واشنطن: اتهم المدير السابق لمكتب التحقيقات الفدرالي (اف بي آي) جيمس كومي البيت الأبيض الخميس بالكذب والتشهير في شهادة مثيرة رسمت صورة للرئيس دونالد ترمب على أنه غير نزيه ويتصرف بطريقة خارجة عن الأعراف الرئاسية. 

وخلال شهادته التي أداها تحت القسم أمام لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، قال كومي أنه "صدم" بسلوك ترمب "المزعج جدا" و"المقلق جدا" خلال العديد من الاجتماعات الخاصة. 

وفي قاعة غصت بالحضور، بدأ كومي عرض روايته لمحادثاته الخاصة مع الرئيس الاميركي امام لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ في جلسة بثتها كل قنوات التلفزة الاميركية.

وقال كومي "اعتقد أنه تمت إقالتي بسبب التحقيق في (التدخل) الروسي" في الانتخابات الاميركية. 

وعرض كومي تفاصيل محادثات خاصة مع رئيس أثناء توليه منصبه، وهو ما لا يحدث في الظروف العادية، وقال إنه سجّل ملاحظات مفصّلة للقاءاته الاستثنائية مع ترمب خشية أن "يكذب" بشأن الاجتماعات. 

وأشار كومي إلى أن المحقق الخاص هو الذي سيقرر ما إذا كانت تصرفات الرئيس تعتبر عرقلة للعدالة، وهي المخالفة التي تتيح إمكانية التحقيق مع الرئيس بهدف عزله.

وتجنب ترمب الرد مباشرة على اتهامات كومي، وقال لانصاره أثناء حدث ديني في العاصمة "سنقاتل وننتصر". 

وأضاف "لدي هدف، هو أن أقاتل من أجل الأميركيين ومن أجل أميركا أولا" وأكد "الرجال والنساء المنسيون لن يكونوا منسيين بعد اليوم"، مستعيدا بذلك أحد شعارات حملته الانتخابية.

إلا أن البيت الأبيض رد بغضب، وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض ساره هاكابي ساندرز خلال المؤتمر الصحافي اليومي للصحافيين المعتمدين لدى البيت الأبيض "يمكنني أن أؤكد بثقة أن الرئيس لا يكذب، وبصراحة، أشعر بالإهانة جراء هذا السؤال".

وبعد أشهر من الترقب، أكد كومي أنه عندما غادر الاف بي آي الشهر الماضي لم يكن ترمب خاضعا بشكل شخصي لتحقيق جنائي أو تحقيق يتعلق بمكافحة الارهاب.

وطال التحقيق في التدخل الروسي في انتخابات الرئاسة 2016 عددًا من مساعدي الرئيس المقربين وله تأثيرات سياسية وجيوسياسية واسعة. 

"أكاذيب واضحة"

بعد أن رفع يده اليمنى وأقسم أن يقول الحقيقة كاملة، بدأ كومي جلسة الشهادة بمحاولة تصحيح الصورة عن حالة مكتب التحقيقات الفدرالي الذي قاده حتى إقالته الشهر الماضي. 

وقال "رغم أن القانون لا يتطلب أي سبب مطلقا لإقالة مدير الاف بي آي، فقد اختارت الإدارة التشهير بي، والأهم، التشهير بالاف بي آي من خلال القول إن المنظمة تعاني من الفوضى وإنها تقاد بشكل سيئ وأن الموظفين فيها فقدوا الثقة في مديرها". 

وأكد "تلك كانت ببساطة أكاذيب"، ليشعل التوتر داخل جلسة الاستماع التي سادها الصمت وهي تشهد هذا المسرح السياسي. 

وبدأت جلسة الخميس بدعوة إلى توحيد الهدف. 

وقال السناتور مارك وارنر العضو البارز في لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ في كلمة افتتاحية "نحن هنا لأن خصما خارجيا هاجمنا في عقر دارنا. ببساطة. ولكن ليس بالمدافع والصواريخ ولكن بالعملاء الأجانب الذين يسعون إلى ارتهان أهم عملية ديموقراطية وهي انتخاباتنا الرئاسية". 

إلا أن التظاهر بوحدة الحزبين سرعان ما تهاوت. 

ويعتزم الديموقراطيون تقرير ما اذا كانت تصرفات ترمب ترقى إلى مستوى عرقلة العدالة، بينما ركز الجمهوريون على اعتراف كومي أنه أكد للرئيس أنه لا يخضع شخصيا لتحقيق الاف بي آي. 

كما اغتنم الجمهوريون اعتراف كومي أنه سرب ملاحظاته الشخصية بشأن اجتماعاته مع ترمب لتسريع تسمية محقق خاص ليقود التحقيق في التدخل الروسي المحتمل. 

ودفع ذلك بدونالد جونيور ابن الرئيس الى وصف كومي بسخرية على أنه "شخص راق". 

"مقلق للغاية"

سارع ترمب إلى اقالة كومي من منصبه مديرا لمكتب الاف بي آي في التاسع من مايو معترفا لاحقاً بأن التحقيق في التدخل الروسي كان في ذهنه في ذلك الوقت. 

وفي شهادته المكتوبة وصل كومي تزايد انزعاجه في الأسابيع قبل اقالته بعد أن قابله ترمب بشكل منفرد وتحدث معه هاتفيا عدة مرات للضغط عليه بشأن التحقيق في حملة ترمب الانتخابية واحتمال التواطؤ مع الجهود الروسية لترجيح الانتخابات لكفة الجمهوريين. 

وذكر كومي أنه في عشاء خاص في 27 يناير بعد أيام من تولي ترمب مهامه، قال كومي أن ترمب رغب في التقرب منه. 

وقال إن الرئيس طالبه بـ"الولاء" خلال العشاء في البيت الأبيض، كما طلب منه وقف التحقيق بحق احد ابرز المقربين منه، الجنرال مايكل فلين المستشار السابق في مجلس الامن القومي الذي اقيل في فبراير لانه لم يقل كل الحقيقة بخصوص محادثاته مع السفير الروسي لدى الولايات المتحدة.

وروى كومي ان ترمب قال له خلال لقاء على انفراد في البيت الابيض في 14 فبراير "آمل أن تجد طريقة لوقف هذا، لترك فلين وشأنه. إنه رجل صالح". ونفى ترمب ان يكون قام باي طلب من هذا النوع.

وأكد كومي الخميس ان المستشار فلين كان مستهدفا آنذاك بتحقيق جنائي.

ووصف كومي كيف أنه حاول تحصين نفسه ومكتب الاف بي آي من أي ضغوط سياسية في الأسابيع التي سبقت إقالته. 

تغطية شاملة

وفرت شبكات ومحطات الاخبار تغطية شاملة لجلسة الاستماع، وفتحت بعض الحانات في واشنطن أبوابها باكرا للراغبين في مشاهدة البث التلفزيوني للجلسة، وقدمت إحدى الحانات مشروبات مجانية في كل مرة بعث فيها ترمب بتغريدة عن كومي. 

وفي حانة "شوز تافيرن" ساد الصمت في المكان عندما دخل كومي الى قاعة الاستماع. 

وقال سادي كورنيليوس (33 عاما) "هناك الكثير من الضجة الاعلامية، من الجيد في الحقيقة الاستماع إلى الأمر من مصدره .. من الجيد الاستماع إلى الحقائق". 

وسارع الديموقراطيون إلى المقارنة بين ما يحدث وبين فضيحة ووترغيت عندما اجبر الرئيس ريتشارد نيكسون على الاستقالة في 1973. 

إلا أن البيت الأبيض وحلفاء ترمب سعوا إلى تسليط الضوء على النقاط الايجابية في تصريحات كومي. 

وقال مارك كاسوفيتش الذي عينه ترمب محاميا شخصيا له للتعامل مع الأمور المرتبطة بالتحقيق بشأن التدخل الروسي في الانتخابات "الرئيس يشعر بأنه مبرأ تماما. ويتوق إلى مواصلة التقدم في اجندته".