لندن: وجه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في كلمته امام الجمعية العامة للأمم المتحدة الاتهامات المعهودة لإسرائيل، من عقوبات جماعية وتهديم بيوت الفلسطينيين وإعدامات خارج اطار القانون وتطهير عرقي ونشاط استيطاني متواصل. ولكن عباس يبدو مشغولا بقضايا أخرى هذه الايام بسبب التحدي الجديد الذي يواجهه من اطراف غير متوقعة هي بلدان عربية التقت على مطالبته بإصلاح حركة فتح وانهاء الصراع مع حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة وتمهيد الطريق لظهور قيادة فلسطينية جديدة.&
ويعترف مستشارو عرفات انه اليوم قلق من "تدخل العرب" في الشؤون الفلسطينية أكثر من "العقوبات الجماعية" أو "النشاطات الاستيطانية" الاسرائيلية بل ان قلقه دفعه إلى مهاجمة تلك البلدان العربية التي اطلقت مبادرة "لاعادة ترتيب البيت الفلسطيني من الداخل" واحداث تغييرات في الساحة السياسية الفلسطينية، كما يلاحظ الصحافي الفلسطيني خالد ابو&طعمة.&
ويشير كثير من الفلسطينيين إلى البلدان العربية صاحبة المبادرة وهي السعودية ومصر والاردن والامارات على انها "الرباعي العربي".&
ورغم أن عباس في هجومه لم يذكر البلدان العربية الأربعة بالاسم فانه كان يعني "الرباعي العربي" حين تحدث عن "عواصم" ونفوذها واموالها. وينظر عباس إلى مطالب هذه البلدان بقيادة فلسطينية جديدة واصلاح احوال فتح على انها "تدخل غير مقبول في شؤون الفلسطينيين الداخلية".&
إنهاء النزاع بين فتح وحماس
وكانت تقارير في وسائل إعلام عربية مختلفة أفادت بأن الرباعي العربي اعد خطة لتفعيل الملف الفلسطيني بانهاء النزاع بين فتح بزعامة عباس وحماس. كما تدعو الخطة إلى إنهاء الانقسام داخل فتح بالسماح لبعض قادتها المطرودين مثل محمد دحلان بالعودة إلى صفوف الحركة.&
ويتمثل الهدف النهائي للخطة بتوحيد الضفة الغربية وقطاع غزة تحت قيادة سلطة واحدة وإنهاء الفوضى السياسية في الأراضي الفلسطينية. وشكل الرباعي العربي لجنة لمتابعة تنفيذ اتفاقيات المصالحة التي تتوصل اليها فتح وحماس، وعباس وخصومه داخل فتح. وفي حال عدم التوصل إلى اتفاق تتدخل الجامعة العربية لفرض المصالحة الفلسطينية الفلسطينية.&
ومبعث قلق عباس الرئيس ليس المصالحة مع حماس التي ابدى استعداده لتشكيل حكومة وحدة وطنية معها بل تردد مؤخرا ان المحادثات بين فتح وحماس تجددت في قطر لتحقيق "الوحدة" و"المصالحة". ولكن ما يقلق الرئيس الفلسطيني أكثر هو إجباره على المصالحة مع دحلان. ونقل الصحافي ابو طعمة عن مصدر قريب من عباس ان الرئيس الفلسطيني يفضل التصالح مع حماس على "تجرع كأس السم" والتصالح مع دحلان.&
حقد دفين
ويضمر عباس حقداً دفيناً على دحلان الذي كان قيادياً في فتح وثيق الارتباط بالرئيس الفلسطيني بل وتحالف معه ضد الزعيم الراحل ياسر عرفات حين كان دحلان قائد أمن غزة. ولكن شهر العسل انتهى بينهما قبل سنوات بعد ان شعر عباس ومستشاروه في رام الله بأن دحلان يطمح بالحلول محل عباس أو وراثته في رئاسة السلطة الفلسطينية.&
وطُرد دحلان من فتح بتهم القتل والفساد المالي والتآمر ضد عباس. ومنذ ذلك الحين يخوض دحلان من الامارات حيث يقيم الآن حملة ضد عباس (81 عاما) متهماً اياه ونجليه الثريين بادارة السلطة الفلسطينية وكأنها ضيعتهم.
وبلغ غضب عباس على دحلان حدا أوعز معه إلى السلطة الفلسطينية بمنع جليلة زوجة دحلان من دخول قطاع غزة حيث تدير وتمول عددا من المنظمات الخيرية وينظر عباس إلى نشاطاتها هذه على انها محاولة لبناء قواعد شعبية تدعم زوجها تمهيدا لعودته إلى الساحة السياسية. وتسهم الامارات بقسط كبير في تمويل الأعمال الانسانية في غزة.&
وعندما يقول عباس إنه لا يريد أموال عواصم عربية معينة فهو يشير بذلك إلى الإمارات والسعودية اللتين يتهمهما بدعم دحلان في اطار مخطط لعزله وتمهيد الطريق لظهور قيادة فلسطينية جديدة. وهذا تهديد خطير لسلطة عباس الذي لم يعين نائباً أو يختار خلفاً له في رئاسة السلطة الفلسطينية.&
مرحلة ما بعد عباس
وبحسب المحلل السياسي الفلسطيني مصطفى ابراهيم فان "خطة الرباعي العربي تهيئ لمرحلة ما بعد عباس الانتقالية ومفاوضات السلام بين بلدان عربية وإسرائيل.... وتهدف الخطة إلى إنهاء القضية الفلسطينية وايجاد بديل عن الرئيس عباس".&
ويعكس هذا التحليل موقف عباس وقادة السلطة الفلسطينية في رام الله الذين لا يطيقون أي حديث عن خلافة عباس في رئاسة السلطة الفلسطينية، كما يلاحظ الصحافي أبو طعمة. واللافت أن مبادرة الرباعي العربي أدت إلى انقسام القادة الفلسطينيين بين مرحب ورافض.&
ودعا حسن عصفور القيادي في فتح والوزير السابق في حكومة عباس رئيس السلطة الفلسطينية إلى إعادة النظر بقراره "غير العملي وغير العقلاني والمتسرع" في رفض مبادرة البلدان العربية الأربعة منتقدا عباس وقيادة فتح لوقوفهما ضد المبادرة.
وأشار عصفور إلى أنّ تهجمات عباس على هذه البلدان ضارة وغير مبررة. ورد مستشارو عباس زاعمين ان عصفور متحالف سياسياً مع دحلان وبالتالي لديه أجندة واضحة.&
&
ونوه كثير من الفلسطينيين برؤية سياسي فلسطيني مخضرم مثل احمد قريع الذي تولى رئاسة الحكومة الفلسطينية في السابق واحد مهندسي اتفاق اوسلو، يعبر عن تأييده خطة الرباعي العربي التي تريد رفد القيادة الفلسطينية بدم جديد. ويزعم مستشارون قريبون من عباس بأن قريع انضم إلى دحلان في محاولته تغيير قيادة البيت الفلسطيني في رام الله.
تغيير حقيقي
دحلان من جانبه اطلق مبادرة داعيًا إلى اجتماع "موسع" للفصائل الفلسطينية في القاهرة لبحث سبل اجراء تغيير حقيقي في الساحة السياسية الفلسطينية. وهكذا يكون دحلان خرج من الظل إلى التحرك العلني. وهو في ذلك يتمتع بدعم مالي وسياسي من اربعة بلدان عربية مهمة على الأقل تريد ايضا ان ترى نهاية لحقبة عباس. وهذه اول مرة يتحدى فيها مسؤول فلسطيني القيادة علناً بدعم من بلدان عربية.&
ومن المتوقع ان يحضر 600 مندوب على الأقل الاجتماع الذي دعا اليه دحلان في القاهرة. وتهدد قيادة السلطة الفلسطينية الآن بالرد على كل من يحضر الاجتماع بقطع راتبه. وليس من شأن هذا إلا تعميق الأزمة داخل حركة فتح ويؤدي إلى مزيد من الصراعات، كما يتوقع الصحافي خالد ابو طعمة.&
لا شك في أن هذه الأفكار كانت تدور في ذهن عباس حين القى كلمته في الجمعية العامة للأمم المتحدة، أي شكه بأن هناك "مؤامرة" عربية لعزله وتنصيب دحلان بدلا منه. وهذا هو كابوس عباس الحقيقي وليس السياسة الاسرائيلية. فهو يعرف أنه لولا وجود إسرائيل في الضفة الغربية لسقط نظامه بيد حماس أو حتى بيد خصومه في فتح.&
وتبين خطة الرباعي العربي ايضا ان بعض البلدان العربية سئمت من فشل عباس في قيادة شعبه إلى حياة أفضل. وضاقت هذه البلدان التي لم تبخل بدعم مالي وسياسي للفلسطينيين ذرعاً بمحاولات عباس تأمين بقائه في السلطة مدى الحياة على حساب مصالح شعبه. ولن يمضي وقت طويل قبل ان نرى ما إذا كانت هذه البلدان ستنجح في تخليص الفلسطينيين من قادة لم يفعلوا سوى قيادتهم إلى الخراب، على حد تعبير الصحافي ابو طعمة.&
أعدت إيلاف التقرير نقلا عن موقع معهد غايتستون على الرابط أدناه:
https://www.gatestoneinstitute.org/9023/abbas-arab-states
&
التعليقات