تؤدي شخصية الرئيس الاميركي دورًا مهمًا. يكتب هاملتون في مجلة نيو ستيتسمان البريطانية: إن الكثير من المحللين النفسيين أشاروا إلى أوجه الشبه بين دونالد ترمب وريتشارد نيكسون.
لندن: أراد الآباء مؤسسو الولايات المتحدة أن يتجنبوا مطبات الملكية، خصوصًا الملكية المطلقة، فطلعوا بفكرة انتخاب رئيس يكون من بعض النواحي حاكمًا مطلقًا للتمكن من العمل بلا معوقات، ويكون مقيد اليد من نواحٍ أخرى. إذ يتعين عليه أن ينال موافقة الكونغرس في التشريع والميزانية، ويخضع لقرارات المحكمة العليا في تفسير الدستور الأميركي. وفُرضت حدود على ولايات الرئيس بحيث لا تزيد على ولايتين مع إجراء انتخابات كل أربع سنوات. وكان هذا النظام يعمل بنجاح مدهش في وقت الأزمات، وهي كثيرة في تاريخ الولايات المتحدة أكبرها الحرب الأهلية.
أوجه شبه
يكون الرئيس مسؤولًا أمام من انتخبوه. وفي حالة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، فإن هذا أوجد وضعًا غريبًا، ذلك أن وسائل الإعلام أعطته حرية مطلقة لتسلية الجمهور بتصريحاته وأقواله في خلال حملة 2016 الانتخابية. لكنها انقلبت عليه، وأدى هذا إلى شكوى الرئيس بصورة متكررة من "الأخبار الكاذبة"، ومن وجود مؤامرة وسائل الإعلام ضالعة فيها لاسقاطه. وقال في تغريدة على تويتر: "ما من سياسي في التاريخ عومل معاملة أسوأ أو أكثر إجحافًا، وأنا أقول ذلك بكل ثقة".
لكن نايجل هاملتون، الباحث في جامعة ماسيشوسيتس، يقول إن هناك عوامل أعمق تعمل في الولايات المتحدة منها الامبراطورية التي بنتها الولايات المتحدة من دون أن يعرف ترمب شيئًا عن بنائها ويريدها أن تنهار تحت وطأة ثقلها كما انهارت الامبراطوريات البريطانية والفرنسية والهولندية. وهو بإخراج الولايات المتحدة من المعاهدات الدولية والاتفاقيات التجارية وغيرها ينفذ "اميريكست" ـ على غرار "بريكسيت" ـ من أجل أن تكون اميركا عظيمة مرة أخرى، لكنها "أميركا صغيرة عظيمة"، كما يسميها هاملتون.
إلى جانب الاقتصاد، أي هاجس كل رئيس اميركي، فإن العامل الآخر الذي له دوره في الحياة السياسية هو شخصية الرئيس الاميركي. ويكتب الباحث هاملتون في مجلة نيو ستيتسمان البريطانية أن الكثير من المحللين النفسيين اشاروا إلى أوجه الشبه بين دونالد ترمب وريتشارد نيكسون.
منفلت لا يتمالك اعصابه
بحسب هاملتون، كان نيكسون في نهاية رئاسته منفلتًا لا يستطيع أن يتمالك اعصابه، حتى أن مساعديه أزالوا شفرات التفويض بشن حرب نووية من حقيبته. وأصبح نيكسون مهووسًا بمنتقديه. وبلغ به الهوس حدّ إرسال عناصر لاقتحام مقر المعارضة السياسية ممثلة بالحزب الديمقراطي في مبنى ووترغيت، مفجرًا الفضيحة الشهيرة التي اسقطته.
يقارن هاملتون فضيحة ووترغيت بما يسميه "روسياغيت" قائلًا إن ردات أفعال الرئيس الأميركي الخامس والأربعين، دونالد ترمب، على التحقيق في علاقات حملته بروسيا هي تكرار لردات أفعال الرئيس السابع والثلاثين، نيكسون. ويكتب هاملتون ردات الأفعال هذه تتمثل بالأصرار على الكذب والخروج من المأزق بالتهديدات، بما في ذلك إقالة مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي جيمس كومي والتهديد بإقالة المحقق العام في علاقة حملة ترمب بروسيا روبرت مولر والتهديد بإقالة المدعي العام جيف سيشينز، وحتى التلميح بالعفو عن الضالعين في الفضيحة بمن فيهم ترمب نفسه إذا اقتضت الحاجة. وعُرف نيكسون بتصريحه الشهير "حين يفعل الرئيس ذلك فان هذا يعني أن ما يفعله ليس ممنوعًا".
رؤوس في الرمال
يرى هاملتون أن ترمب يقترب من الانهيار انهيارًا مماثلًا لما حدث مع نيكسون، وأخذ يعزز موقعه ويعين المزيد من العسكريين للدفاع عنه ضد خصومه وضد طاقم البيت الأبيض الذي تعمه الفوضى بسبب عدم قدرته على توفير قيادة رئاسية مستقرة، على حد تعبير الباحث هاملتون مشيرًا إلى "أن البيت الأبيض كان احيانًا يبدو وكأنه روضة اطفال بلا معلمة تضبطهم. فهو في حرب مع حزبه الجمهوري ومع الكونغرس ومع كل من لا يؤمن بإلوهية "الزعيم المحبوب"".
يؤكد هاملتون أن لهذا تأثيرًا بالغًا في مكانة أميركا في العالم، بل يبدو في بعض الأحيان وكأن العالم يحاول أن يتحمل اميركا بلا قائد ويرفض أن يصدق أن هذا ما يحدث. ولكنه يحدث.
يراهن هاملتون على وجود مقاومة متزايدة ضد ما يسميه "أجندة ترمب التدميرية تجاه الرعاية الصحية والبيئة والطاقة والتعليم والبحث العلمي وسياسات الهجرة وهي أجندة وصفها روزفلت في عام 1944، بأنها أجندة رجال رؤوسهم مدفونه في الرمل".
البديل: نسخة من جون كندي
في الختام، يقول هاملتون إن ترمب قد يُجبر على الاستقالة بموجب التعديل الخامس والعشرين للدستور الاميركي على اساس انه "عاجز عن ممارسة سلطات منصبه وواجباته". ولكن المحصلة لن تغير ديناميات الاقتصاد العالمي والسقوط المحتوم للامبراطورية الاميركية. ويخلص هاملتون إلى أن من سيخلف ترمب في حالة إجباره على الاستقالة هو نائبه مايكل بنس "الاصولي المسيحي اليميني المتحالف مع حزب الشاي والمعادي للحكومة الفيدرالية والمناهض للعفو عن المهاجرين غير القانونيين والاجهاض والمعونة الطبية ولفرض ضوابط على التدخين ولحماية البيئة وللضمان الاجتماعي واصلاح النظام الانتخابي والمؤيد لحرب العراق".
البديل عن هذا السيناريو هو أن يجد الحزب الديمقراطي نسخة من جون كينيدي، القائد الذي يوحد الاميركيين فيتكيف مع حقائق العالم الحديث سواء أكانت بيئية أو اقتصادية أو علمية أو سياسية ويعمل مع، وليس ضد، حلفاء اميركا مثل الناتو لصيانة أمن العالم، كما يخلص الباحث نايجل هاملتون.
أعدّت "إيلاف" هذا التقرير بتصرف عن "نيو ستيتسمان". الأصل منشور على الرابط:
http://www.newstatesman.com/world/north-america/2017/09/fdr-donald-trump-decline-american-empire
التعليقات