كشف وزير الصناعة العراقي السابق المنتمي إلى التيار الصدري محمد صاحب الدراجي الكثير من تفاصيل عمله في الوزارة والضغوطات التي تعرّض لها مما أسماه (مربع الشر) الذي تشترك فيه دول إقليمية، موضحًا أن العراق الآن تحكمه مجموعة سلطات ليست فيه مقومات الدولة، مؤكدًا أن مشروع بايدن في تقسيم العراق هو ما يعمل عليه الأميركيون حاليًا.
إيلاف من بغداد: قال الوزير السابق في حوار مع (إيلاف) إنه لا يوجد شيء اسمه إسلام سياسي، بل توجد احزاب سياسية تتخذ غطاء اسلاميا، مشيرا الى ان هناك دولة خفية موازية لمؤسسات البلد تعمل على تقويض التجربة الديمقراطية في العراق.. وفي ما يلي نص الحوار"
* هل تجد في اقالتك من وزارة الصناعة ضررًا للوزارة ام فائدة للحكومة؟
- انا لم أقل، انا قدمت استقالتي بناء على موقف سياسي من الجهة التي انتمي اليها التي كانت موجودة في الحكومة، ونحن ثلاثة وزراء استقلنا، واساس الاستقالة لفتح المجال لرئيس الوزراء لتعيين وزراء غير منتمين الى احزاب سياسية، ولذلك كل التغييرات التي حدثت سواء بالاقالة او الاستقالة التعويض لها كان بوزراء من الجهات نفسها او مدعومين منها. اما وضع الوزارة اذا ما اصابها ضرر ام لا، فهذا يسأل عنه المتخصصون المنتسبون الى الوزارة، وهو افضل اذا ما اتى من غيري لان شهادتي ستكون مجروحة بالتأكيد، فالوزارة الى حد الآن بلا وزير، والوزير الموجود بالوكالة، ولو ان الامور بالنتيجة تمشي.
* ولكنك كنت متحمسًا لعمل شيء للوزارة؟
- لنقل ان الصناعة في العراق، لانها ليست وزارة الصناعة، كانت تدرّ 14% من موازنة العراق ومن الكفر الان ان 99.5 من صادراتنا هي للنفط، فالناتج الاجمالي للبلد لا تضيف إليه الصناعة اي شيء، وانما تأخذ من موازنة الدولة لدفع الرواتب، وهي كارثة اقتصادية، لذلك عندي قناعة انه يمكن ان تنهض الصناعة في العراق، فهي ليس كما يشاع عنها انها غير موجودة، بل موجودة وهناك معامل وقوى عاملة بشرية قادرة على النهوض بلا صناعة، ولكن تنقصها الارادة والقرار.
* في وزارة الإعمار والاسكان حققت انجازات على عكس وزارة الصناعة، لماذا؟
- اولًا انا وزير للصناعة لمدة ستة اشهر، ولكنني ارى العكس اذا ما قست انجازات الستة اشهر مع انجازات ثلاث سنوات ونصف سنة، ارى ان انجازات الصناعة توضحت اكثر، فهناك الكثير من المعامل اشتغل، وهناك قرارات استراتيجية اتخذت للبلد مثل التعرفة الجمركية ومنع استيراد الأسمنت ورواتب وزارة الصناعة دفعت، عودة معمل جلود بجودته وعودة معمل ابو غريب للالبان والكثير من المعامل، ولكن لم يكن لديّ وقت.
* اي الوزارتين وجدت فيها الفساد مستشريًا اكثر ؟
- مستوى الفساد موجود في كل البلدان، ولكن في العراق اكثر لاسباب، اولها ان مساحة الحرية بالرأي والكلام اكثر من البلدان الاخرى، يعني هناك بلدان ما تحت الارض وما فوقها يملكه شخص واحد او عائلة واحدة، في العراق التناحر السياسي هو سبب الكلام الكثير عن الفساد، وكذلك انعدام سيادة القانون وانعدام روح المواطنة أوصل البلد الى هذه المرحلة من الفساد. اما عن الوزارتين فالفساد مستشر في كل مفاصل الدولة العراقية، ولكن بطرق مختلفة، مثلا: في وزارة الاعمار والاسكان كان الفساد على مستوى المهندسين في الموقع الذين يتفقون مع المقاولين. اما في وزارة الصناعة، ففيها الامر مضحك، لان الفساد فيها ليس في موضوع (الكوميشن)، بل في عدم الانتاج، بمعنى اخر: انت لا تنتج، وهناك جهات تعطيك فلوسًا لمجرد ان توقف المعامل.
* هل وجدت ان اصلاحات العبادي كانت حقيقة ام مجرد شعارات؟
- رئيس الوزراء نادى باصلاحات ليس معناها تغيير وزراء، الاصلاح الحقيقي يكمن في تغيير النظام وتثبيت نظام مؤسسات الدولة، نحن الآن ليس عندنا دولة، بل عندنا سلطات، لذلك الاصلاح، يجب ان يبدأ باصلاح النظام السياسي.&
&
* خلال المدة الماضية نالت منك شائعات وتهديدات.. ممن؟
دول وتجار ووزراء.. وهؤلاء هم مصدر الشائعات، مثلا عن ايقاف استيراد الأسمنت هناك تاجر واحد يدخل الى العراق 60 شاحنة أسمنت باليوم من دولة مجاورة للعراق، فهذا عندما يتوقف استيراد الأسمنت كيف تتصور حاله، كذلك الاسمدة، نستورد كل سنة 400 الف طن، والطن الواحد بسعر 700 دولار.&
وعندما جاء قرار ان البنك المركزي يقرض عن طريق المصارف، ولكن لمدة سنتين، نسمع فقط والاموال (نائمة) في المصارف، هذه القروض كان من الممكن ان تحرك السوق، وتشغل العاطلين عن العمل، ولكن الغريب ان هذه الستة مليارات لم تصرف الى حد الان، وهذا سؤال نسأله انا وانت والكل يسأله: من المعوق، وما الكيان الخفي الذي يعوق الدولة.
هذا الكيان مرتبط باجندات داخلية وخارجية، والاثنتان تتعلقان بشقين، احدهما سياسي، والاخر اقتصادي، نحن صرنا بلدا مستهلكا مثل واد تتجمع فيه زبالة الجبال التي حوله، فكل ما لديهم من منتج سيئ يصدرونه للعراق، وهو يبيع النفط، ويعطي امواله للبلدان الخارجية، نحن نشجع الصناعة والزراعة في البلدان الخارجية، وليس في بلدنا.
* هل تعني ان العراق حاليًا ليس دولة؟
- العراق تحكمه مجموعة سلطات ليست فيه مقومات الدولة.
*تبنيتم مشروع الانتاج الحربي وروّجتم له اعلاميًا.. ماذا حصل؟
- هذا الذي ادخلني المستشفى، وليس الاعتداء، الصناعة الحربية في العراق واقع موجود، ولكن هناك الكثيرين لا يريدونه، فالعراق الان قادر على انتاج الاعتدة المتوسطة. اما الخفيفة والثقيلة فتحتاج شغلًا، فالبنية التحتية موجودة، ولكن لا توجد بعض المكائن التي من الممكن بمبالغ بسيطة ان نجلبها او من خلال الشراكات مع بعض الشركات، وننتج، وستوفر لنا مليار دولار سنويا، فما نحتاجه لا يتجاوز الـ 130 مليون دولار، وهذه جدوى اقتصادية جيدة جدا، ولم تكن ترويجًا اعلاميًا فقط، بل موجودة، وصنعنا قنابر هاون وصواريخ 107، وسواعد ابناء التصنيع الحربي قادرة على الانتاج، ولكن تحتاج قرارًا جريئًا شجاعًا ومقاومة كل من لا يريد هذه الصناعة، ومنهم وزراء اعترضوا على الموضوع، وحاولوا ان يسفهوه من خلال بث الشائعات، وجوابي كان واضحا، وما زلت مصرًا عليه في المسؤولية وخارجها: نعم العراق قادر من خلال وزارة الصناعة والصناعات الحربية على انتاج اعتدة، وليس اسلحة.
* ما حكاية (مربع الشر) الذي تتحدث عنه عادة، وهل تعرضت الى ضغوطات منه؟
- مربع الشر هو: الدول التي تصدر للعراق والتجار ومجموعة من السياسيين الذين دخلوا في عمليات فساد ممنهج وبعض اجهزة الاعلام !!، فهؤلاء اذا ما اشتغلوا ضد اي شخص سيعرّضونه الى ضغوط مهولة، مثل الذين يهاجمونه عبر صفحات فايسبوك ويخرجون له لقاءين بالتلفزيون لتسقيطه، والناس يسمعون، ومنها الشائعات التي تكلمنا عنها، لانني تجاوزت خطوطهم الحمر في وزارة الصناعة، هناك جهات سياسية كاملة لديها جهات اقتصادية تشتغل لهم.
* هل كانت الضغوطات مباشرة ؟
- بالتأكيد، ولكنني حاربتهم وبالنتيجة (ان الله يدافع عن الذين امنوا)، هذه آية قرآنية انا مؤمن بها جدا، المهم انني اعمل الصح، &واتعرض للشائعات وللطعن من جميع الاتجاهات، ولكن اكبر طعنة هي التي تأتيك من الظهر، من الذين منك ولك.
* هل تعتقد ان الحكومة جادة في النهوض بالواقع الصناعي؟
- لا لا، انها تحاول، ولكن مربع الشر اقوى من اذرعها، هناك نية، ولكن هناك اصوات منفردة، يعني كيف للحكومة ان تشجع الصناعة والوقود غير متوافر، وكيف للصناعي ان ينتج ولا توجد حماية لمنتجه، هناك دول تدعم صادراتها للعراق، كي يكون منتجهم ارخص، ربما تسأل لماذا؟ اقول لانهم يسحبون عملتنا الصعبة، دولارنا رخيص ليس 117 دولارا، انما هذا السعر مدعوم من لحمنا ودمنا، لان السعر الحقيقي يتجاوز الـ 1300 دينار، لذلك هم يستفيدون من سحب العملة الصعبة الرخيصة نسبيًا من العراق.
هذه هي الحال والحكومة تنقصها حالة التكامل، لان كل وزارة لدينا (دولة وعلم) هذا هو الصدق، بمعنى (كل حزب بما لديهم فرحون).
* ما اكبر المعوقات التي اصطدمت بها في الوزارتين ؟
- اكبر معوق هو الكيان الخفي الذي يشتغل من تحت الطاولة ضد الحكومة وضد الدولة وضد الوضع السياسي في العراق، وايضا مسألة الفساد المستشري على جميع المستويات.
*كيف ترى حال العملية السياسية بعد شعار التسوية الوطنية والتاريخية ؟
- العملية السياسية في البلد لن تتغير لسبب بسيط، وهو ان الدستور لن يتغير، وبالتالي النظام السياسي لن يتغير، وهو نظام سياسي وانتخابي مقتبس من بريطانيا واسرائيل، والاثنتان لهما خصوصيتهما، لذلك الحل للنظام السياسي لا تسوية ولا مصالحة، بل في نظام يضمن حياة سياسية بعيدا عن الطائفية والقومية والاثنية. اما الدستور فمن المستحيل ان يتغير لان ناخبي ثلثي ثلاث محافظات اذا اعترضوا لن يتغير الدستور وهذا معناه لن يتغير الدستور .
&*ما رؤيتك للعراق بعد داعش؟
- ليست رؤية وانما لديّ تحليل اننا ماضون باتجاه الفيدراليات او الاقاليم التي هي بداية التقسيم، مشروع جو بايدن يتم الاعلان عنه بقوة لما بعد داعش وسيضغطون على العراق اقتصاديا، لا ينهونه تماما، ولكن لا يجعلونه ينهض، ويتركون الناس تعيش في المعاناة، يتركون للناس الانفاس الاخيرة فقط، ولا يقضون على الوضع الاقتصادي حتى تبحث الناس عن حلول.
عندما جاء الاميركيون عام 2003 بحجة كاذبة احتلوا العراق، واسقطوا صدام وحكم البعث، ولكن على مجتمع شبه منهار اقتصاديا، وعندما ينهار المجتمع تتغير المنظومة الاخلاقية فيه، فجاؤوا بجدول تقسيم العراق، لكنهم وجدوا ان الارضية غير موجودة للتداخل الجغرافي والاجتماعي، فصار عندهم حلان، اما ان يغيروا خططهم او ان يخلقوا هذه الارضية، وهم للاسف خلقوا ارضية تقسيم العراق، فلماذا لم تحدث الحرب الطائفية عام 2004 ولماذا حدثت عام 2006، هناك كتاب لايما سكاي، كانت تعمل مع سلطة الائتلاف مع بريمر، تقول: عام 2004 جاء مساعد وزير الدفاع الاميركي آنذاك، وسألها سؤالا: من خلال عملك في العراق لمدة سنة هل تعتقدين ان حربا اهلية تحدث في العراق خلال خمس سنوات؟ والكتاب موثق، معناها انهم قرروا خلق حالة من الانقسام الطائفي المجتمعي حتى على ضوئه بعد عشر سنوات يتقبل الشعب العراقي التقسيم.&
*بعد 13 سنة من فشل الاسلام السياسي كيف تنظر الى مستقبله؟
- الفشل عام، هناك قول لاحد المراجع قيل له هذا معمم، ويسرق، فقال لهم لا هذا سارق لبس عمامة، مثلا القادة الكرد ليسوا اسلاميين فهل نجحوا؟، انها احزاب سياسية تتخذ من الاسلام غطاء لنشاطاتها، وهذا ليس اسلاما سياسيا، ولنقل سياسة احزاب اسلامية.
*ماذا في كتابك الذي سيصدر قريبا (الدولة الخفية والدولة العميقة) ؟
- اريد ان اثبت بالادلة ان هناك دولة خفية موازية لمؤسسات البلد تعمل على تقويض التجربة الديمقراطية في العراق، لانها لا تخدم الكثير من البلدان، والكثير من الذين خسروا امتيازاتهم في النظام السابق، لان النظام الديمقراطي يشكل دولة ناجحة فعملوا على خرق مؤسسات العراق من خلال منظومة متكاملة في منظومة دولة، ولكنها خفية موازية للمؤسسات العامة عملها توقف اي مشروع، وكل مبادرة، وتعمل على ان تجربة العراق بعد &13 سنة فشلت، هؤلاء كانوا السبب الرئيس اكثر من الاسلام السياسي واكثر من السياسيين، وهناك بعض السياسيين من حيث يدرون او لايدرون اندمجوا مع الكيان الموازي او الدولة الخفية، وهؤلاء ان كانوا لا يعلمون فليغفر الله لهم، وان كانوا يعلمون، فيجب ان يحاسبهم التاريخ والشعب.
&
&
التعليقات