برلين: بعد ثلاث سنوات على قرار المستشارة أنغيلا ميركل في 4 سبتمبر 2015 إبقاء أبواب ألمانيا مشرعة أمام مئات الآلاف من طالبي اللجوء، معظمهم من الفارّين من سوريا والعراق، في خطوة مفاجئة لقيت الكثير من الإشادات، صدم العالم السبت بمشاهد المتظاهرين من اليمين المتطرف، وهم يهاجمون الأجانب في إحدى المدن الألمانية.

وشهدت أوروبا بأسرها موجة تغيير كبيرة منذ اندلاع أزمة الهجرة في 2015. وباتت بريطانيا حاليًا على بعد أشهر فقط عن موعد مغادرتها الاتحاد الأوروبي، في وقت يشارك اليمين المتطرف في السلطة في كل من إيطاليا والنمسا. أما حزب "البديل لألمانيا" اليميني المتطرف فأصبح أكبر حزب معارض في البرلمان الألماني.&

وإن كان هناك عامل مشترك بين هذه التحولات في السياسات الأوروبية، فهو أزمة الهجرة التي استغلها مؤيدو بريكست والقوى اليمينية المتطرفة في أنحاء أوروبا، حيث باتت العدو العلني في حملاتهم.&

ورغم استخدامها شعار "بإمكاننا القيام بذلك" للدفاع عن موقفها، وافقت ميركل على تشديد القيود لمنع دخول مهاجرين جدد، في وقت يسعى الاتحاد الأوروبي إلى منع المهاجرين من الوصول إلى دوله. نتيجة لذلك، خف تدفق اللاجئين بشكل كبير.&

ففي ألمانيا التي سجلت 745545 طلب لجوء في 2016، لم يتم تسجيل إلا 93316 خلال النصف الأول من العام الجاري، بالمقارنة مع تسجيل 745545 طلب لجوء في 2016. تم كذلك تحقيق بعض التقدم في ما يتعلق بالاندماج، وهو ما تشير إليه معلومات صدرت في مايو عن مركز أبحاث "آي ايه بي" التابع لوزارة التوظيف، إذ تفيد أن واحدًا من أربعة طالبي لجوء وصلوا إلى ألمانيا منذ العام 2015 عثر على وظيفة.&

لكن الأستاذ الزائر في معهد "كارنيغي أوروبا" شتيفان ليني أشار إلى أن "الهجرة لا تزال تشكل أكبر تحدّ". أضاف "انخفضت أعداد الواصلين، لكن مستوى الهستيريا يرتفع، في وقت تبني الحركات الشعبوية وعدد متزايد من السياسيين من التيارات الرئيسة نماذج عملها على المشاعر المعادية للهجرة".&

في آخر مؤشر إلى الاستياء من الوافدين الجدد، تجمع المئات، معظمهم من الرجال البيض، في مدينة كيمنتس في شرق ألمانيا، حيث هاجم بعضهم الأشخاص الذين يبدو عليهم أنهم أجانب، بعدما انتشرت معلومات في الأسبوع الماضي أفادت أن عراقيًا وسوريًا قاما بطعن ألماني حتى الموت.&

عبر الأطلسي، صب الرئيس الأميركي دونالد ترمب في يونيو الزيت على النار، فقال في أحد تصريحاته "تم ارتكاب خطأ كبير في أنحاء أوروبا كافة، عبر السماح بدخول ملايين الأشخاص الذين غيّروا (للأوروبيين) ثقافتهم بشدة وعنف".&

خطر تفكيك الاتحاد الأوروبي
ويحذر بعض المحللين من أن أزمة الهجرة في أوروبا لم تنته، وقد تؤدي كذلك إلى تفكيك الاتحاد الأوروبي نفسه. في قراءة مشائمة للوضع، كتب المؤرخ البريطاني نيال فيرغوسن يقول: "لن تؤدي أزمة الهجرة في أوروبا إلى اندماج، بل إلى تشظٍّ". أضاف الأستاذ في جامعة "هارفارد": "إنني على قناعة متزايدة بأن المؤرخين مستقبلًا سيرون أن أزمة الهجرة هي العامل المفكك الذي قضى على الاتحاد الأوروبي". تابع بالقول إن "بريكست سيبدو في سجلاتهم كمجرد عارض مبكر للأزمة".&

تباينت ردود أفعال دول الاتحاد الأوروبي حول أزمة تدفق اللاجئين بشكل كبير عن ردود أفعالها حيال الأزمة المالية حين ضحت الدول بالقيود على النظام المصرفي لإنقاذ اليورو، بحسب ليني.

وقال "منطق العودة إلى القومية هذا المترافق مع تزايد العداء للأجانب وسياسات الهوية في الكثير من دول الاتحاد الأوروبي يعرقل حاليًا تطوير أدوات جماعية فعالة للتعامل مع تحديات الهجرة".&

القومية الدولية
كشفت أزمة الهجرة كذلك عن فجوة رئيسة بين الدول الأوروبية الغربية والتكتل الشيوعي السابق، حيث قاد رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان شرق أوروبا في رفض استقبال اللاجئين.

وقال الخبير السياسي البلغاري إيفان كراستيف في مقابلة مع صحفية "دي فيلت" "قبل عشرة أعوام كانت المشكلة الأكبر في أوروبا هي عدم رضا الأوروبيين الغربيين عن توسيع الاتحاد الأوروبي خشية أن يفقدوا وظائفهم".&

أضاف "لكن الأوروبيين الشرقيين يشعرون اليوم بأنهم الخاسر الأكبر". لكنه أعرب مع ذلك عن دعمه لقرار ميركل المصيري، حيث إن ترك الدول التي اعتبرت في واجهة الأزمة - إيطاليا واليونان - للتعامل معها وحدها عام 2015 "كان بإمكانه أن يشكل نهاية الاتحاد الأوروبي". واتهم وزير الداخلية الإيطالي ماتيو سالفيني أوروبا مرارًا بالتخلي عن بلاده.&

واستعدادًا لانتخابات البرلمان الأوروبي في العام المقبل، تحالف الوزير الإيطالي المتشدد مع دول مجموعة "فيسغراد" اليمينية (المجر وبولندا وسلوفاكيا وتشيكيا) لتأسيس معسكر مناهض للهجرة. وأعرب ليني عن أمله بأن يؤدي "ظهور +القومية الدولية+ إلى حراك مضاد من قبل القوى السياسية المؤيدة لأوروبا"، مشيرًا إلى أن ذلك بإمكانه فتح أبواب النقاش الصحي والضروري بشأن مستقبل الاتحاد الأوروبي.&

لكنه حذر من أن "نقاشًا كهذا يحمل مخاطر، حيث ستبقى شرائح واسعة من الرأي العام تشعر بأنها مهمشة من الاتحاد الأوروبي، لكن بإمكان ذلك أن يتحوّل إلى حافز للتغيير الإيجابي. بعض العواصف ضرورية لتنظيف الهواء وتقديم لمحة أفضل عمّا يحمله المستقبل". &
&