تعتمد المقاربة الأممية للسلام على أكثر من مجرد منع حصول الحرب، إذ تتجاوز ذلك إلى تحصين رفاهية الفرد والمجتمع، اقتصاديًا واجتماعيًا وحقوقيًا، وقد رصد لذلك هيئاته كلها.

إيلاف من جنيف: استرشدت الأمم المتحدة على الدوام بمفهوم للسلام منظورًا إليه من زاوية أوسع وأكثر إيجابية، حيث تسود رفاهية الأفراد والمجتمعات، بما في ذلك الرفاه الاقتصادي والأمن الاجتماعي وحقوق الانسان، على مفهوم للسلام يتعلق حصرًا بمنع استخدام العنف أو القوة. 

ويعترف ميثاق الأمم المتحدة بأن السلام أكثر من غياب الحرب، وبالتالي يشمل أحكامًا قانونية في قانون حقوق الانسان الدولي يجب أن يطبقها المجتمع الدولي عمومًا، وتهدف إلى حل القضايا التي يمكن أن تسبب الحرب. ويؤكد تحليل مواثيق حقوق الانسان الدولية أن احترام حقوق الانسان يكمن في أساس السلام. 

لتدعيم السلام وحقوق الانسان والتنمية على المستوى العالمي، استحدث ميثاق الأمم المتحدة خمس هيئات رئيسية: مجلس الأمن والجمعية العامة والمجلس الاقتصادي والاجتماعي ومجلس الوصاية لتصفية الاستعمار ومحكمة العدل الدولية. 

مجلس الأمن 

يشكل الحفاظ على السلام العالمي والأمن الدولي أهم أهداف الأمم المتحدة، بموجب المادة 1 ـ 1 من الميثاق. ويمنح الفصل السابع صلاحيات واسعة لمجلس الأمن في هذا المجال. 

وتبقى ظروف استخدام هذه الصلاحيات مبهمة جدًا بسبب المفاهيم الفضفاضة في المادة 39 بالدرجة الرئيسة. ويتمتع مجلس الأمن بهامش واسع من الاجتهاد في تقرير ما إذا كان هناك تهديد للسلام أو خرق له.

وفي اوضاع النزاع يؤكد مجلس الأمن أن جميع الأطرف ملزمة باتخاذ كل الاجراءات اللازمة للحفاظ على "الحياة البشرية"، وتطبيق كل الأحكام الانسانية في ما يتعلق بحماية الجرحى والمرضى والأسرى والمدنيين. 

كما يشير مجلس الأمن إلى أن المجتمع الدولي يجب أن يلتزم مساعدة مجتمعات ما بعد النزاع لاستعادة حياتها السلمية الطبيعية، مع الإقرار بأن افراد هذه المجتمع يتحملون المسؤولية النهائية عن المصالحة الوطنية وإعادة بناء بلدهم. 

الجمعية العامة

تنص المادة 11 من الميثاق بشـأن مهام الجمعية العامة على اعتماد المبدأ العام للتعاون في الحفاظ على السلام والأمن في العالم، بما في ذلك المبادئ التي تحكم نزع السلاح ومراقبة التسلح واصدار التوصيات بشـأن مثل هذه المبادئ إلى الدول الأعضاء أو إلى مجلس الأمن أو إلى الاثنين. 

تُعلق صلاحية الجمعية العامة برفع توصيات على الفور، حين يكون مجلس الأمن منشغلًا في التعامل مع قضية ما. ويُمنح مجلس الأمن بوصفه المسؤول الأول عن الحفاظ على السلام والأمن في العالم، صلاحية قانونية وسياسية أكبر حتى من صلاحيات الجميعة العامة، ويراد بذلك أن يكون المجلس قادرًا، من دون تدخل، على تطوير افكاره وتطبيقها في ما يتعلق بطريقة حل النزاعات التي تهدد السلام. 

تمنح المادة 13 من الميثاق الجمعية العامة صلاحية إجراء دراسات ورفع توصيات لتعزيز التعاون الدولي في المجال السياسي، وتشجيع التطور المتواصل للقانون الدولي وتدعيم التعاون الدولي في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية والصحية. 

من الضروري تسليط الضوء على دور الجمعية العامة في صوغ الوثائق لتنفيذ حقوق الانسان والحريات الأساسية. وتتضمن أغلبية الإعلانات بيانات سياسية، وبالتالي لا يكون لها تأثير إلزامي في القانون الدولي. 
من الهيئات التابعة للجمعية العامة مجلس حقوق الانسان الذي يضم في عضويته 47 دولة. ويتولى المجلس مسؤولة تدعيم حقوق الانسان وحمايتها في انحاء العالم. وكانت الجمعية العامة استحدث المجلس في عام 2006 بهدف عام هو مواجهة انتهاكات حقوق الانسان. 

المجلس الاقتصادي والاجتماعي

يمكن اعتبار المجلس الاقتصادي والاجتماعي الهيئة الرئيسة التابعة للأمم المتحدة في بحث القضايا الاقتصادية والاجتماعية الدولية ومعالجتها، فضلًا عن رفع التوصيات إلى الدول الأعضاء والجمعية العامة والوكالات المتخصصة بالقضايا التي يغطيها تفويضها. 

تنص المادة 62 من الميثاق على أن القضايا التي تشملها أعمال المجلس تغطي المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية والصحية وما يتعلق بها، يضاف إليها تدعيم الاحترام لحقوق الانسان والحريات الأساسية.

من صلاحيات المجلس الاقتصادي والاجتماعي المبادرة إلى طلب إجراء دراسات وإعداد تقارير الهدف منها جمع معلومات يستخدمها المجلس وهيئاته أو غيرها من هيئات الأمم المتحدة لإصدار قرارات حول القضايا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الدولية وغيرها من القضايات ذات العلاقة، أو إعداد مشروعات اتفاقيات دولية. وتوجه الطلبات لاجراء دراسات إلى الأمين العام أو هيئات المجلس أو الوكالات المتخصصة للأمم المتحدة. 

تدعو المادة 65 من الميثاق إلى مساهمة المجلس الاقتصادي والاجتماعي في مساعي الأمم المتحدة للحفاظ على السلام العالمي، وهي مهمة ينهض بها مجلس الأمن الدولي اولًا وقبل كل شيء. 

منع النزاعات وبناء السلام

أصبحت العلاقة والتفاعل بين المجلس الاقتصادي والاجتماعي ومجلس الأمن مهمة جدًا في العمل اليومي للأمم المتحدة. ويقوم المجلس الاقتصادي والاجتماعي اليوم بدور مهم في منع النزاعات وبناء السلام بعد النزاع. 

ويعتمد مجلس الأمن منذ اواخر التسعينات بصورة متزايدة على خبرة ومعارف منظومة الأمم المتحدة بتنسيق من المجلس الاقتصادي والاجتماعي لتطوير وتنفيذ أفكار تتعلق بالسلام والأمن في مناطق العالم المختلفة. ومنذ ذلك الحين يعود مجلس الأمن في أحيان كثيرة إلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي في قرارته. 

ومن الخطوات المهمة نحو تعزيز التعاون بين المجلس الاقتصادي والاجتماعي ومجلس الأمن الخطوة التي اتخذها الأمين العام السابق بطرس غالي الذي شدد على دور المجلس الاقتصادي والاجتماعي في الحفاظ على السلام والأمن في أجندته من أجل السلام التي قدمها بطلب من مجلس الأمن في عام 1992. 

شدد غالي على أهمية المادة 65 بوصفها جزءًا من نظام للإنذار المبكر، وأوصى بأن يدعو مجلس الأمن المجلس الاقتصادي والاجتماعي إلى تقديم تقارير عن هذه التطورات الاجتماعية والاقتصادية التي يمكن أن تهدد السلام والأمن في العالم.