الرباط: يمثل شهر رمضان مناسبة خاصة لدى عموم المغاربة، تميزه أجواء مختلفة برغم تنوعها من مدينة لأخرى، إلا أنها توحد المواطنين في طريقة الاحتفاء بهذا&الشهر الروحي، حيث تتجند النساء من أجل استقباله، باقتناء العديد من المواد والمنتجات الاستهلاكية، والتي تعد أساسية في تحضير مختلف الأطباق الخاصة &بهذا الشهر الفضيل.
وبالموازاة مع الاستعداد لرمضان، تظهر مهن موسمية خاصة، يعمل أصحابها على توفير مختلف اللوازم الضرورية التي تحتاجها الأسر، مما يمكنهم من الحصول على مقابل مادي، يعينهم على تحمل أعباء ومصاريف الحياة اليومية.
استعدادا لموائد الإفطار
قبيل أيام قليلة على حلول شهر رمضان الكريم، تبدأ استعدادات النساء في اقتناء جميع ما يلزم من مواد لاستخدامها في تحضير مختلف الأكلات والحلويات التي يتم إعدادها للمناسبة ، حيث تعج محلات البقالة والمواد الغذائية بالزبائن.
عند مدخل أحد الدكاكين الخاصة ببيع المواد التي تستعمل في تحضير الحلويات في المدينة العتيقة بسلا المجاورة للرباط ، يبدو المشهد اعتياديا، لكونه يكرر كل سنة وفي ذات التوقيت تحديدا، نساء ينتظرن دورهن في الحصول على أنواع معينة من المكسرات، قمن بجلبها في وقت سابق بغية طحنها، حتى يسهل استخدامها في تحضير حلويات مغربية تقليدية، من قبيل السفوف، الشباكية والبريوات.
يقول حسين، صاحب المحل"هناك إقبال متزايد على الشراء لدى المغاربة قبيل حلول الشهر الفضيل، بحيث تحاول ربات البيوت جاهدات تجهيز مختلف لوازمه، ومن أجل تسهيل الأمر عليهن، نقوم بطحن حبات اللوز والكاوكاو"الفول السوداني"، واللذان يعتبران مادتين أساسيتين، يعتمد عليهما في تجهيز وصفات خاصة تزين المائدة المغربية أثناء الإفطار.
و حول أكثر المواد التي تشهد تهافتا عليها في هذه الفترة، يضيف قائلا"يبدأ التحضير لاستقبال شهر رمضان قبيل مجيئه بأيام، إذ تزدهر تجارة التوابل والفواكه الجافة والحلويات وتشتري النساء "السمسم واللوز والجوز والتمر و العسل ومواد صنع الحلويات"وتتنوع التقاليد والعادات التي يقدم عليها المغاربة خلال هذا الشهر.
الحريرة.. والفطائر والشباكية من أهم العناصر
تشكل"الحريرة" أبرز وجبة في مائدة الإفطار المغربية، لكونها الأكثر شهرة لدى المواطنين خلال شهر الصيام، وهي عبارة عن حساء به مزيج لعدد من الخضار والتوابل، ويُضاف إلى ذلك التمر والحليب والبيض.
وتجد المائدة المغربية في رمضان مليئة بأصناف المأكولات الشهية، من فطائر متنوعة"بغرير"،"رزة القاضي"،"بطبوط"،"رغايف"، فضلا عن"الشباكية"،"المقروط"، و"البريوات"، حيث تحرص النساء والفتيات على إعدادها، و هناك من يفضل اقتناءها جاهزة من طرف نساء، يعملن على تحضيرها وبيعها.
مهن موسمية
يوميا وبعد الزوال في رمضان، تحرص فاطمة، ربة منزل، على وضع طاولة خشبية بأحد الأحياء الشعبية لمدينة سلا، حيث تنصب فوقها ما قامت بتحضيره في الصباح من"بغرير"،"مخمر" أو بطبوط" بأحجام مختلفة صغيرة وكبيرة، وهو عبارة عن خبز يتم تحضيره بطريقة خاصة، ويستهلك مع قليل من العسل والزبدة، أو مع حشوه بخلطات مختلفة سواء باللحم المفروم والجبن أو مكونات أخرى حسب القدرة الشرائية للمواطنين.
بالنسبة لهذه السيدة الأربعينية، يشكل عملها هذا مصدر رزق لها، مما يساعدها على تحمل بعضا من مصاريف أسرتها الصغيرة، في غياب وجود دخل قار للعيش، خاصة أن الإقبال على هذه المنتوجات الغذائية يسجل ارتفاعا كبيرا في المناسبات الدينية، و منها شهر رمضان.
أما عادل، 24 سنة، فلا يخفي انشراحه بقدوم شهر الصيام، لكونه شهر رحمة وعبادة وغفران، و كذلك مناسبة تتيح له مساعدة والدته في مصاريف البيت التي تثقل كاهلها، وذلك عن طريق قيامه بشراء حبات الليمون وعصره بمساعدة شقيقته الصغرى، ومن تم بيعه للمارة على جنب الطريق.
"نحن نعمل وفق المناسبات التي تميز السنة، نبيع عصير الليمون الطازج في رمضان، خاصة أن حلوله يتزامن وموجة الحر التي تشهدها البلاد قبيل وأثناء فصل الصيف، و بعد انقضائه، نقوم بمهن أخرى، من قبيل بيع الأواني المنزلية، وغيرها، وذلك حسب الضرورة التي تفرضها كل مناسبة".
تحولات مجتمعية
وحول كثرة وتنوع المهن الموسمية في رمضان، يقول خالد بنعلي، خبير اقتصادي"بصفة عامة تتميز العديد من المناسبات بتزايد نشاط بعض المهن الموسمية المرتبطة بشكل عام بمناسبة معينة. فخلال شهر رمضان الأبرك كانت السوق المغربية تعرف في السابق نشاطا مرتبطا بالحلويات وإقبالا على اقتناء العسل والدجاج والتمور وبعض المواد المستعملة في الحلويات...أما اليوم وبالنظر للتحولات التي عرفتها منظومة الأسرة ،و تراجع مستوى العلاقات العائلية و العلاقات بين الجيران وولوج المرأة إلى سوق الشغل بشكل كبير ...أصبحنا أمام سوق جديدة متطورة تهم إعداد الحلويات الجاهزة وتعرف إقبالا مستمرا ومتزايدا. سوق لا بد من الإقرار أنه بالرغم من كونها موسمية وغير مهيكلة بنسبة لا يستهان بها فإن الطلب على الحلويات هو الذي حدا بالعديد من المواطنين وخاصة من فئة الشباب والشابات إلى مزاولتها".
و بشأن إمكانية مساهمة هذه المهن في التقليص من نسبة البطالة بالمجتمع، أفاد بنعلي بأن الطابع الموسمي لهذه المهن لا يسمح بالحديث عن تقليص نسب البطالة في أوساط الشباب بالرغم من كون هذه المهن توفر لمزاوليها مداخيل لا بأس بها. بالنظر إلى تعدد المناسبات التي تتسم بطقوس وعادات توارثتها الأجيال تقتضي هيكلة هذه المهن ودعم مزاوليها، من خلال مراقبة وتقنين القطاعات التي تندرج فيها هذه المهن، حتى تكتسي طابع الاستمرارية ويمكنها أن تصبح بذلك قطاعا منتجا لفرص شغل دائمة وتساهم بذلك في تقوية الطلب الداخلي. &
شهر العبادة وصلة الرحم
ويعتبر شهر رمضان الكريم كذلك فرصة تمكن الفرد من التعبد والطاعات والتقرب من الخالق سبحانه، ويعرف بشهر الغفران والتوبة، حيث تحرص الأسر المغربية كبقية المسلمين عبر دول المعمور على أداء الصلاة في المساجد، وتلاوة القرآن الكريم، إضافة إلى كونه مناسبة لإحياء صلة الرحم، حيث تدأب العائلات على تبادل الزيارات، خاصة خلال اليوم الأول، وليلة نصف رمضان ، وليلة القدر، حيث يجتمع الأقارب.
وبعد الانتهاء من أداء صلاة التراويح، تتباين وجهات الأسر المغربية، منها من يفضل التوجه للحدائق والأماكن العامة والمراكز الترفيهية قصد الاستمتاع وتجنب الروتين اليومي سواء داخل المنزل أو في العمل، في حين يفضل البعض قضاء الوقت في الصلاة والذكر لحين اقتراب أذان صلاة الفجر.
التعليقات