إن لم تر بعينيك، فسيصعب عليك تصور مقدار العمل الذي ينبغي على فتاة من ولاية راجاستان، شمال غرب الهند، القيام به قبل أن تذهب إلى المدرسة.

فالأولوية بالنسبة لبعض الفتيات تعطى لأداء الأعمال المنزلية، في حين أن الذهاب للمدرسة يأتي في آخر قائمة الأولويات.

ولكن إحدى المنظمات في الهند تدفع اليوم بشدة لتشجيع نحو ثلاثة ملايين فتاة لتتعرفن كيف يمكن للدراسة أن تغير حياتهن إلى الأبد.

يبدأ يوم باغوانتي لاسي رام المعتاد في وقت مبكر مع تحضير خبز الروتي؛ فتقلب الخبز بحذر كي لا تحرق أصابعها على اللوح الساخن، ثم تقوم بتغذية الدجاج، وغسل أوعية الطبخ.

ويذكرها والدها طوال الوقت بواجبها المنزلي التالي: "عليك أخذ الماعز إلى المرعى".

وأخيرا، تتمكن باغوانتي من أن تمشط شعرها، وأن تطوى وشاحها على رقبتها مثل بقية التلميذات وتحمل حقيبتها على ظهرها طوال رحلة المدرسة التي تصل مسافتها إلى 4 كم (2.4 ميل).

وتقول: "العديد من الفتيات في قريتنا لا يذهبن إلى المدرسة لأنها بعيدة جدا".

وتضيف: "لو كان لدينا في القرية مدرسة تدرس الأطفال حتى سن الخامسة عشرة، فستدرس فتيات أكثر. الفتيات يخشين الذهاب إلى المدرسة إذ لابد من عبور الطريق السريع الذي يمر فيه العديد من السائقين السكارى".

ويعد سماح والد باغوانتي لابنته بالذهاب إلى المدرسة أمرا متقدما جدا مقارنة بباقي الأهالي في القرية.

غياب الفتيات عن المدارس

تدير جمعية "تعليم الفتيات" فرقا من المتطوعين التي تذهب من قرية لأخرى، قارعة الأبواب للعثور على كل فتاة لا تذهب إلى المدرسة.

ويتحدث المتطوعون مع الأهل حول أهمية إرسال الفتيات إلى المدرسة، ويتعاونون مع المجتمع المحلي لتسجيلهن. كما يعمل المتطوعون مع المدارس للتأكد من وجود مراحيض، ومن توفير دروس لتعليم الإنجليزية، والرياضيات واللغة الهندية للفتيات.

وقد ساعدت الجمعية حتى الآن ملايين الأطفال، وسجلت 150 ألف فتاة في المدارس.

أخذتنا مينا بهاتي من جمعية "تعليم الفتيات" إلى أحد المنازل حيث تزوجت أربع من فتيات الأسرة في سن مبكرة، في حين تم إخراج الأخت الخامسة من المدرسة بعد أن تزوجت في سن الرابعة عشرة.

مينا
BBC
تذهب المتطوعة "مينا" من منزل لآخر لإقناع الأهالي بإرسال الفتيات للمدرسة

تقول مينا: "يشعر الآباء هنا بعدم جدوى تعليم الفتيات"، مضيفة: "دور الفتيات هنا يتمحور حول القيام بالأعمال المنزلية، ورعاية الماشية والاعتناء بالأطفال الأصغر سنا، في حين يذهب الآباء للعمل كمزارعين أو عمال. يعد تعليم الفتيات إضاعة للوقت".

بدورها، تقول سافينا حسين، التي أنشأت جمعية "تعليم الفتيات"، إنها "تمكنت من فعل ما تشاء في هذه الحياة بفضل تعليمها".

ويقدر عدد الفتيات غير الملتحقات بالمدرسة في الهند واللواتي تتراوح أعمارهن بين 10 و 14 سنة بنحو ثلاث ملايين فتاة.

صغيرات وعرائس

ويعد الزواج المبكر أحد القضايا الرئيسية التي تعوق الفتيات من الحصول على التعليم.

تقول سافينا حسين: "إن نحو 50-60٪ من الفتيات في راجستان قد تزوجن قبل سن 18. الكثير من الأطفال - حوالي 10-15٪ - قد تزوجوا دون سن العاشرة".

ووفقا لمنظمة اليونيسف، فإن لدى الهند طفلات تزوجن باكرا أكثر من أي بلد آخر، وتزوج ما يقرب من نصف النساء الهنديات قبل أن يبلغن السن القانوني وهو 18 سنة.

و نيلام فيشناف هي واحدة من أعضاء فريق تعليم الفتيات ولديها اطلاع مباشر على الضغوط العديدة التي تعيشها الفتيات، فهي نفسها تزوجت في عمر 14 من شقيق زوجة أخيها.

نيلام
BBC
منعت نيلام من قبل عائلة زوجها من التعليم وهي في عمر 14، لكنها اليوم من ناشطة في هذا المجال

ووفقا للتقاليد، انتقلت نيلام مع عائلة زوجها، ولكن بعد الاتفاق أنها ستكون قادرة على الاستمرار في الذهاب إلى المدرسة. وعندما أخلفت عائلة زوجها بوعدهم قررت نيلام أن الوقت قد حان لإنهاء زواجها.

وتقول: "واجهت الكثير من المشاكل عندما قررت الحصول على الطلاق، طاردني كل من كان في القرية ونعتوني بمختلف الألقاب، ولا يزالون يقومون بذلك حتى اليوم".

"أهم ثرواتنا"

تتطلع باغوانتي نحو مستقبلها: "أريد أن أصبح معلمة بعد إنهاء دراستي، أريد تعليم الفتيات لأنه عندما تكونين متعلمة فإنك تمتلكين الشجاعة".

وتقول: "إن أصبح في مقدوري الوقوف على قدمي وإيجاد وظيفة، سأكون قادرة على دعم عائلتي ماليا".

تؤمن سافينا أن تعليم الفتيات من شأنه أن يحل العديد من المشاكل الأكثر إلحاحا في الهند نظرا لأن المرأة تلعب دورا حاسما في صحة الأسرة.

ووفقا لمنظمة اليونسكو، فإن كل سنة تعليم إضافية تمكن الأم من خفض نسبة وفيات الرضع بنسبة 5 إلى 10٪، كما تزيد من ما تجنيه بنسبة 20٪.

وتقول سافينا: "إن أي مؤشر إنمائي يمكن تحسينه من خلال تعليم البنات، لذا فالفتيات في الواقع هن أهم ثروة لنا".