تعيش مدينة تعز، ثالث أهم واكبر المدن اليمنية، مأساة انسانية صعبة، في ظل استمرار الحرب الهمجية التي تشنها الميليشيات الحوثية وقوات الرئيس السابق علي عبدالله صالح، والتي فرضت حصاراً خانقاً على المدينة، أدى إلى تفاقم المعاناة اليومية لسكان المدينة في ظل تدهور خدمات الصحة والتعليم والغذاء والكهرباء والمياه.

وتكشف "إيلاف" باستنطاقها نخبة من جهات الاختصاص عن حجم تلك المأساة الانسانية، التي تدخل عامها الثاني.

حصار خانق وإفقار منظم&

قال وكيل محافظة تعز رشاد الاكحلي إن معاناة أبناء تعز مستمرة حتى أصبحت مأساة بعد أن تجاوزت عامها الأول.

وأكد الاكحلي في حديث خاص لـ"إيلاف"، أن تعز&لا تزال تواجه وحشية جماعة الحوثي وصالح، من خلال الحصار الخانق الذي ترتب عليه إفقار منظم للسكان، وكان أثره كبيراً على مجمل حياة الناس المعيشية والخدمية.

وأضاف وكيل محافظة تعز قائلاً: "تمنع ميلشيا الحوثي دخول المواد الاغاثية الغذائية والصحية والنفطية، وكل ما له علاقة بحياة الناس، ويتم حجز الاغذية والمواد الطبية التي تقدم احيانًا للمحافظة، وما زاد من مأساة الناس أن الحصار يترافق مع قصف متواصل ليل نهار وبشكل عشوائي على احياء وشوارع المدينة بمختلف انواع الاسلحة الثقيلة، فصار المشهد مؤلماً وقاسياً، من تدمير المباني والمساكن والمؤسسات الصحية والتعليمية وغيرها، أي أن المدينة تعرضت لزلزال من صنع بشر، من&قتل متواصل للأطفال والنساء والشيوخ وبشكل همجي مجرم، فتسيل الدماء في الشوارع والازقة، بينما اشلاء الجثث تتناثر على الارض".

جهود الاغاثة غير كافية&

وتطرق وكيل تعز في حديثه لـ"إيلاف" الى الامداد الغذائي والإغاثة الانسانية في المحافظة قائلاً: "الاغاثة لم تلبِ&احتياجات الاسر في المناطق المحاصرة،&وقد غاب عن العملية الاغاثية المضمون الاغاثي، كما انها غير كافية ، لأنها اقل بكثير من احتياجات الاسر المتواجدة، فقد &كانت التقديرات الاولية للأسر في مديريات المدينة الثلاث، وفق مسح الائتلافات والمنظمات 56 الف أسره... والملفت أن هذا العدد مع مرور الوقت ورغم خطورة الاوضاع ، قد تزايد بعودة أسر كانت قد نزحت، وبالتالي فإن ما ورد من برنامج الغذاء العالمي ومركز الملك سلمان عبر ائتلاف الاغاثة لم يكن كافيًا".

وأوضح الاكحلي أن هناك اعمالاً اغاثية لمنظمات وهيئات ومبادرات تنشط بتواصلها &للحصول على مواد اغاثية من جهات وأفراد، مشيرًا الى ان السلطة المحلية الشرعية عبر اللجنة الفرعية تقوم بتوزيعها بحيث لا يتكرر التوزيع، ومن ثم يحرم البعض وحتى يتم التوزيع بشكل عادل.

الميليشيات تقصف المستشفيات&

في الجانب الصحي، تعاني تعز وضعًا متدهورًا منذ اكثر من عام في ظل استمرار القصف اليومي العنيف من قبل ميليشيات الانقلاب.

وفي هذا الصدد، يقول الدكتور صادق الشجاع امين عام فرع نقابة الاطباء بتعز، ومدير المستشفى الميداني، إن قصف الميليشيات لم يستثنِ المستشفيات، وخاصة هيئة مستشفى الثورة، ومختبر الصحة المركزي وهو المختبر المرجعي الوحيد في المدينة.

ويضيف الدكتور الشجاع في حديثه لـ"إيلاف" قائلاً: "قصف الميليشيات ايضًا امتد ليشمل المستشفى الجمهوري ومستشفى الامومة والطفولة ومركز الامل للأورام السرطانية، وأيضا قصف بعض المستشفيات الخاصة مثل الروضة،&حتى ان &بعض المستشفيات تحولت الى ثكنات عسكرية مثل مستشفى اليمن الدولي، مما اثر على هجرة نحو 85% من الكادر الطبي المتواجد قبل الحرب في المدينة".

عجز في الادوية&

واستعرض امين عام نقابة الاطباء بتعز الصعوبات والعوائق التي ادت الى عجز في كثير من المستلزمات الطبية، قائلاً: "هناك &عجز شديد في الادوية والمستلزمات الطبية، ورغم الانزال الجوي الذي قامت به قوات التحالف العربي وبالتنسيق مع مركز الملك سلمان، والذي قام بإنزال أدوية &ومستلزمات طبية هامة ومطلوبة، ولكن الذي اوصل الى الآن لا يغطي اكثر من 10% من احتياجات المستشفيات، كما أن هناك عجزاً شديداً بمستلزمات العظام، وهو الذي شكل عبئاً &كبيراً على الجريح والكادر الطبي، حيث ان كثيراً من الحالات الجراحية تحتاج الى مراحل متتالية في المعالجة، وهو ما يضطرنا الى عدم القيام بالعمليات الجراحية اللاحقة، كما أن هناك صعوبة الحصول على بعض الادوية والمستلزمات مثل ادوية التخدير وبعض المضادات الحيوية والقرب الخاصة بنقل الدم والمحاليل المخبرية&وأفلام ومستلزمات الاشعة".
&
معاناة الجرحى لا توصف&

وتطرق الشجاع الى معاناة جرحى تعز في الحصول على العلاج والعناية الطبية اللازمة، مشيرًا الى أن هناك جرحى مازالوا في العناية المركزة منذ ثلاثة اشهر، وهم بحاجة الى ادوية نوعية ومحاليل وريدية قد لا تتوفر احيانًا مع الارتفاع المضطرد في اسعارها قد تصل الى ثلاثة اضعاف سعرها السابق.

وأضاف قائلاً: "هناك &اجراءات &طبية متقدمة، ونقف امامهم عاجزين عن تقديم أي عون طبي، فهناك اكثر من 515 جريحاً بحاجة الى مراكز متخصصة خارج اليمن، ولم تقم&الحكومة الشرعية بواجبها ممثلة بوزارة الصحة بواجبها المهني والإنساني، وهناك اصابات جراحية شديدة&لا تحتمل التأخير، وينصح الجراحون بمعالجتها سريعاً خارج اليمن، وبعضها توفي وهو على سرير المعالجة في تعز، وبعضها توفي في عدن، والمشقة الكبرى هي نقل جريح تعز عبر طرق جبلية وعرة وبوسائل نقل بدائية قد تؤذي &الجريح اكثر من خدمته، كما أن معاناة الجرحى الذين يتم نقلهم الي عدن وعبر طرق وعرة جدًا، وقد يصل الى عدن ويجد الوضع الطبي أسوأ من تعز، بالإضافة الى المعاناة النفسية والمادية، حيث لا توجد جهة تكفل هذا الجريح".&

ويستطرد الشجاع في حديثه قائلاً: "ماذا عسانا نجد في مدينة اغلقت فيها أكثر من 37 منشأة صحية من مستشفى ومركز صحي وغيرهما، بينما ترتكب فيها مجازر يومية بحق ابنائها، فعدد الجرحى وصل الى اكثر من 13 الف جريح،&وأكثر من 2100 شهيد، وتنتشر فيها الامراض بشكل كبير كحمى الضنك، والسل الرئوي والفشل الكلوي &والسكر والضغط &والسرطان".

معاناة بكافة ألوان الطيف&

واختتم امين عام نقابة الاطباء حديثه لـ"إيلاف"، باستعراض عدد من صور المعاناة الاخرى في تعز، ومنها &انقطاع التيار الكهربائي&منذ اكثر من عام &بشكل تام، مما اثر على المستشفيات، وعلى الحياة العامة للسكان.

مشيراً الى ارتفاع اسعار المشتقات النفطية حتى وصل 20 لتر بـ60 دولاراً تقريبًا، ملفتًا الانظار الى &الحصار الشديد الذي ادى الى منع دخول سيارات نقل المياه سواء كانت الصالحة للشرب، أو المياه الخاصة بالاستخدامات الاخرى، وحاجة المستشفيات لها، وخاصة اقسام الغسيل الكلوي الذي يزداد الاحتياج اليومي لها.