بيروت: تنطلق الثلاثاء جولة جديدة من مفاوضات السلام حول سوريا في جنيف، تطغى عليها الى حد كبير محادثات استانة، بالاضافة الى إخفاق جديد للفصائل المعارضة بعد إجلاء مقاتليها من ثلاثة أحياء في دمشق.

بعد ست سنوات من الحرب المدمرة التي تسببت بمقتل اكثر من 320 الف شخص، تُبذل الجهود السياسية لتسوية النزاع السوري حالياً في سياق مسارين. انطلق الاول في العام 2014 في جنيف حيث تستضيف الامم المتحدة جولات مفاوضات غير مباشرة بين طرفي النزاع. وتشهد أستانا منذ يناير جولات محادثات موازية برعاية روسيا وايران حليفتي الرئيس السوري بشار الاسد وتركيا الداعمة للمعارضة.

ويرى محللون ان الامم المتحدة تبدو وكأنها في سباق مع محادثات أستانا التي تشهد زخما أكبر، خصوصاً بعد توقيع مذكرة في الرابع من الشهر الحالي تقضي بإنشاء أربع مناطق "تخفيف التصعيد" في الجبهات الاكثر عنفا في سوريا. وقد وضع الاتفاق موضع التطبيق.

ومنذ بدء سريان الاتفاق قبل اسبوع، تراجعت وتيرة القتال في مناطق عدة. ولكن في دمشق التي لا يشملها الاتفاق، تمكنت الحكومة السورية من تنفيذ اتفاقات إخلاء ثلاثة أحياء كانت تحت سيطرة المعارضة، لتقترب بذلك من السيطرة شبه الكاملة على العاصمة للمرة الاولى منذ العام 2012.

وقال المبعوث الدولي الخاص الى سوريا ستافان دي ميستورا لصحافيين الاسبوع الماضي في جنيف انه يعتزم تكثيف العمل حول عناوين جدول الاعمال في جولة المفاوضات التي يتوقع ان تستمر أربعة ايام فقط، انطلاقاً من مبدأ "ضرب الحديد وهو حام"، على حد تعبيره.

وبحسب دي ميستورا، فإن محادثات أستانا الاخيرة أثمرت "بعض النتائج التي نجدها واعدة للغاية ونرغب قدر الامكان بربط هذه النتائج بآفاق سياسية" في جنيف.

ولم تنجح جولات مفاوضات السلام السابقة في تحقيق نتائج ملموسة. في الجولة الاخيرة في مارس، بدأت أطراف النزاع مناقشة السلال الاربعة التي يتألف منها جدول الاعمال وهي الحكم والدستور والانتخابات ومكافحة الارهاب. لكن المفاوضات تجري بين كل طرف ودي ميستورا، لا في لقاءات مشتركة.

ويقول الباحث المتخصص في الشؤون السورية في مؤسسة "سانتشوري فوندايشن" أرون لوند لوكالة فرانس برس ان لمفاوضات جنيف "قيمة رمزية"، "لكنها لا تمضي قدماً بأي شكل من الاشكال".

ويتابع "في الممارسة، همّش مسار استانا الى حد كبير مسار جنيف، على الاقل في الوقت الراهن".

مطلب بلا أفق

ومن المتوقع وصول الوفود السورية الى جنيف الاثنين، عشية استئناف جولة المحادثات غير المباشرة. 

وكما جرت العادة، يرئس مندوب سوريا الدائم لدى الامم المتحدة في نيويورك بشار الجعفري الوفد الحكومي، فيما يرئس وفد الهيئة العليا للمفاوضات الممثلة لاطياف واسعة من المعارضة السورية، الطبيب نصر الحريري، ويتولى الحقوقي محمد صبرا مهمة كبير المفاوضين.

ويتمسك وفد المعارضة بمطلب رحيل الرئيس السوري بشار الاسد عن السلطة في المرحلة الانتقالية، الامر الذي ترفضه دمشق بالمطلق وتعتبره غير قابل للنقاش أصلاً.

ويرى لوند ان "مسار جنيف يدور حول مطلب بلا أفق بتمثل في التفاوض حول العملية الانتقالية".

ويوضح ان "الانعكاس الرئيسي لربط تحقيق السلام بالانتقال السياسي هو تهميش دور الامم المتحدة في جنيف، مقابل تحويل الانتباه الى أستانا".

وفي جولة المحادثات الأولى في استانا في يناير، اتفقت روسيا وايران وتركيا على تعزيز اتفاق لوقف اطلاق النار بدأ سريانه في 30 ديسمبر بموجب اتفاق بين موسكو وأنقرة.

وتتالت الاجتماعات إثر ذلك في استانا، وصولا الى توقيع الدول الثلاث الضامنة مذكرة قبل أقل من أسبوعين تقضي بإنشاء مناطق "تخفيف التصعيد" في ثماني محافظات سورية.

ويرى لوند أن "مسار أستانا لا يحمل المضمون نفسه (الذي يناقش جنيف) وتتم إدارته بشكل أكبر وفق شروط روسيا. وهذا يعني انه اكثر انسجاماً مع الوقائع على أرض المعركة".

واعتبر الرئيس السوري بشار الاسد في مقابلة مع قناة "او ان تي" البيلاروسية نشر نصها الاعلام الرسمي الخميس، ان مفاوضات جنيف "مجرد لقاء إعلامي"، مضيفا "لا يوجد أي شيء حقيقي في كل لقاءات جنيف السابقة، ولا 0,1 بالمليون، حتى هذا الرقم غير موجود".

وفي ما يتعلق بمحادثات استانا، قال الاسد "الوضع مختلف.. تلك المحادثات بدأت تعطي نتائج من خلال أكثر من محاولة لوقف إطلاق النار، آخرها ما سمي مناطق تخفيف التصعيد أو تخفيف الأعمال القتالية".

واتسمت الجهود الدبلوماسية لتسوية النزاع السوري في الاشهر الاخيرة بغياب تام للدور الاميركي في عهد الرئيس دونالد ترامب.

وفي ظل إدارة الرئيس الاسبق باراك اوباما، لعبت واشنطن تحديداً عبر وزير الخارجية السابق جون كيري دوراً كبيراً في مفاوضات جنيف، بوصف الولايات المتحدة احدى الدولتين الراعيتين للعملية السياسية الى جانب روسيا آنذاك.