«إيلاف» من بغداد: اصبحت تجارة المخدرات رائجة في العراق بشكل ليس له مثيل وخطرا كبيرا يتهدد المجتمع العراقي، فهي الان تزرع وتستورد وتهرّب وتتعاطى وصارت اعداد التجار والمتعاطين في تزايد مضطرد حتى اصبح الحديث عنها امرا عاديا والحصول عليها سهلا جدا، فيما يرى الكثيرون ان مشكلة انتشار المخدرات هي التالية بعد داعش .

وفي الوقت الذي تتزايد فيه الاصوات من التحذير من خطورة المخدرات في المجتمع العراقي سواء في اقليم كردستان او مناطق جنوب العراق، هناك تزايد في اعداد المتعاطين من الشباب حتى صار الملفت للانتباه ان المصادر الامنية تكشف بين يوم وآخر عن اعتقال تجار مخدرات وضبط كميات كبيرة من الحبوب المخدرة او ما يسمى بـ (الكرستال) الذي يعد اخطر مخدر في العالم، فضلا عن زراعة نبات الخشخاش الذي يستخرج منه الافيون الذي يجرى تحويله إلى هيرويين، وسواهما من المخدرات .

فصائل مسلحة ومتنفذون

وعلى الرغم من ان البعض يعزو ذلك الى اسباب كثيرة الا ان الكارثة التي يستشعرها الكثيرون هي ان هذه المخدرات تقوم على تهريبها وزراعتها وبيعها والمتاجرة بها مافيات عديدة تتمثل في فصائل مسلحة ومتنفذين عشائريين وهذا ما يجعل القضاء عليها من أصعب المهام كما تؤكد المصادر الامنية، خاصة ان هذه المصادر الامنية كشفت عن وجود اعداد كبيرة من تجار المخدرات في جنوب العراق وحده، مقرّة بصعوبة السيطرة على المشكلة التي تعود على ممتهنيها بأرباح بملايين الدولارات سنوياً.

والغريب ان هذه المصادر تؤكد إن (رأس الهرم في تجارة المخدرات في عموم العراق هو في مدينة السماوة التي تقل مساحتها عن الف كيلومتر مربع ولكنها تضم أكثر من 500 تاجر مخدرات يقومون بتوزيع بضاعتهم ما بين الاستهلاك المحلي والتصدير لدول الجوار) .

600 تاجر مخدرات في محافظة صغيرة

ويؤكد القاضي والنائب السابق وائل عبداللطيف ان في محافظة السماوة فقط وهي أصغر محافظات العراق اكثر من 600 تاجر مخدرات، وهؤلاء يديرون معظم تجارة الحبوب المخدرة ومادة الحشيشة التي يتم تهريبها بشكل منتظم من افغانستان عبر ايران،وعزا القاضي السبب في ذلك الى (الحدود السائبة مع ايران).

اما محافظ البصرة ماجد النصراوي فقد كشف عن وجود عددٍ كبير من تجار المخدرات الذين يصنعون ويبيعون المخدرات في المحافظة ، وقال ان الجهاتِ الامنية ،(حتى وقت قريب من العام الحالي)، القت القبض على 400 تاجر، فيما اشار الى ان البصرة بعد ان كانت ممرا للمواد المخدرة اصبحت منتجة لها!!، فيما أكد العقيد علي محسن المحمداوي (مدير مديرية مكافحة الاجرام في البصرة ) ان عناصر مديريته القوا القبض على صانع مخدرات ( الكرستال) في البصرة يلقب بالشبح (ايراني الجنسية) وتبلغ ارباحه 800 مليون دينار يوميا أي اكثر من 650 الف دولار !!.

مخدرات مقبوضة مع عصابة تتاجر بها في البصرة

&

قلق لتزايد انشطة عصابات تهريب المخدرات

&الى ذلك أعربت الهيئة الوطنية لمكافحة المخدرات في العراق،اكثر من مرة، عن "قلقها البالغ" من تزايد أنشطة عصابات تهريب المخدرات داخل البلاد، محذرةً من أن آفة المخدرات والمواد ذات التأثير النفسي أصبحت عاملاً آخر يُضاف إلى طرق الموت العديدة، التي تستهدف شريحة الشباب العراقي كل يوم، وتنذر بتخلي البلد عن موقعه ضمن قائمة الدول الفتية، ودماراً آخر يزيد من أعباء الحكومة الجديدة وفقاً للهيئة.

وأكدت تقارير حديثة لمكتب مكافحة المخدرات التابع للأمم المتحدة، وجود ممرين رئيسيين لدخول المخدرات نحو العراق، الذي تحوَّل إلى مخزن تصدير تستخدمه مافيات المخدرات، مستفيدة من ثغرات واسعة في حدود مفتوحة وغير محروسة مع إيران.

متنفذون يروجون المخدرات في العاصمة

&& &في بغداد ، ليس من الصعب العثور على المخدرات اذا ما تمشى الباحث عنها ،مثلا ،في منطقة البتاويين ،وسط بغداد،فيمكن اكتشاف ذلك على الرغم من السرية التي تغلف انشطة بائعيها خاصة انهم يشكلون عصابات تمتلك علاقات وثيقة تعرف من خلالها مواعيد حملات المداهمة التي قد تقوم بها الاجهزة الامنية المختصة .

&ومن ذلك منطقة (الباب الشرقي) وسط العاصمة التي ينتشر فيها بيع الحبوب المخدرة خاصة،وتتضح تلك الصور من خلال الشباب الذين يجدون في الحدائق والشوارع الخلفية امكنة خاصة بهم كما ان العديد من المقاهي والكافتريات خاصة في منطقة الكرادة اصبحت مصدر بيع المخدرات لا سيما في (الاراكيل) التي يتعاطاها الشباب كأحد مظاهر قضاء الوقت والانتشاء.

&والكثير من هذه الكافتريات لها اصحابها المتنفذون الذين لا يقدر احد الاشارة اليهم بانهم تجار هذ& البضاعة ، بل ان العديد من المناطق الشعبية انتقلت اليها المخدرات لا سيما الحبوب منها وصار تعاطيها امرا سهلا .

لجنة أمن بغداد : شخصيات ميليشياوية وراء استفحال المخدرات

ومن جانبه اكد نائب رئيس اللجنة الامنية في محافظة بغداد محمد الربيعي ان استفحال المخدرات وراءه شخصيات ميليشاوية ، وقال لـ "إيلاف" :لم تذكر نسبا عالمية عن العراق في بيع الحشيشة والمخدرات الى سنة 2003 لانها كانت قليلة جدا، لان القوانين السارية على المخدرات والحشيشة تحكم بالاعدام لمن يتعاطى ولمن يتاجر وأقل حكم هو السجن لمدة سبع سنوات .

لكن القوانين بعد 2003 لم تتغير لكن العراق اصبح منطقة لدخول المخدرات وعبورها، اي ان العراق اصبح معبرا من الجنوب الغربي للعراق الى خارج العراق، وبعد عام 2006 صار العراق في الجنوب تحديدا يتعاطى هذه المخدرات بكل انواعها لعدم وجود خمور ووسائل ترفيهية ولعدم وجود قانون ولا رادع ،ودخلتها اموال بعض العشائر والمتنفذين والبعض من الميليشيات ، اما بعد عام 2010 ، ودخول العراق في دوامة المحاصصة والفساد واصبح الصراع السياسي سيد اسياد العراق ازدادت النسبة ووصلت الى بغداد واصبح العراق الدولة رقم واحد التي تتعاطى وتتاجر وتزرع المخدرات في بعض مناطق البلاد .

المخدرات مصدر تمويل لأحزاب وميليشيات

واشار الى انه في عام 2017 بعد انشغال الدولة بداعش والارهاب اصبحت المخدرات مصدر تمويل لكثير من الشخصيات على مستوى المؤسسة التي تدعي الحزبية وتدعي الفصائل المسلحة المعينة، فهي تستوردها وتبيعها وتزرعها في العراق لان فيها اموالًا كثيرة ،اليوم المخدرات بانواعها كالكريستال والحشيشة والهيرويين وان كانت نسبته قليلة استفحلت وتقف وراءها شخصيات ميليشاوية .

واضاف: في بغداد بدأ تعاطي المخدرات في بعض الكازينوهات وفي الاركيلة ويباع كحبوب ويهرب كحبوب ،وتجارتها رائجة في منطقة البتاويين وهي واضحة للعيان ودخلت الكرادة في منطقة كمب سارة وفي عدد من الاماكن الاخرى ، وانا شخصيا اوصلت هذه المعلومات بتقرير مفصل الى اغلب القادة السياسيين بمن فيهم رئيس الوزراء بشكل شفوي وبشكل رسالة نصية ، وحدثت ان قامت الجهات الامنية بعدة حملات ولكن ليست رادعة وغير قوية .

محافظة المثنى اولًا

وتؤكد المصادر الامنية ان محافظة المثنى جنوب بغداد هي الاولى بين المحافظات العراقية بتجارة المخدرات ، موضحة انها تلقي القبض يوميا على متاجرين بالمواد المخدرة في مدينة السماوة (مركز المحافظة) والمناطق المجاورة لها .

وتشدد على أن أطنانا من الحبوب المخدرة ومادة الحشيشة يتم إدخالها بصورة غير شرعية من إيران إلى مدينة السماوة، وان الجزء القليل من هذه المواد يستخدم لتوزيعه على المحافظات والاستهلاك المحلي، بينما يتم العمل على تهريب الجزء الأكبر إلى دول الخليج، وخصوصاً السعودية عبر منفذ عرعر الحدودي، وتشدد على ان اصعب ما تعانيه الاجهزة الامنية في محاولاتها لالقاء القبض على هؤلاء التجار يتمثل في كون التجار الكبار يتمتعون بصلات عشائرية وعلاقات مع متنفذين يحولون دون التعرض لهم .

وقال الناشط المدني سرحان ابو ليلى : من المؤسف ان تصبح تجارة المخدرات &مصدر رزق للكثيرين على الرغم من انهم يعرفون ان ارباحها حرام والمتاجرة فيها جريمة يعاقب عليها القانون خاصة ان مجتمع المحافظة ملتزم دينيا ، ولكن الظروف المحيطة مثل البطالة والفراغ بالنسبة للشباب هما السبب وهذا ما ادى الى ان يتعاطاها الكثير من شباب المحافظة .

واضاف: ليست المتاجرة جديدة على المحافظة فهي من بعد عام 1991 اصبحت ممرا لتهريب المخدرات من ايران وافغانستان الى السعودية والكويت ، ولكن الجديد هو تعاطيها الذي اصبح ملفتا وهو ما جعل عددا من منظمات المجتمع المدني وبعض رجال الدين في المحافظة يحذرون منها ويطلقون حملات لمكافحتها ومنها حملة تحمل عنوان (معا لشباب ضد المخدرات) ، ولكن الظاهر ان الوضع لا يبشر بخير وان الشباب لا يدركون خطورة هذه السموم .

محافظة ميسان.. ثانيا

اما محافظة ميسان الجنوبية فتحتل المرتبة الثانية في تعاطي المخدرات والاتجار بها ، وقد اكد هذا نائب رئيس مجلس محافظة ميسان جواد الساعدي بقوله : للأسف الشديد في الفترة الأخيرة بدأت تنتشر ظاهرة المخدرات عندنا وبالتصنيفات تُعد ميسان المحافظة الثانية بتعاطي وتداول المخدرات، وسُجل عندنا أن القضية تقف وراءها مخابرات عالمية لان سعر مادة المخدرات وخصوصا الكريستال في ميسان هو أرخص من مصدرها في أفغانستان .

وايّد عمران علي شافي ،من اهالي مدينة العمارة ،ذلك بالقول : كثرت في الآونة الاخيرة، وبشكل علني، ظاهرة تجارة المخدرات التي اصبحت اكثر الاخطار التي يعاني منها المجتمع الميساني وصار التحذير منها يتأكد في العديد من المنتديات الثقافية والاجتماعية حتى ان هناك من يجدها الخطر الذي لا يقل خطورة عن تنظيم داعش الارهابي وسمعت يعض رجال الدين في المساجد يتطرقون الى تأثيرها السلبي على روح الشباب ويطالبون الآباء بالانتباه الى اولادهم .

&واضاف: تزدهر تجارة المخدرات بسبب الاهوار الشاسعة المساحات والمناطق الحدودية المفتوحة في المحافظة،الدولية منها والمحلية ،على الرغم من ان فترة تسعينات القرن الماضي كانت تمثل البداية الاولى لدخول المخدرات الى العراق عبر الحدود ولكنها لم تشهد أي تعاطٍ لان المحافظة كانت طريق عبور لها من ايران الى السعودية، لكن الان اصبح الميساني يشتري ويبيع ويهرّب ويتعاطى وهنا تكمن الخطورة التي تحتاج الى اجراءات رادعة وعقوبات شديدة والا ستصبح المخدرات مثل الشاي في كل بيت .

&البصرة

لا يمر اسبوع من دون سماع اخبار القبض على تجار مخدرات ومتعاطين في محافظة البصرة الجنوبية مع تأكيدات من جهات حكومية وغير حكومية بتنامي هذه الظاهرة في ظل انتشار العصابات المسلحة، فيما اكد محافظ البصرة ماجد النصراوي ان المخدرات في العراق تباع "بسعر ارخص" من دول الجوار، واشار الى وجود ايدٍ خفية لاضعاف الواقع الديني والاخلاقي عند الشباب .

&ويرى الكثير من اهالي البصرة ان الامر خرج عن السيطرة خاصة بعد منع المشروبات الروحية، وهو ما تشير اليه التقارير الاستخبارية في المحافظة وتجعله احد& الأسباب التي أدت الى توجه الشباب نحو المخدرات مع الفقر والبطالة وضغط الجماعات المسلحة ، فضلا عن وجود العديد من ممرات التهريب لتجار المخدرات من ايران والكويت وتحول البصرة الى ممر للمخدرات الواصلة الى الخليج .

& الى ذلك قال علاء الجزائري ، كاسب من البصرة : على الرغم من التشدد في منع المخدرات الا ان سوقها رائجة والسيطرة عليها صعبة، فبعض المقاهي ما ان تجلس وتطلب الاركيلة حتى يبادرك عامل المقهى باشارة معينة تدل على سؤال بمعنى هل ان اركيلتك بمخدرات او (بدون) فالاجابة بنعم هزة رأس او غمزة عين والاجابة بلا& هي القول بدون !.

& &القانون 68 لسنة 1965

من جانبه اكد المحامي حمزة سالم ضرورة تشديد عقوبات المخدرات ، وقال :استثنى قانون العفو العام لعام 2016 جرائم المخدرات مثلما لم يتم شمولها بقانون العفو العام رقم 19 لسنة 2008 لكونها من جرائم الخطر العام، وان المشرع العراقي قد نص على عقوبات الغرامة والحبس والسجن والسجن الموقت والسجن المؤبد وعقوبة الاعدام بالإضافة الى عقوبة مصادرة الاموال المنقولة وغير المنقولة.

وتابع :انتشارالمخدرات لا يعني عدم وجود اجراءات حازمة ولكن من الصعب القضاء عليها خاصة مع وجود مستفيدين يستخدمون شتى الطرق والحيل لايصال تجارتهم الى الشباب خاصة ان العديد من المناطق الجنوبية تسيطر عليها عصابات مسلحة وهناك الكثير من النزاعات المسلحة بين العشائر سببها المتاجرة بالمخدرات التي ارباحها ضخمة جدا، اما في بغداد فهي تصل الى المتعاطين بطرق ملتوية مع وجود متنفذين على المقاهي والكازينوهات وهذا قد يمنع من القيام بحملات رادعة حقيقية .

28 الف مدمن مخدرات عام 2006

& يذكر انه تم تصنيف العراق من الدول النظيفة في مجال تعاطي المخدرات حتى الغزو الأميركي عام 2003 ،ولكن التقرير السنوي للهيئة الوطنية لمكافحة المخدرات أظهر تسجيل 7000 مدمن في عام 2004، بينما أكد تقرير لمكتب الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة والمخدرات وجود 28 ألف مدمن&في العراق عام 2006.

وحسب تقارير الهيئة الوطنية العليا لمكافحة المخدرات، فإن بغداد وبابل وكربلاء والمثنى والقادسية، تأتي في مقدمة المحافظات العراقية بعدد المدمنين.

ومن جانبها اعربت الهيئة الوطنية لمكافحة المخدرات في العراق عن "قلقها البالغ" من تزايد أنشطة عصابات تهريب المخدرات داخل البلاد، محذرةً من أن آفة المخدرات والمواد ذات التأثير النفسي أصبحت عاملاً آخر يُضاف إلى طرق الموت العديدة، التي تستهدف شريحة الشباب العراقي كل يوم .

&

&