إيلاف من بيروت: يختلف اللبنانيون على كل شيء، وربما تقوم حرب بسبب مباراة كرة سلة، لكنهم يتفقون - في غالبيتهم في أقل تقدير – على أن وزير خارجية بلادهم جبران باسيل من أسوأ&من مرّوا على هذه الوزارة في تاريخ لبنان. فهو من وقف مرارًا في المؤتمرات العربية مخالفًا الإجماع العربي، ومدافعًا عن حزب الله، المصنف "إرهابيًا" في الخليج، ما دفع بالعلاقات اللبنانية – الخليجية إلى الهاوية. وهو من لا يُنسى بسبب إساءته العلانية إلى موظفة في الخارجية أمام ضيوف من خارج البلاد، وهو من أثار حفيظة كثر في وزارة الخارجية، بسبب تعامله الفوقي معهم، حتى كان آخرهم السفير الدكتور هشام حمدان، الذي ما احتمل تطاول باسيل وجهله بأبسط قواعد الدبلوماسية، فترك له الوزارة والسفارة، واستقال.

مشكلتي معه وطنية
أرسل حمدان إلى رئيس الحكومة اللبناني تمام سلام كتاب الاستقالة، فكان مضبطة اتهام بحق باسيل، أورد فيها الأخطاء والفظائع التي ارتكبها من يصفه الناشطون اللبنانيون بأنه وزير خارجية النظام السوري، لا لبنان.

قال حمدان في رسالة الاستقالة: "قدمت بتاريخ 15 مايو 2016 طلبًا عبر وزارة الخارجية لإحالتي على التقاعد المبكر، وإنهاء مهامي في السلك الخارجي، بعد مرور أكثر من أربعين عامًا على عملي في السلك والإدارة العامة. وقد جاء هذا الطلب إثر المشادة الكلامية بيني وبين وزير الخارجية المهندس جبران باسيل خلال اللقاء الدبلوماسي، الذي عقد في فندق لورويال الضبيه يومي 3 و4 مايو الجاري.

تابع في رسالته "وإني أتشرف أن أضع بين أيدي دولتكم وأيدي أصحاب المعالي الوزراء الأسباب الموجبة التي دفعتني إلى القيام بهذه الخطوة، طالبًا حماية كرامتي كموظف في الادارة اللبنانية بذل أكثر من أربعين عامًا في العمل لخدمة لبنان والدفاع عن قضاياه ولحماية نظام العمل للادارة اللبنانية والمساهمة في حماية مؤسسات الدولة وإبراز الوجه الحضاري للبنان".

وقال حمدان مسترسلًا "أود أن أؤكد بداية، أن مشكلتي مع الوزير باسيل ليست شخصية ولا سياسية ولا طائفية ولا آنية، بل هي مشكلة مفاهيم وطنية متصلة بانتهاك الوزير مبادئ العمل الدبلوماسي وأصول التعامل معي كسفير مفوض مطلق الصلاحية ورئيس لبعثة لبنان في المكسيك، حيث خلق لي مركز قوة في السفارة، وجعلها جناحين وبعثتين في بعثة، من خلال تمسكه ودفاعه عن سكرتير السفارة في وجهي، متجاهلًا موقعي وصلاحياتي، مما أضر بصورة السفارة ودورها في هذا البلد الصديق. كما منعني من القيام بمهامي لتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، بل أفشل الكثير من المشاريع التي قمت بها، ليس أقلها تحويل مبنى سفارة لبنان في المكسيك إلى متحف لبناني، يحكي تاريخ الحضارة اللبنانية، ويشكل حافزًا فريدًا لاستعادة الجالية اللبنانية إلى الوطن الأم".

مصالحه الشخصية أولًا
أضاف حمدان: "لقد التزمت دائمًا حدود النظام العام للوزارة لجهة التعبير من خلال الأطر الإدارية المباشرة عن شكواي وأسبابها وكذلك عن آرائي التي رأيتها مفيدة لتحقيق الأهداف المرجوة من الدبلوماسية اللبنانية في المكسيك، بما في ذلك تلك المبادئ وأسلوب العمل الذي يحقق استعادة المغترب في أميركا اللاتينية، والذي هو في معظمه من الطوائف المسيحية ومن الدروز. لكن الوزير تعامل مع واقع الانقسام في السفارة ومع أفكاري وآرائي من منطلق موقعه ومصالحه السياسية كمسؤول في تيار سياسي، يريد من كل موظف ودبلوماسي في الوزارة خدمة هذه المصالح، بدلًا من أن يتفاعل مع مراسلاتي من منطلق موقعه كوزير للخارجية، يفترض أن يكون فوق المصالح السياسية والفئوية للأحزاب والطوائف، ويفترض بالتالي أن يقرأ الشكاوى والمراسلات خارج الأطر السياسية الخاصة به ومن موقع المسؤول عن حماية النظام الدبلوماسي وحماية دوري كسفير رئيس البعثة أقدم قراءاتي وتقاريري ومراجعاتي بما أراه مصلحة لبنان ومصلحة العمل في هذه السفارة لا غير.

تابع: لقد دفعت ثمنًا باهظًا لعنادي في الدفاع عن سفارتي وصلاحياتي، وكذلك لكتابتي هذه المواقف والآراء، التي لم تعجب معاليه بصفته السياسية، فتعامل معي بشكل ظالم وحاقد، وصلت ليس فقط إلى حد تقديم الدعم المطلق لسكرتير في السفارة في وجهي وتعزيز بالتالي الانقسام والازدواجية في السفارة، بل إلى استغلال مواقف وجوه محلية إدّعى الوزير أنها اشتكت عليّ، متبنيًا موقفها، ورافضًا بحث تلك الشكاوى التي يدعيها، بما يخدم مسيرة العمل المؤسساتي والوطني للسفارة".

وأوضح أن "أسباب انفعالي في وجه الوزير باسيل خلال المؤتمر لا تتصل فقط بالطريقة التحقيرية التي عاملني بها حين كانت أمارس حقي بالكلام كسائر الحاضرين، والتي هي طريقته في التعامل مع كل سفير ورئيس بعثة لا يماشيه في أفكاره وأغراضه، بل هو هذا الاحتقان القائم في العلاقة بيننا وذلك التحقير اليومي لي أمام الجالية والمسؤولين والسفراء عربًا وأجانب، الذين كانوا يراقبون هذه الحالة الفريدة من التباعد بيني وبين الثاني، وإصرار هذا السكرتير على لعب دور القيادي بالنظر إلى الدعم المطلق له من الوزير، إضافة إلى تجاهل الإدارة مطالبي واقتراحاتي، ما ضرب مصداقيتي أمام السلطات الفدرالية والإقليمية. هذا إضافة إلى المعاملة التمييزية التي عانيتها من إدارة اختارت مسايرة الوزير على حسابي وملاحقتي بالتأنيب والحرمان من أبسط وسائل العمل الضروري لتحقيق مهمتي. ولم يشأ الوزير إبقاء حقده ضدي مستورًا، بل عمد إلى تفجير نقمته عليّ أمام الزملاء باستخدام وسيلة مخابراتية يستخدمها الغرب وإسرائيل، تعتمد على توجيه اتهامات قاسية إلى الضحية لتعريته من حسناته، ومنع التعاطف معه حين مهاجمته، فوجّه إليّ اتهامات مباشرة أمام المحفل الدبلوماسي تصيب مبادئي والقيم التي أحملها وحملتها طوال عملي في الوزارة والإدارة".

اتهامات ثأرية
تابع: "الوزير باسيل اتهمني بأني غصن يابس في وقت يعرف فيه القاصي والداني المهتم عن نشاطي في خدمة الدبلوماسية اللبنانية ولبنان. تلقيت أكثر من تهنئة بشأن عملي من وزراء للخارجية سابقين، بما في ذلك من الوزير جان عبيد والوزير الشامي. إن مثل هذا الاتهام كان هدفه أن يسرق مني أمام الرأي العام كل ما قمت به من جهود جبارة لخدمة صورة الوطن. وإني أتساءل كمثال فقط كم سفيرًا آخر مثلي نشر ثمانية كتب للتعريف بلبنان وحقوقه؟، وكم سفيرًا نشر مجلة عن زيارة الوزير باسيل نفسه، رغم كل ما أعاني منه إلى الدولة المعتمد فيها، احترامًا مني لمقامه أمام الرأي العام المكسيكي، ولتوثيق تلك الزيارة؟، وهذه المجلة ستبرز في أي معرض تقيمه الخارجية هنا عن العلاقات الثنائية ولو بعد مئة سنة".

وأكمل قائلًا "كما إن الوزير باسيل اتهمني علنًا بأني اقمت سفارات منعزلة عن الجالية، سواء خلال عملي في الأرجنتين بين سبتمبر 2000 وفبراير 2013 أو في المكسيك، التي بدأت مهمتي فيها في مارس 2013، على الرغم أن الجميع في الوزارة يعلم كيف أني جلت أرجاء البلدين وعلى حسابي الشخصي في أحيان كثيرة، من الزاوية إلى الزاوية بحثًا عن أبناء الجالية. وثمة عشرات الوثائق التي تثبت كلامي، علمًا أنني تلقيت كتاب تهنئة من مدير عام وزارة المغتربين لجهودي هذه".

وأشار إلى أنه "لا أخفي غضبي الشديد إزاء هذا الاتهام الأخير، بل إنه الشعرة التي قصمت ظهر البعير، لأن هذا الاتهام يناقض كل ما قمت به منذ عام 1978 عندما بدأت عملي الدبلوماسي وحتى تاريخه بغية تقديم نفسي من خلال العمل اليومي كنموذج دبلوماسي ووطني يؤمن أولًا بلبنان ولا يفرّق بتاتًا بين اللبنانيين وأني فوق الطوائف. أنا ابن عائلة تمرست بالوطنية، ولا أستطيع تحمل مثل هذا الاتهام الظالم. نموذجي في حياتي كبار مثل مهاتما غاندي ونيلسون مانديلا وكمال جنبلاط ورفيق الحريري. كما إن هذا الاتهام يوحي بأني امتنعت عن التفاعل مع الجاليات في هذين البلدين، لأني غير مسيحي، وتحديدًا لأني درزي، الأمر الذي له آثار ضارة جدًا، بل وخطيرة، لا سيما وأني من الجبل، وتحديدًا من الشحار الغربي، الذي مر كما هو معروف بتجربة مريرة، وبحيث تصورني كأني أتعامل بانتقام وبتحد لكل ما اتفقت عليه القيادات الدرزية والمسيحية منذ زيارة البطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير إلى المختارة وزيارة البطريرك الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي الأخيرة إلى الشحار".

حققوا في المسألة
وأضاف في كتاب الاستقالة: "وجّه الوزير إليّ أيضًا اتهامات بوجود شكاوى ضدي، مسميًا المطران جورج ابي يونس راعي الكنيسة المارونية في المكسيك (وهو من حمّانا) وأبناء من الجالية بانهم هم الذين وجّهوا هذه الاتهامات ضدي. وكنت استمعت إلى مثل هذا الاتهام من الوزير سابقًا في فبراير 2015 خلال زيارته الرسمية للمكسيك. طالبته في حينه وطالبت المسؤولين في الوزارة لاحقًا ومرارًا وتكرارًا بتفعيل هيئة التفتيش في الوزارة للتحقيق في هذه الشكاوى. فانا مصرّ، ومن خلال المبادئ التي احافظ عليها في اطار وظيفتي، على ضرورة المحاسبة الشفافة للموظف المسؤول، فاذا كنت مخطئًا وجبت مساءلتي، وان كنت مظلومًا وجبت حمايتي. فلم يفعل، وكرر هذه التهمة أخيرًا امام الملأ خلال اللقاء الدبلوماسي، ما اثار غضبي ايضًا، علمًا أن ما اسمعه حاليًا من المطران وابناء الجالية يخالف هذا الأمر، اذ يحمل الثناء والتقدير للجهود التي اقوم بها.

إني مدرك مواقف المطران ومن حوله من بضعة افراد من الجالية، فقد عانيت من هذه المواقف منذ استلام مهمتي، الا أني امتنعت عن اثارة هذا الأمر علنية، بل واجهت المطران مباشرة بما لمسته منه، ونقلت الأمر بوضوح وشفافية إلى الوزير والى غبطة البطريرك مصرًا على رفض اية ايحاءات مذهبية او طائفية، بل اني ذهبت إلى وضع قبل شهور من مشادتي مع الوزير، استقالتي من السلك بأيدي غبطة البطريرك، اذا ما تبين اني مخطئ في تعاملي مع سيادة المطران. لقد تحملت بمرارة الشخصانية التي غلبت البعض، بما في ذلك المطران، فلم يتقبلوا اصراري على استعادة دور السفارة كواجهة العمل لبناء العلاقات الثنائية مع المكسيك، بل ارادوا أن تظل السفارة ملحقا تحت جناحهم، الأمر الذي يناقض جهود كل الوطنيين، بما في ذلك الكنيسة والقادة المسيحيون، باستعادة دور الدولة ومؤسساتها. وهم دعموا الشخص الثاني الماروني في وجهي، الأمر الذي ساهم في تعزيز الاندفاعة السياسية الخاصة للوزير، وخلق ازدواجية في السفارة واضعفها. وقد سكت ابتداء من اوائل العام 2016 ولو على مضض على الواقع القائم في السفارة تجاوبا مع نصائح لي ومنعا لتصادم مع سيادة المطران، يمكن أن يفسر بانه طائفي، ولامتصاص المشاكل مع الوزير والوزارة، وكذلك لعدم ازعاج المسؤولين بالشكوى الدائمة. لكن وكما يقول المثل: يرضى القتيل، وليس يرضى القاتل.

ختم بالقول: دولة الرئيس، آمل أن يتغلب الشعور بالمسؤولية الوطنية لكل معني ومسؤول عند بحث هذه الحادثة الفريدة في الحياة الدبلوماسية. وأنا اتخذت قراري بمغادرة الوزارة، لكي لا أتحمل عقوبة لعمل قمت به غصبًا عن ارادتي، وكي لا يكون انفعالي سابقة تتكرر، مؤكدًا اعتذاري منكم ومن اعضاء الحكومة ومن زملائي في الادارة لما حدث. واني اتطلع إلى موقف يحمل العدالة، بحيث لا يبقى سكرتير السفارة هنا، لأن ذلك سيخلق توترات وسابقة مريرة في تاريخنا الدبلوماسي. وأتمنى من أعماقي أن تبدأ هذه السفارة مرحلة جديدة مع وجوه جديدة تنسي الجالية والرأي العام المكسيكي ما حصل وتبقي الدبلوماسية اللبنانية حصنًا كريمًا".
&