قرقنة: سيارات شرطة في مدخل الميناء، طرق تناثرت عليها الحجارة وجذوع نخيل متفحمة: هكذا كان المشهد في قرقنة، الجزيرة التونسية الهادئة عادة، والتي تعيش منذ مطلع الشهر الحالي توترات اجتماعية غير مسبوقة.

وبرزت احتجاجات السكان اخيرًا على خلفية نشاط شركة النفط البريطانية "بتروفاك"، الذين يعتبرون انه لا يساهم في تنمية الجزيرة الواقعة قبالة سواحل صفاقس (وسط شرق) والتي شهدت اخيرا اضرابا عاما ومواجهات مع الشرطة.

تمتد الجزيرة المنبسطة والمغروسة بأشجار النخيل على حوالى 160 كيلومترا مربعا، ويفوق عدد سكانها 15 الفا، بحسب آخر تعداد للسكان في 2014.
في الثالث من الشهر الحالي، فرقت الشرطة بالقوة اعتصاما لعشرات المحتجين حول مقر شركة "بتروفاك"، وأوقفت اربعة منهم، بعدما ادى اعتصامهم الى "غلق الشركة (..) لحوالى ثلاثة اشهر"، بحسب وزارة الداخلية التي أوردت في بيان ان المعتصمين كانوا يطالبون بتوظيفهم في القطاع العام.

وقال احمد السويسي، المسؤول في "اتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل" (نقابة لخريجي الجامعات) ان تفريق الاعتصام ووصول تعزيزات أمنية كبيرة الى الجزيرة تسبب في "غليان قرقنة وجعل كل المشاكل القديمة المرتبطة بالتنمية تطفو على السطح".

وشهدت الجزيرة إضرابا عاما في 12 نيسان/ابريل الحالي للمطالبة باطلاق سراح الموقوفين وبالتنمية، ومواجهات ليل الخميس الجمعة بين قوات الأمن وسكان اعترضوا على دخول ست شاحنات لنقل البترول تابعة لشركة "بتروفاك".

بترول وسياحة وصيد 
ويعتقد العديد من السكان ان الشركات النفطية الاربع التي تنشط اليوم في قرقنة زعزعت استقرار جزيرة كانت تعيش على الصيد البحري، وهم يطالبون الدولة بإخراج جزيرتهم من الازمة. ويقول خالد ساخرا "يجب ان يفسروا لنا شيئا لم نفهمه حتى اليوم: هل قرقنة جزيرة سياحية ام منطقة صناعية؟ ماذا نقول للسائح الذي يرى من الشاطئ منصات البترول؟".

ويؤكد احمد السويسي انه لا يناضل من أجل رحيل الشركات النفطية. "لكن حضورها يضر بقطاع الصيد البحري، النشاط الرئيس لغالبية السكان". يضيف "لا يجب على الدولة الانسحاب، وترك المجال" للقطاع الخاص، داعيا الى "حوار جدي مع الدولة والشركات البترولية من اجل إجراءات تنموية حقيقية".

ويعتقد كثيرون من سكان قرقنة ان جزيرتهم لم تستفد من حضور الشركات النفطية. ويقول احد الصيادين "لا يوجد شيء هنا، لا شيء. أنتم تنقلتم في الجزيرة، فهل رأيتم شيئا؟".

مسكّنات
وخلال الحراك الاجتماعي الذي شهدته تونس في 2011 إثر الاطاحة بنظام زين العابدين بن علي، تم الاتفاق بين عاطلين عن العمل ومسؤولين محليين وشركة "بتروفاك" على "منظومة (برنامج) بيئية" لتشغيل 266 شابا من خريجي الجامعات بتمويل من الشركة.

وبموجب الاتفاق، تم تشغيل هؤلاء الشبان من دون عقود أو تأمينات اجتماعية في إدارات عمومية محلية مثل مركز البريد في انتظار إحداث "شركة بيئية" حكومية تستوعبهم. وترى اسمهان الصامت، احدى المستفيدات من هذا الاتفاق، انه مجرد "مسكنات" لشراء السلم الاجتماعي. ويقول المسؤول النقابي حسين الحضري "قلنا (عند التوصل الى الاتفاق) لم لا؟ على الأقل يستطيع هؤلاء العاطلون، ابناؤنا، الاستفادة" من الانشطة البترولية.

لكن اصبح الجميع يخشون اليوم زوال برنامج "منظومة البيئة". فبعد مفاوضات اخرى، تم التوصل في 2015 الى اتفاق جديد لاستدامة الوظائف لم يتم تفعيله. تقول اسمهان "الناس بنوا حياتهم (على أساس منظومة البيئة)، البعض تزوج، وآخرون يعيلون أُسَرَهم (..)، وفجأة يأتون ويقولون لنا ان المنظومة ستتوقف. لماذا؟".

وقال المدير العام لشركة "بتروفاك" عماد درويش اخيرا لموقع "نواة" الالكتروني ان الشركة لم تعد قادرة على تمويل البرنامج، داعيا الدولة الى التدخل.
كما حذر في مقابلة مع مجلة "الايكونوميست المغاربي" من ان الشركة التي تعطل انتاجها بسبب الاحتجاجات الاجتماعية يمكن ان "تقرر في اي لحظة اعادة النظر في وجودها" بجزيرة قرقنة.

واتصلت وكالة فرانس برس بالمعتمد (نائب الوالي) في قرقنة، لكنه رفض التعليق على الاوضاع في الجزيرة. ودافع رئيس الحكومة التونسية الحبيب الصيد في تصريح لاذاعة "جوهرة اف ام" الخاصة عن تدخل قوات الامن، التي قال انها قامت بتطبيق القانون و"حماية حرية العمل".

وعبّر سكان في قرقنة عن استيائهم من إرسال تعزيزات أمنية الى الجزيرة، في حين شبه بعضهم تواجد قوات الأمن بـ"الاحتلال". وقالت سيدة (52 عاما، ربة بيت) التي أصيبت بـ"الهلع" بعدما تسرب دخان القنابل المسيلة للدموع الى منزلها "ماذا فعلنا لهم، ربما نحن إرهابيون؟".