تلوثت ايديهم بدمائنا"، فيما قال رئيس الوفد التفاوضي العميد أسعد الزعبي "إن المشاركة في الجولة الحالية لجنيف تأتي من أجل التوصل لانتقال سياسي عبر تشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات، والتي تتضمن رحيل كل رموز النظام، وعلى رأسهم بشار الأسد، منذ بداية المرحلة الانتقالية، حيث أثبت الأسد أنه هو المرض الذي أصاب سوريا، ولن تشفى سوريا حتى يزول وكل رموز نظامه، فرحيل الأسد هو مفتاح الحل في سوريا".

وأضاف: "حضرنا لنثبت جديتنا في البحث عن حل سياسي، ونقول للعالم نحن ممثلو الشعب ونعمل لإيجاد حل للحرب التي يشنها النظام ضده، بينما يتخذ النظام هذه المفاوضات ذريعة للماطلة، ضاربين عرض الحائط بكل القرارات الدولية".

وأكد الزعبي أن "نظام الأسد خرق هدنة وقف الأعمال العدائية أكثر من 2000 مرة، وقصف السوريين بـ 420 برميلاً، وهذا يؤكد مرة أخرى على إرهاب النظام وعدم جديته في الحل السياسي، لا سيما وأنه قبل كل جولة تفاوض يقوم بتصعيد عسكري ليعطي رسالة واضحة أنه لا يريد حلاً سياسيًّا&ويصر على الحل العسكري".

وأشار الزعبي إلى أن "إيران وروسيا يزودان الأسد بأطنان من الأسلحة والذخائر، بالإضافة إلى إرسال قوات عسكرية من الحرس الجمهوري الإيراني وقوات القبعات الخضراء والباسيج والميليشيات الطائفية والمرتزقة، وهذا يثبت عدم جدية من قبل روسيا في إرادة الوصول لحل سياسي في سوريا".&

&

رؤية منصة القاهرة

من جانبه، كشف جهاد مقدسي، عضو مؤتمر القاهرة للمعارضة السورية، والذي يمثل منصة القاهرة في المفاوضات، "أنهم قدموا لـ (ديميستورا) رؤية مؤتمر القاهرة لكيفية تنفيذ بيان جنيف وتفاصيل موضوع جسم الحكم الانتقالي٬ وفقاً لنص وثائق مؤتمر القاهرة الميثاق، وخارطة الطريق السياسية"، فيما طلب ديمستورا الدخول بالتفاصيل لكي يعلم الجميع ما هي رؤية و تفاصيل الحل السياسي لدى المكونات السياسية الأساسية المدعوة لجنيف وفقاً للقرار ٢٢٥٤.

وقال مقدسي على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك"، إن طلب ديمستورا يأتي بعد الانتهاء من مرحلة العموميات، لأنه سبق وأصدر مع نهاية الجولة السابقة للمحادثات ورقة إطارية عامة من ١٢ نقطة لخص فيها ما وجده "هو" كبنود إطارية عامة ومشتركة بين الوفود٬ وبالتالي حان الوقت لتجاوز العموميات وطرح الرؤى التفصيلية لكل وفد، وموقفه من موضوع تشكيل هيئة الحكم الانتقالي كما نص عليها بيان جنيف والقرارت الأممية ذات الصلة.

وقال: "من حق الناس أن تعلم موقفنا كمنصة مؤتمر القاهرة بهذا المجال٬ وما طرحناه رسميًّا&استنادًا&لبنود وثائقنا"، لافتًا الى أن "وثائق مؤتمر القاهرة هي منتج سوري صرف هدفه الأولي الحفاظ على الدولة السورية وليس السلطة، وخلق نمط حكم جديد يضمن صناعة السلام بين السوريين من كل الأطراف دون اقصاء وبشكل غير تجميلي٬ وهذا المنتج هو وجهة نظر "يمكن البناء عليها وتحديثها بما يناسب مكونات الشعب السوري ومتطلبات الحل والانتقال السياسي".

وقال: "ما يجري في جنيف اليوم ليس شأناً خاصاً هدفه انتاج أوتعزيز زعامات ما٬ أو تصدر لمشهد سياسي هو موقت حتمًا، أو إنجاح لتحزبات سياسية، بل هو شأن عام وعام جدًّا& يخص جميع السوريين دون استثناء، وفي كل مكان ومن كل فئة مجتمعية".

وأضاف: "نحن في منصة مؤتمر القاهرة نقوم بالتعبير عما نزعم أنه رؤية مقبولة من أغلبية السوريين من كل الأطياف بما يضمن وضع طموحاتهم الكبيرة والمشروعة والمحقة على سكة التنفيذ، عبر تغيير نمط الحكم وإنهاء الحرب ووضع حد للتدخل الخارجي بالشأن السوري، فالاتفاق السياسي المأمول سيسحب ذرائع دعم هذا أو ذاك الطرف ويعيد القرار ليد السوريين تدريجياً٬ و يحفظ الكيان السوري العزيز علينا جميعنا دون منافسة أو اقصاء أو حصرية لحق أي مكون سوري آخر، لأننا نعبّر ولا نمثل".

بنّاء ومثمر&

وكان بشار الجعفري، رئيس وفد النظام السوري الى جنيف، قال أمس إنّه حمل معه تعديلات ومقترحات لمناقشة ورقة المبادئ التي كان قد أعلنها المبعوث الدولي من 12 نقطة في ختام الجولة السابقة.

ونقلت وسائل اعلام مقربة من النظام أن التعديلات تتحدث عن الارهاب وعن رفض هيئة الحكم الانتقالي واعتبارها غير قانونية.

وأشار الجعفري الى "إن التركيز خلال اجتماعه مع المبعوث الخاص للأمم المتحدة انصب على تقديم تعديلات على وثيقة الأمم المتحدة الصادرة في الجولة السابقة من المباحثات".

وأكد الجعفري في مؤتمر صحافي بعد اجتماع دام قرابة الساعتين ونصف مع مبعوث الأمم المتحدة "إنه لا يوجد الكثير مما يمكن قوله الآن"، من دون أن يكشف عن تفاصيل أو يرد على الاسئلة.

ولكن الجعفري وصف الاجتماع بأنه "بناء ومثمر"، وقال: "إن وفده سلم دي ميستورا تعديلات على 12 من المبادئ الأساسية العامة التي تم وضعها في الجولة السابقة من المفاوضات"، مضيفًا أنه يأمل في بحث تلك التعديلات مع الأمم المتحدة يوم الاثنين.