تضطر عشرات الدول الساحلية، المحرومة من مصادر المياه العذبة، الكافية، إلى تحلية مياه البحر بأشعة الشمس، رغم الكلفة العالية، ورغم التحذيرات من ضرر طرق التحلية التقليدية على البيئة.

برلين: يمكن لمادة مسامية نانوية جديدة من الألمنيوم وأوكسيد الألمنيوم، بمساعدة ضوء الشمس، أن تخلص مياه البحر من الأملاح والشوائب، وذلك بكلفة قليلة، وبطريقة لا تضر بالبيئة. ويتحدث العلماء الصينيون عن فتح جديد في عالم تحلية مياه البحر، ويقولون إن الطريقة فعالة جدًا وسريعة.

خفيفة الوزن
كتب جياو زهو وزملاؤه من جامعة نانجنغ الصينية في مجلة "نيتشر فوتونيكس" إن الطريقة لا تحتاج إلى منشآت كبيرة، بل إنه من الممكن استخدام نموذج مصغر منها لكل فرد. وهذا يعني ابتكار"منشأة" صغيرة في قنينة من سعة لتر، يستخدمها عابر السبيل، بين فترة وأخرى، لشرب الماء المحلى، بعد تعبئتها من ماء البحر.

وذكر زهو أن ميزة طريقته الجديدة عن الطرق السائدة حتى الآن في تحلية مياه البحر هي أنها مصغرة، ويمكن أن تستخدم لإسالة المياه في مدينة أو في بلدة أو قرية أو بيت. إذ من الممكن استخدام غشاء تحلية ماء البحر، المصنوع من مادة ألمنيومية مسامية وبعض مركبات الفوسفات، بعد تصغيرها إلى حجم يناسب قنينة ماء عادية.

تحتوي المادة السوداء، التي صنعت لاحقًا بشكل غشاء، على مسامات لا يزيد قطر الواحدة منها على ميكروميتر. كما إنها خفيفة جدًا في الوزن، وتطفو بسهولة على الماء، وبسهولة أكبر على ماء البحر المالح.

ثبت أن هذه المادة المسامية ممتص عال لضوء الشمس، وترتفع قدرتها إلى امتصاص 96% من ضوء الشمس الساقط عليها. تؤدي هذه العملية إلى تسخين الغشاء إلى درجة تقترب من الغليان، وهو الأمر الذي يؤدي إلى تبخر الماء، ليجري بعد ذلك تجميعه داخل خزان صغير. ومن الطبيعي أن ينزل الماء المتقطر، مع شيء من بقايا الأملاح، في قاع القنينة، وهو ماء محلى صالح للشرب بنسبة 100%.

6 لترات ماء شرب في الساعة
وكتب العلماء الصينيون أن سر تحويل نور الشمس إلى طاقة حرارية عالية يكمن في "البلازمونز"، التي تتحد مع الجزئيات النانوية في المسامات الألمنيومية الصغيرة، بتأثير نور الشمس.

أجرى الباحثون تجاربهم على"منشأة" يدوية صغيرة في المختبر، فثبت لهم أن الطريقة ناجحة. وسلطوا ضوء الشمس، بعد تقويته أربع مرات، على ماء البحر، وتمكنوا من إنتاج 6 لترات من ماء الشرب، من كل متر مكعب من ماء البحر في كل ساعة. أعادوا التجربة من دون استخدام الغشاء النانوي المسامي فنجحوا بعد وقت طويل في إنتاج ربع هذه الكمية من ماء الشرب، من متر مكعب واحد من ماء البحر.

فضلًا عن ذلك، استخدم العلماء الصينيون نماذج مختلفة من مياه البحر، التي تختلف من منطقة إلى أخرى، في نسبة الأملاح فيها، وتتراوح بين 1% و10%. وهكذا استخدموا نماذج من مياه البحر الميت ونماذج من مياه البحر الأسود، وكانت النتائج واحدة من ناحية الكفاءة، وكان الناتج كل مرة ماء قليل الأملاح وصالحًا للشرب.

للاستخدام الشخصي
تبدو طريقة الغشاء المسامي وضوء الشمس مناسبة أكثر للمنشآت الصغيرة وللاستخدام الشخصي (القناني)، لأن عمر الغشاء المسامي قصير نسبيًا. وقدروا أن عليهم، في المنشآت الكبيرة، تغيير الغشاء بعد استخدامه 25 مرة. إلا أن زهو وزملاءه يعدون بالعمل على إطالة عمر الغشاء مستقبلًا، ويعتقدون أن ذلك متاح، لأن كلفة إنتاج الغشاء منخفضة وسريعة.

المهم أن الإعلان عن الطريقة الصينية الجديدة تزامن مع تحذير صندوق البيئة الدولي WWF من "حلقة مفرغة" في دورة حياة الماء، تنجم من تحلية مياه البحار، وتنعكس سلبيًا على البيئة وعلى نسبة الماء العذب على كوكب الأرض. وألقت المنظمة البيئية العالمية المسؤولية على التقنيات التقليدية المستخدمة في تحلية الماء المالح، التي تنتشر في أكثر من 10 آلاف منشأة على المستوى العالمي.

من ناحية ثانية، انخفضت الطاقة المستخدمة في محطات تحلية المياه، بالنظر إلى تطور تقنيات الترشيح والتبخير، من 700 كيلو واط/ساعة لكل متر مكعب إلى 100 كيلو واط/ ساعة، إلا أن الرقم لا يزال مرتفعًا، بحسب صندوق البيئة الدولي. 

وتضاعف حجم المياه العذبة المكتسبة بوساطة محطات التحلية، على المستوى العالمي من 18 مليون متر مكعب عام 1993 إلى 25 مليونًا عام 2004 وإلى 35 مليونًا اليوم. كما يتوقع أن تنخفض كلفة تحلية مياه البحر بنسبة 50% عام 2025، إلا أن التوجه نحو تشغيل المحطات على مصادر الطاقة البديلة لا يجري بالسرعة نفسها. ولا يشكل الماء العذب، المكتسب من المحطات العاملة بيئيًا، سوى 0.02% حاليًا من مجموع المياه التي تتم تحليتها في العالم.