إيلاف من برلين: يدخل الخشب، منذ الأزل في صناعة الاثاث وبناء البيوت وصناعة السلاح...إلخ، لكن العلماء السويدين من المعهد التقني الملكي في ستوكهولم يعدون الآن باستخدام الخشب على النوافذ بدلاً من الزجاج.

ويقول العلماء إنهم انتجوا الخشب الشفاف باستعمال طريق بيئية وباستخدام مواد طبيعية تعد أيضاً بخشب زجاجي وبيئي.&

ونجحوا في ذلك عن طريق تنحية مادة "لينين Lignin " التي تعتبر من أهم مكونات خلايا الخشب. ولكن ما تبقى من مادة الخشب التقليدية بعد ذلك هي بطانة خشبية بيضاء، عمل العلماء على تغليفها بطبقة من ببوليمر شفاف، وهو ما منح الخشب"الأبيض" طبيعته الشفافية.

وتعتبر مادة"لينين" الطبقة المسؤولة عن تماسك خلية الخشب، لكن العلماء استعاضوا منها بالمادة البوليمرية التي منحت الخشب الشفاف قوة"لينين" التي فقدت. وواقع الحال ان هذه المادة تمتص الضوء بقوة (وهي سبب عتمة الخشب) ووقفت منذ عقود بالضد من إمكانية تحويل الخشب إلى مادة شفافة.

وقال لارس بيرغولند، من معهد التقنية الملكي في ستوكهولم، ان الزجاج الذي انتج بهذه الطريقة ليس شفافاً تماماً، لكنه أقرب إلى الزجاج المضبب (المعتم) قليلاً. ويمكن الانتقال بالخشب الشفاف المضبب في الحال إلى مرحلة الإنتاج الكبير، لكن العلماء يودون تجربة بوليمرات أخرى تقلل شفافية الزجاج المضبب بالتدريج وصولاً إلى خشب شفاف 100%.

واضاف بيرغولند ان هذا لايقلل من أهمية الابتكار، لأن الخشب الشفاف يصلح تماماً للحلول محل السيليكون والزجاج في صناعة ألواح الخلايا الشمسية، وفي صناعة الزجاج الخاص. إذ يسمح الخشب الشفاف بمرور الضوء والشمس، لكنه يحجب أنظار الطفوليين من خارج البيت.

المهم أيضاً ان الخشب لم يفقد من قوته وهو يتحول إلى خشب شفاف بعد تخليصة من مادة"لينين". كما يمكن إنتاجه بأحجام مختلفة، وبسمك كبير، يتيح استخدامه في البناء محل الزجاج، وخصوصاً أن الخشب عازل جيد للحرارة. والطريقة واعدة، بحسب تقدير بيرغولند، لأنها قليلة الكلفة.

الأميركيون على خطى السويديين

بعد ايام من نشر التقرير حول الخشب الشفاف في مجلة" بيوماكروموليكيولز" السويدية، نشر العلماء الأميركيون من جامعة ميرلاند في مجلة" ادفانسد ماتيريال" عن نجاحهم في إنتاج الخشب الشفاف أيضاً.

واعتمد الاميركي ليناغ بينغ هو نفس طريقة بيرغولند لتخليص الخشب من مادة "لينين"، لكنه استخدم صمغ راتينج اصطناعي كغلاف للخشب بهدف منحه الشفافية والقوة اللازمتين. وكتب هو ان صمغ الراتينغ منح الخشب قواماً انبوبياً دقيقاً، فكان الضوء يتسلل عبر هذه الأقنية إلى الخارج، وهو سر شفافية خشبه.

ويعتقد هو، مثل زميله السويدي، ان الخشب الشفاف سيلج عالم صناعة ألواح الخلايا الضوئية بقوة، وأنه سيسود في عالم البناء وحيثما يتطلب الأمر الشفافية والقوة في آن واحد.

جدير بالذكر ان السويسري جاك إي. براندبيرغ هو أول من نجح في العام 1908 في إنتاج لوح خشبي شفاف من مادة سللوزية اصطناعية اسمها هيدرات السيللولوز(أو السيلوفان). إلا انه عجز عن إنتاج أكثر من طبقة شفافة من الخشب يقل سمكها عن سمك الورقة الاعتيادية. وفشل في منح الطبقة الخشبية الشفافة المتانة اللازمة، كما عجز عن إنتاجها بسمك آخر أو بحجوم مختلفة.

زجاج يعتم بلمسة زر

يعرف العلم الزجاج الذي يعتم بنفسه عند تعرضه للشمسي منذ أكثر من 20 سنة، وتستخدم طائرة بوينغ 787 مثل هذا الزجاج (يسمى زجاج اليكترو كروم) في نوافذها، كما يستخدم الرياضيون مثل هذه العدسات لحماية عيونهم من ضوء الشمس. لكن الاميركيين يتحدثون الآن عن زجاج يعتم بسرعة كبيرة قياساً بالنماذج المذكورة أعلاه التي تحتاج إلى عدة دقائق كي تفعل ذلك، والأهم ان الزجاج الذاتي العتمة يفعل ذلك بلمسة زر من الإنسان وليس بفعل أشعة الشمس. فالزجاج المعتم التقليدي يعمل بفعل الاشعة فوق البنفسجية في نور الشمس، ولايعمل بفعل الإنارة الاصطناعية.

الأدهى من ذلك أن الزجاج، الذي اخترعه معهد ماساتشوتيس التقني، لايحتاج سوى إلى كهربائية ضئيلة جداً كي يعتم. ثم يحتاج الإنسان إلى لمسة زر أخرى كيف يعيد إلى الزجاج "السحري" شفافيته. والهدف هنا من الزجاج الذاتي العتمة، الذي يلغي درجة الظلام الدامس، هو الاقتصاد بالطاقة، بحسب تصريحات المعهد الاميركي.

يعود بطء تلون الزجاج المعتم السائد في السوق بالاسود إلى بطء حركة الالكترونات والايونات فيه، وخصوصاً الايونات التي تعتبر مسؤولة عن تغير لون زجاج الاليكتروكروم. البروفيسورة ميرسيا دينكا وطالباها خالد الكعبي وكيسي ويد، من معهد ماساتشوسيس، نجحوا في تسريع هذه العملية كثيراً عن طريق اضافة مادة عضوية مسامية وملح معدني. وهذا لم يعجل حركة الايونات فحسب، وإنما بلغ بحالة التعتيم درجة لم يبلغها الزجاج المعتم من قبل، وهي مرحلة الظلام التام.