بخطوة بسيطة صار «يوم الحجاب» في جامعة العلوم السياسية في باريس حديث الجميع. قد يكون هذا الهدف الأساس وقد تحقق بإطلاق الجدل وموجة من الآراء المتفاوتة والمتناقضة.
باريس: قبل أسبوعين تقريبًا حذّر رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس من هيمنة السلفيين على الخطاب الإسلامي في فرنسا. وأكثر من ذلك، اعتبر فالس أن ارتداء الحجاب لا يقتصر على كونه ظاهرة عادية بل هو «استعباد» للمرأة، على حدّ تعبيره، داعيًا إلى منع الحجاب في كل المؤسسات التعليمية، لا سيما الجامعات.
اللافت في هذا الكلام أنه يأتي على لسان رئيس الحكومة اليسارية، رغم عدم موافقة الرئيس فرنسوا هولاند على مضمونه، وعدم اعتياد الفرنسيين على صدور تصريحات كهذه من هذا الفريق السياسي. لا بلّ يرى كثيرون أن السلطة الحالية في فرنسا لا تمثل بأي شكل اليسار الفرنسي، أكان في موضوع قانون العمل الجديد، أو في ملف اللاجئين وفي بعض تصريحات الرئيس هولاند. ولم يعد مستغربًا بالتالي أن تقول زعيمة حزب "الجبهة الوطنية" اليميني المتطرّف مارين لوبان: "يخيّل إلي أنني أقرأ كلامي أنا في أحاديث فالس".
وبالنسبة إلى لوبان تأخر رئيس الحكومة في استنتاجاته هذه. فهي لطالما شدّدت على أهمية «خضوع» المسلمين لقوانين الجمهورية العلمانية.
يوم الحجاب
لكن الردّ على كلام مانويل فالس جاء من حرم جامعة العلوم السياسية في باريس. فقد أطلقت مجموعة من الطلاب عبر الفايسبوك (إشارة إلى أن إدارة موقع فايسبوك أقفلت صفحة المبادرة، فعمد المنظمون الى فتح صفحة جديدة) مبادرة «يوم الحجاب»، التي لاقت استحسان كثيرين ورفض آخرين. وصباح الأربعاء 20 أبريل وصلت طالبات إلى الكلية مرتديات الحجاب، وهدفهن تسليط الضوء على معاناة المرأة المحجبة في فرنسا. تقول إحدى الطالبات لـ«إيلاف» إنها منذ ارتدت الحجاب تشعر بأن نظرة الناس إليها تبدلت بسبب أحكام مسبقة ربما، أو أفكار خاطئة. وتضيف: «نريد أن نلبس ما نشاء ولا دخل لأحد في ذلك».
الطالبات وعدد من الشبان وزّعوا مناديل ومنشورات في حرم الجامعة التي وصلت اليها وسائل إعلامية عديدة من الصباح لمتابعة الحدث. وكُتب على المنشورات: "إنها دعوة عامة للمسلمين وغير المسلمين لخوض تجربة ارتداء الحجاب ليوم واحد".
الخطوة بذاتها رمزية. وهي بحسب الطلاب «ترفع صوت المحجبات اللواتي لا يصل صوتهنّ إلى أحد». في فترة بعد الظهر احتشد الطلاب أمام الجامعة وزاد عدد داعمي الحملة. في الوقت عينه امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي والوسائل الإعلامية بالآراء والتحاليل. ورأى النائب الفرنسي إيريك سيوتي أن «هذا التحرك فاضح للغاية» وطالب إدارة الجامعة بمنعه لأنه يروّج لارتداء الحجاب «رمز خضوع المرأة». واعتبر سيوتي أن إدارة الجامعة فقدت مصداقيتها ودعاها حتى إلى الاستقالة. في حين أوضحت إدارة الجامعة أن إقامة هذا التحرك في الجامعة لا يعني أنه ينال دعم الإدارة.
مجموعة سلام
من ناحية المنظمين، الموضوع يتعلق بحرية التعبير واحترام خيار الآخر. الهدف ليس الترويج للإسلام إنما هو أقرب إلى تجربة اجتماعية. ويقول أحد الطلاب السابقين في الجامعة إنه يرجّح أن تكون مجموعة «سلام» في الجامعة وراء هذا التحرك. ويفسّر بأن مجموعة «سلام» بدأت كحركة حوارية تناقش مواضيع الإسلام بانفتاح وعمق، لكنها سرعان ما تحوّلت مجموعة تروّج للإسلام وتمارس الضغوط على الطلاب المسلمين وتسعى إلى غسل أفكارهم وصارت أقرب إلى التطرف ولذا يجب الحدّ من تأثيرها في الجامعة.
هذا الكلام ترفضه المجموعة رفضًا قاطعًا. وتقول إن أعضاءها يحاولون، على حد تعبيرهم، تغيير الصورة النمطية للإسلام، ويرفضون الكلام الحاقد والجاهل. ويضيفون أنهم منفتحون على الآخر واسمهم يعبّر عنهم «سلام».
واضح أن السلطات في البلدان الغربية لم تستطع التوصل بعد إلى حلّ يوفّق بين العلمانية واحترام حق التعبير والاختيار. ففرنسا على سبيل المثال تمنع في المدارس الرسمية الرموز الدينية، بما فيها الصليب والحجاب، بذريعة العلمانية. أمّا في الجامعات فتسمح بها باسم الحرية.
فرنسا التي تضمّ مجموعة كبيرة من المسلمين (خمسة ملايين تقريبًا) تواجه حوادث كثيرة معادية للإسلام، وما يسمّى بالإسلاموفوبيا ينتشر وتتّسع رقعته. يقول محمد، المغربي الأصل لـ «إيلاف»: «نحن نحب فرنسا ونأتي إلى هنا للتعلم والانفتاح. طبعًا نحن كمسلمين نعاني من نظرة الغرب إلينا. قد يكون الحق على بعض من يدّعون الإسلام. من فجّر نفسه قبل خمسة أشهر ليس مسلمًا».
التعليقات