بلغ الخلاف داخل حركة مجتمع السلم (حمس)، أكبر حزب إسلامي في الجزائر، بين الرئيس الحالي عبد الرزاق مقري والرئيس السابق أبو جرة سلطاني، مستويات متقدمة تتمثل في المنهج الذي تنتهجه حركة الزعيم المؤسس، محفوظ نحناح، القريبة من فكر الإخوان المسلمين، بعدما طرح أبو جرة مبادرة تدعو إلى تصحيح مسار تشكيلتهم السياسية.

إيلاف من الجزائر: عاد الخلاف بين الرئيس الحالي لـ (حمس) عبد الرزاق مقري والسابق أبو جرة سلطاني للعلن بعد إعلان الأخير إعداد مبادرة لإرجاع الحركة إلى "وضعها الطبيعي"، الذي أسسه الزعيم المؤسس الراحل الشيخ محفوظ نحناح، وعاشت الحركة انقسامات عدة منذ وفاة زعيمها نحناح في 2003، وخرجت من صفوفها أحزاب جبهة التغيير وتجمع أمل الجزائر وحركة البناء الوطني، لكن معظمها لم يستطع أن يكون في مستوى انتشار الحركة الأم.

خطوات عملية
وأوضح رئيس الحركة عبد الرزاق مقري على حسابه الشخصي على "فايسبوك"، أن ما يتكلم عنه أبو جرة &لا يحمل خطوات عملية.&

وقال: "قدم الأستاذ أبو جرة ورقة للمكتب التنفيذي الوطني منذ أشهر، وعرض وصفًا عن الأوضاع نتقاطع معه في كثير منها، ولكنه لم يقترح علينا أي شيء عملي فيها"، وأشار مقري إلى أنه لا يرفض أي مقترح يقدم اليه، وأضاف: "نحن منفتحون على أي مبادرة، ولكن المؤسسات هي التي تفصل فيها، سواء كانت من المعني أو من أي مناضل آخر".

وأضاف: "قد استقبلنا أبو جرة في المكتب التنفيذي الوطني حين قدم ورقته، كما تحدث مطولاً في مجلس الشورى الوطني، نحن حركة ديمقراطية وكل مناضل من حقه أن يقدم رأيه، ولكن المؤسسات هي التي تفصل وليس الأشخاص".&

ويرفض الرئيس الحالي لحركة مجتمع السلم اتهامات غريمه بشأن الحياد عن الطريق الذي رسمه الزعيم المؤسس، وحرص مقري على التأكيد أن فترة ترأسه للحركة تسير وفق "عمق منهج الشيخ" الراحل. أما أبو جرة فأوضح أن خطوته تندرج ضمن الحق المكفول لجميع مناضلي الحركة في إبداء مبادرات ومقترحات تصب في خانة حمايته من أن تخطئ الطريق.

وأكد أبو جرة سلطاني لـ"إيلاف"، أن "الحوار المسؤول المعروفة مصادره، وإبداء الرأي والرأي المخالف والمبادرة بتقويم المسارات السياسية، حقوق مكفولة لكل مناضل منذ زمن التأسيس لحركة حمس، وليس جديدًا على قياداتها ومناضليها تحريك المبادرات وطرح المقترحات بما يحفظ للحركة مكانتها السياسية وهيبتها"، وأضاف: "وهذا من صميم ما نقوم به كجزء من واجبنا النضالي لتدارس وضع الحركة وخطابها وتقديم المقترحات لمؤسساتها".

الحكومة
يكمن الخلاف بين الرجلين، برأي مراقبين، في نظرة كل طرف للمشاركة في الحكومة من عدمه، فأبو جرة ليس من المحببين للمعارضة الكبيرة التي ينتهجها مقري ضد النظام، ويرى أن من حق الحركة بالنظر إلى رصيدها النضالي أن تشارك في صنع القرار، لان التغيير في الوضع يكون أكثر فعالية من الداخل، خاصة وان "حمس" كانت ضمن الائتلاف الحكومي في عهد مؤسسها محفوظ نحناح.

وحول هذه النقطة، ذكر مقري "أن الخروج من الحكومة كان قبل المؤتمر الخامس على إثر تزوير الانتخابات التشريعية عام 2012، ثم جاء المؤتمر فأكد هذا التوجه، ثم جاءت كل دورات مجلس الشورى الوطني منذ المؤتمر إلى الآن فأكدت هذا التوجه".

أضاف: "بل قدم المكتب التنفيذي الوطني لمجلس الشورى الوطني&رؤيته السياسية، وحدد فيها علاقته بالمعارضة وتنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي وهيئة التشاور والمتابعة، وكذا عناصر الخطاب بالشكل الذي نقوم به الآن، وصادق عليها بالإجماع".

انسجام
ونفى عبد الرزاق مقري أن يكون أي تهلهل داخل الحزب الذي ينتظر أن يشارك العام المقبل في التشريعيات، وقال: "نحن لا نشعر بأي شيء غير عادي داخل الحركة، ولم يسبق أن كانت الحركة في هدوء وانسجام بين مؤسساتها كما هي الآن، والحركة تعرف هدوءًا كبيرًا بفضل الله، وتحقق تقدمًا ملحوظًا على أصعدة عدة، وفي هذا الإطار لا يزعجنا أن تكون داخل الحركة آراء أخرى، فنحن حركة ديمقراطية وحركة مؤسسات".

وأضاف: "لا توجد حاجة الى التهويل، نحن واثقون في أنفسنا، وماضون في عملنا، ولن يكون أي شيء يزعجنا بفضل الله، وقد صارت للحركة تجربة كبيرة، ولها كامل القدرة على التعامل مع التنوع في الرأي داخلها ضمن عمل مؤسسي محكم".

مقاربة جديدة
وعاد أبو جرة في بيان توضيحي بحوزة "إيلاف" إلى التذكير بأنه تقدم سابقاً بـ"مقاربة سياسية لاستدراك الوضع داخل أُطر الحركة"، وقال" كان لي فضل صياغتها بعد مشاورات واسعة وعرضها على المكتب التنفيذي الوطني بتاريخ 15 نوفمبر 2015، لتأمين مسار الحركة ودورها الوطني".

لكنه أوضح لـ"إيلاف" أن "المقاربة التي نحن عازمون على طرحها للنقاش مجددًا هي قراءة ثانية للمقاربة السابقة، نقدر أنه آن الأوان لإنضاجها وإحالتها على هياكل الحركة ومؤسساتها ومناضليها".&

وبحسب الرئيس السابق لحمس، فإن ما يسعى إلى تحقيقه "ينطلق من واجب مسؤولياتنا تجاه الحركة والوطن"، ودعا أبو جرة من سماهم بـ"كل مناضل غيور على وطنه" إلى أن يقرأوا "التحولات الجارية حولنا قراءة مسؤولة ليدرك أن السياسة ليست أبيض وأسود، والرأي المخالف ليس خيانة، فالتخوين عنف لفظي وتحريض على الكراهية وشحن ضد الاحتكام الديمقراطي للصندوق، وكل ذلك منافٍ لقواعد اللعبة الديمقراطية والدفاع عن الحريات"، ويتخوف مناضلون من داخل الحركة أن يؤثر هذا الخلاف العلني بين أكبر قطبين داخل "حمس" على حصادها من المقاعد في الانتخابات التشريعية.


&