يعلق المسلمون عبر العالم آمالًا عريضة على تحركات مؤسسة الأزهر المصرية لوقف المجازر وأعمال الإبادة الجماعية ضد مسلمي الروهينجا من قبل حكومة ميانمار، إذ أعلن الأزهر عن تقديم مساعدات مالية وغذائية عاجلة لمسلمي بورما ودعم اللاجئين على الحدود.
أحمد حسن من القاهرة: أعلن شيخ الأزهر أحمد الطيب أن مؤسسته سيقود "تحركات إنسانية على المستوى العربي والإسلامي والدولي لوقف المجازر وأعمال الإبادة الجماعية ضد مسلمي الروهينجا الذين يتعرضون لهجمات وحشية بربرية لم تعرفها البشرية من قبل ، وسوف تسطر سِجلًّا من العار في تاريخ ميانمار لا يمحوه الزمن"، على حد تعبيره.
وأكد الطيب أن الأزهر الشريف "لا يُمكنه أن يقف مكتوف الأيدي أمام هذه الانتهاكات اللاإنسانية"، معتبرًا ما يتعرَّض له مسلمو الروهينجا "أسلوب الوحوش في الغابات".
وطالب شيخ الأزهر كافة الهيئات والمنظَّمات الدولية وجمعياتِ حقوق الإنسان في العالَم كُلّه أن تقوم بواجبها في اتخاذ الإجراءات اللازمة للتحقيق في هذه الجرائم المنكرة، ومعاقبة مرتكبيها وتقديمهم لمحكمة العدل الدولية لمحاكمتهم كمجرمي حرب جزاء ما ارتكبوه من فظائع وحشية.
تحركات شيخ الأزهر العربية والإسلامية والدولية باتت الأمل الأخير أمام مسلمي العالم لحماية مسلمي ميانمار، حيث أكد المهتمون أن الأزهر "يمتلك العديد من أوراق الضغط على حكومة دولة ميانمار لوقف المجازر غير الإنسانية ضد المسلمين هناك، وحيث بدء تأثير التحرك الأزهري، بتحرك دولي غربي أميركي ضد حكومة ميانمار".
دخول الإسلام
كانت بداية دخول الإسلام بورما عن طريق (أراكان) -ولاية ضمن جمهورية ميانمار، والتي تضم أكبر تجمع لأهل هذا البلد- في القرن الأول الهجري عن طريق الصحابي وقّاص بن مالك.
ويقول مؤرخون إنّ الإسلام "وصل إليها عبر (أراكان) في عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد، في القرن السابع الميلادي عن طريق التجار العرب، حيث أُعجب أهل ميانمار بأخلاقهم فدانوا بدينهم، وعملوا في الزراعة في البدء، ثم هيمنوا على التجارة واستوطنوا في كثير من البقاع، حتى أصبحت بعد ذلك دولة إسلامية حكمها 48 ملكًا مسلمًا على التوالي ما بين عامي 1430 و1784م".
ومما يدل على قِدَم وجود المسلمين في هذه الدولة - حسب ذات المؤرخين - بعض الآثار التاريخية كمسجد بدر المقام في أكياب عاصمة أراكان، ومسجد سندى خان الذي بني منذ 560 عامًا، ومسجد الديوان موسى الذي بُني عام 1258م، ومسجد ولى خان الذي بني في القرن الخامس عشر ميلادي.
تعتبر أراكان ركنًا من ميانمار، وتمثّل أكبر تجمّع إسلامي فيها، كما يوجد تجمّعات أخرى للمسلمين في كل من: (ماندلي وديفيو وشاه ومكاياه والعاصمة رانجون) وغيرها، حيث يقع على تلك التجمّعات أعظم ضغط جماعي مِن قِبل حكومة ميانمار العسكرية.
أما العنصران الأساسيان من سكانها والموجودان فيها حاليًا هما: (الروهينجا) الذين يدينون بالإسلام وينحدرون من جذور عربية وفارسية وهندية وتركية، أما العنصر الثاني فهو (الماغو) الذين يؤمنون بالبوذية، بالإضافة إلى أقليات عرقية متعددة.
احتُلت أراكان من قِبَل الملك البوذي (بوداباي) عام 1784 الذي قام بضم الإقليم إلى ميانمار خوفًا من انتشار الإسلام في المنطقة، واستمر البوذيون البورميون في اضطهاد المسلمين ونهب خيراتهم وتشجيع البوذيين الماغو على ذلك طوال فترة احتلالهم.
جهود الأزهر
يقول الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر لـ"إيلاف" إن الأزهر "قدم الدعم الكامل لمسلمي ميانمار على مدار السنوات الماضية، ومؤخرًا قرر الإمام الأكبر زيادة هذه المنح الدراسية، وأبدى استعداده لاستقبال المزيد من طلاب بورما أيا كان عددهم عقب الأزمة الأخيرة، كما وعد شيخ الأزهر أيضًا بفتح قنوات للحوار مع الحكومة والجهات المعنية هناك من أجل حل مشكلة مسلمي ميانمار، كما يقوم الأزهر منذ سنوات بدعم جامعة الأزهر في ميانمار بالكتب والوثائق الإسلامية، كما يقدم كافة الدعم المادي للمساجد وتدريب أئمة المساجد هناك على نفقة الأزهر".
وكشف وكيل الأزهر أن جهود دعم مسلمي ميانمار لم تتوقف، حيث وافق شيخ الأزهر على إرسال قوافل طبية وغذائية، للاجئين على الحدود، كما يقوم الدكتور الطيب بالتواصل مع جميع المنظمات الإسلامية لتكوين موقف موحد لدعم مسلمي ميانمار ووقف المجاز البوذية ضدهم، كما قام الطيب بمناقشة الأزمة مع المستشارة الألمانية، وهناك لقاءات منتظرة سيقوم بها الطيب مع زعماء العالم من أجل تكوين رأي عام دولي تجاه حكومة ميانمار، حيث أن هناك أملًا كبيرًا لفرض عقوبات اقتصادية على الحكومة هناك.
وذكر شومان أن الأزهر أول جهة في العالم أعطت اهتمامًا كبيرًا لمعاناة مسلمي ميانمار، إذ دعا في شهر يناير 2017 لمؤتمر دولي حضره كبار قيادات العالم الإسلامي، وتم خلال المؤتمر توجيه كافة الدعم لمسلمي بورما، حيث استضاف المؤتمر ممثلين عن التيارات الدينية في ميانمار للتوافق والحوار فيما بينهم، ولكن لم يحدث بينهما اتفاق بسبب الحكومة البوذية هناك، كما طالب المؤتمر (الذي عقد تحت رئاسة الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر) المجتمع الدولي بضرورة التحرك محذرًا من تعرض المسلمين لمجازر وحشية وإبادة جماعية مستقبلًا وهو ما حدث بالفعل مؤخرًا.
تحرك دولي
من جانبه، دعا أسامة العبد، رئيس اللجنة الدينية بمجلس النواب المصري، المجتمع الدولي إلى التكاتف واتخاذ موقف قوي حاسم لمأساة المسلمين، مطالبًا الدبلوماسية العربية والإسلامية بالتحرك داخل مجلس الأمن ومجالس حقوق الإنسان الدولية لصدور قرار إدانة صريح ضد الحكومة في ميانمار، وعلى الدول العربية والإسلامية سرعة الإعلان عن غلق سفارة ميانمار في أراضيها، وقطع كافة التعاون الاقتصادي والسياسي مع دولة ميانمار، فالمقاطعة العربية الإسلامية خير رد فعل حاليًا حتي نخلق رأيًا عامًا دوليًا، على حد تعبيره.
وأشار العبد إلى أن اللجنة الدينية تؤيد تحركات الأزهر القوية تجاه الأزمة، فالأزهر يعتبر الجهة الوحيدة في العالم التي تتحرك بقوة لحماية حقوق مسلمي ميانمار، وأول جهة تحركت بتقديم الدعم المالي والمعنوي للاجئي بورما.
نتائج ملموسة
في السياق ذاته، أكد صلاح حسب الله، أستاذ العلوم السياسية وعضو مجلس النواب، أن الأزهر لديه العديد من الأوراق الهامة التي تحرك العالم خاصة على المستوى العربي والإسلامي لوقف المجاز ضد مسلمي ميانمار، حيث يتمتع الأزهر بتأثير قوي لدى حكام الدول العربية والإسلامية.
وأشار إلى أن الأزهر "سوف يسلك كافة الطرق الدبلوماسية والإنسانية والدينية للضغط على حكومة ميانمار لوقف الاضطهاد ضد "الروهينجا"، وهناك بشائر خير لتلك التحركات من بينها خروج إدانات واضحة من دول ألمانيا وأمريكا والفاتيكان ضد حكومة ميانمار، كما أعلن عدد من دول العالم عن تقديم مساعدات عاجلة للاجئي "الروهينجا" على الحدود.
وتوقع في تصريحاته لـ"إيلاف" تحركا مصريا سعوديا إسلاميا تجاه مساندة مسلمي "الروهينجا"، وقد يتبع ذلك مزيدًا من القرارات الاقتصادية تجاه حكومة ميانمار، على حد تعبيره.
التعليقات