"الأسود مجرم والمسلم إرهابي"، هكذا بدأت هاجر أحمد حديثها معي واصفة نظرة المجتمع لها ولغيرها من المسلمين السود. ولدت الفتاة الأمريكية ذات الـ 24 سنة لأسرة مسلمة. التقيتها في حديقة هادئة يطل عليها مبنى الكونغرس الأمريكي لتشرح لي كيف تتعامل مع التمييز على مستويات عدة باعتبارها امرأة مسلمة سوداء. وتضيف "لكن الفارق في حالة التمييز العرقي هو أن الأمريكيين السود ينظر إليهم كمشكلة داخلية. أما المسلمون الأمريكيون فمشكلة خارجية دخيلة." وكان اللقاء بهاجر جزءا من جولة حول واشنطن، عاصمة أرض الأحلام، كما يطلق على الولايات المتحدة الأمريكية. هذا البلد المعروف بأنه بوتقة للثقافات المختلفة، لكنه في الوقت ذاته ينزف من جرح العنصرية الذي لا يندمل. عندما زرنا واشنطن قبل ثماني سنوات، كان هناك حدث لافت: هو انتخاب أول رئيس أسود في بلد طالما قسمته خطوط انقسام عرقي. والجدل بشأن الرئيس الجديد آنذاك، باراك أوباما، لم يكن حول هذا فحسب، بل كانت هناك أيضا شائعات عن أنه "مسلم متخف". عندما وصلت هذه المرة إلى العاصمة قبل عدة شهور من اليوم الحاسم، وجدت أن نفس الكلمتين - أسود ومسلم - لا تزالان في قلب الجدل الانتخابي. فقد أثار مرشح الحزب الجمهوري، دونالد ترامب، جدلا أمتد خارج أمريكا قبل عدة أشهر بدعوته منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة. وشهدت البلاد على مدار عامين مظاهرات احتجاج على حوادث قتل فيها شباب من ذوي البشرة الداكنة على أيدي رجال الأمن. وبسبب تلك الحوادث خرجت إلى النور حركة "حياة السود مهمة" المناهضة للعنصرية. هاجر أمريكية من الجيل الثاني. لكن السؤال الملح هو ما إذا كانت نفس المعاناة مع التمييز يلقاها هؤلاء الذين امتدت جذورهم في الولايات المتحدة لفترة أطول. والاجابة كانت لدى روبرت. استقبلني في منزله بضاحية على أطراف واشنطن بابتسامة عريضة. اثنان من ابنائه يساعدان زوجته في تنسيق الحديقة وهو يحدثني عن نصيبه من العنصرية وعيناه تتابعهما. تحول روبرت إلى الإسلام في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول عام 2001. وهو يقول إن هناك دائما قائمة من الأسباب التي تدعوه للخوف. "كلما وقع حادث تقول لنفسك أرجو ألا يكون مرتكبه مسلما ... وألا يكون أسود، لأنك اعتدت أن الأقلية كلها تلام بسبب تصرف فرد واحد." ويمثل المسلمون من أصول أفريقية نحو ثلث الأقلية المسلمة في البلاد. أي أن عددهم لا يقل عن مليون شخص، بحسب دراسات مركز "بيو" في واشنطن. وبحسب الدراسات فإن السود من أصول إفريقية يكونون أقرب لاعتناق الديانة الإسلامية من غيرهم من الأعراق في أمريكا، كما يقول بشير محمد من مركز "بيو". ويوضح أن "نحو ثلثي المسلمين السود في أمريكا هم ممن اعتنقوا الإسلام بعد أن كانوا ينتمون لدين آخر". ويضيف "هناك عوامل عدة لقرب الأمريكيين من أصول إفريقية من الإسلام، أهمها هو ألفة المجتمع مع الديانة ومع المسلمين. أغلب الأمريكيين السود لهم معارف من المسلمين، في الوقت الذي لا يكون هناك مسلمون بين معارف أغلب الأمريكيين البيض." ويقول روبرت إنه لا ينسى أحد المواقف التي مر بها عام 2003، عندما كان مجندا في البحرية الأمريكية. ويتذكر قائلا "كان هذا عندما قتل رجل مسلم أسود يدعى حسن أكبر عددا من زملائه في البحرية. أتذكر نظرة زملائي لي ، كانت تقول "ها هو رجل أسود آخر ممن تحولوا إلى الإسلام. ترى هل علينا أن نراقبه؟" هذه الصورة النمطية تعززها وسائل الإعلام وأدت إلى زيادة التدقيق الأمني في أحياء المسلمين من أصول إفريقية ومساجدهم. أحد أشهر هذه الحوادث كان في ديترويت عام 2009، حين قتل في المداهمات التي شنتها قوات الأمن أمام أحد المساجد التي يرتادها المسلمون السود في المدينة واعتقل 6 آخرون. وقالت أجهزة الأمن آنذاك إن الحملة استهدفت عصابات محلية في المدينة. لكن هم الهوية المزدوجة ليس جديدا على مجتمع المسلمين السود، فقد كانت لهم في تاريخ الولايات المتحدة محطات مشابهة، ربما كانت سببا في وجودهم تحت المجهر الآن. توجه الأمريكيين من أصول إفريقية إلى الإسلام بلغ أوجه في ثلاثينيات القرن الماضي مع بداية جماعة أمة الإسلام بقيادة اليجا محمد. الجماعة كانت لها معركتها الخاصة مع العنصرية في أمريكا، لكن نهجها كان حادا في بعض الأحيان ومثيرا للجدل في أغلبها. وما زالت أحداث ثمانية عقود، منذ إنشاء أمة الإسلام، حية في عقل وذاكرة أزكيا محمد، العضو البارز بجماعة أمة الإسلام منذ نحو ٥٠ عاما. ويقول: "نحن أناس مسالمون. لا نسعى للعنف، بالرغم من أننا نعيش في مجتمع معاد لنا باعتبارنا سودا ومعاد لنا باعتبارنا مسلمين". ارتبطت أهم أيقونات المجتمع الأمريكي من أصول إفريقية تاريخيا بأمة الإسلام، مثل الناشط الحقوقي مالكوم إكس، والملاكم العالمي محمد علي، والزعيم الحالي لأمة الإسلام لويس فارخان. إلا أن غالبية المسلمين السود في أمريكا يتبعون حاليا المذهب السني ولا ينتمون لفكر جماعة أمة الإسلام. لكن انتشار الإسلام بين الأمريكيين السود له تاريخ يمتد أبعد من أمة الإسلام بكثير. ويقول طالب شريف، إمام مسجد محمد في قلب واشنطن، إن العبودية هي التي جلبت المسلمين الأفارقة إلى أمريكا فنحو 60 في المئة من العبيد الذين جيء بهم إلى أمريكا كانوا من المسلمين. ويروي شريف أن في منطقة واشنطن تحديدا كان يعيش يارو محمود، وهو واحد من أوائل العبيد المسلمين الذين حررهم إبراهام لنكولن في هذه المنطقة من أمريكا. ويوضح أن "يارو جاء عن طريق تجارة العبيد عام 1752 وكان عمره آنذاك 16 عاما. في ذلك الوقت لم تكن أمريكا دولة بعد. وعندما أعطاه من كان يملكه حريته، بقي يارو في واشنطن وكان الناس يشاهدونه يمارس شعائر الإسلام ويصلي متوجها نحو الشرق". ويقول شريف وغيره ممن قابلناهم، إن المسلمين السود حاليا يحتاجون لرموزهم ولصوت يعبر عنهم. هؤلاء الأشخاص هم السبيل لمحاربة العنصرية على جبهتي اللون والدين. نقلنا ما قاله إلى كيث إليسون، الذي كان أول عضو بالكونغرس من المسلمين من أصل إفريقي عندما انتخب قبل ثماني سنوات عن الحزب الديمقراطي. إليسون عمره 52 عاما وقد اعتنق الإسلام قبل 33 سنة. عندما سألته عما إذا كان بإمكان المسلمين من أصول إفريقية أن يكونوا صوتا للأقليتين داخل المجتمع الأمريكي، كانت إجابته بأن لهم دورا مهما بالفعل. وقال "المسلمون السود قد لا يمثلون الجزء الأكبر من الأقلية المسلمة في أمريكا، وكذلك نحن لسنا الأكثر ثراء. لكنني أظن أننا نمثل الجزء المؤثر، فنحن الأكثر تواصلا مع باقي المجتمع على المستوى السياسي. ويضيف "لطالما كان هناك أشخاص مهمون مثل محمد علي الملاكم الشهير، وكريم عبد الجبار، لاعب كرة السلة، لكن هناك غيرهم كثيرون." ولدى هاجر أيضا نفس الأمل في كبح العنصرية، رغم كل ما تراه خلال هذه الانتخابات. لكن لديها أيضا، مع الأمل معركتها الخاصة. تقول هاجر: "أحاول الوصول إلى هذه المرحلة التي لا ينبغي فيها أن اختار أن أكون من هذا المجتمع أو ذاك بسبب خوفي من آراء الناس. أحاول أن أعيش وبشكل كامل كمسلمة سوداء أمريكية".
- آخر تحديث :
التعليقات