واشنطن: مرة جديدة يبلغ مستوى الإنفاق في حملة الانتخابات الأميركية مستويات مذهلة، إذ يتوقع أن يخصص المرشحون الجمهوريون والديموقراطيون 4,5 مليارات دولار لإعلاناتهم التلفزيونية حتى موعد الانتخابات التشريعية في السادس من نوفمبر، غير أن اعلانا عبر الفيديو لم تتخطَ كلفتة عشرة آلاف دولار قد يكون الأشد وقعا بينها كلها.

حين علمت النيويوركية الشابة الحديثة العهد في السياسة ألكسندريا أوكازيو كورتيز أن مخرجين يتقاسمان معها قيمها اليسارية يعرضان عليها إنتاج إعلانها لقاء أقل من عشرة آلاف دولار، سارعت إلى قبول العرض بدون تردد.

كانت تلك فرصة مفاجئة لحملتها المحدودة الموارد.

أثمر هذا التعاون إعلانا تظهر فيه المعلمة والنادلة سابقا البالغة من العمر آنذاك 28 عاما، تلتقي الناخبين في حيها الواقع بين برونكس وكوينز.

تقول المرشحة الشابة المتحدرة من أصول لاتينية وخاضت حملة الانتخابات التمهيدية الديموقراطية ضد خصم من أبرز وجوه الحزب أن "هذه الانتخابات صراع بين الشعب والمال".

وتطمح أوكازيو كورتيز للفوز بمقعد من مقاعد مجلس النواب الـ435 في انتخابات السادس من نوفمبر التي سيتم خلالها ايضا تجديد ثلث أعضاء مجلس الشيوخ وعدد من المناصب المحلية.

وسرعان ما انتشر إعلانها الذي يتميز بنبرته الإنسانية والصادقة والمتحدية في آن، ولقي رواجا كبيرا على الإنترنت مسجلا 5,1 ملايين&مشاهدة.

وبعد أربعة أسابيع، صدمت قيادة الحزب بفوزها في الانتخابات التمهيدية.

- "يمكننا إسقاطهم" -

ثمة عدة مرشحين على غرارها، يخوضون السياسة للمرة الاولى، معظمهم ديموقراطيون يطمحون لاستعادة السيطرة على مجلس النواب من الجمهوريين المؤيدين للرئيس دونالد ترمب، وهم يحاولون أن يقدموا أنفسهم مباشرة إلى الناخبين مثلما فعلت المرشحة.

وقال نيك هايز أحد مؤسسي شركة "مينز أوف بروداكشن" التي أنتجت إعلان أوكازيو كورتيز، إن الانترنت يوفر فرصا حقيقية للوافدين الجدد إلى السياسة.

وأوضح لوكالة فرانس برس أن "شبكات التواصل الاجتماعي والحملات الرقمية أوجدت للمرشحين الذين لا يملكون أربعة ملايين دولارات دفعتها لهم شركة كبرى، إمكانية إسماع أصواتهم والتواصل مع الناخبين بطريقة لم تكن ممكنة حتى الآن".

وتابع أنه "بالحفاظ على وجود قوي على شبكات التواصل الاجتماعي، وتوجيه رسالة فعالة، والبقاء على المسار وتناول السياسات التي تهم الطبقة العاملة، يمكن إسقاط هؤلاء الأشخاص"، متحدثا عن كبار الشخصيات السياسية.

ومن المتوقع تخصيص حوالى 800 مليون دولار للإعلانات على الإنترنت في حملة انتخابات نوفمبر، مقابل 3,7 مليارات دولار للإعلانات التلفزيونية، بحسب مجموعة "كانتار ميديا".

وأوضح نيل أوكسمان المستشار السياسي الذي عمل على إعلانات مئات المرشحين منذ الثمانينات لفرانس برس أن "شبكات التواصل الاجتماعي أحدثت تبدلا عميقا في طريقة تواصل فرق الحملات مع الناخبين".

وأضاف "يمكننا الآن رؤيتها مجانا على هاتفنا".

- قصص أبطال -

هل يمكن لهذا المشهد الإعلاني الجديد أن يساعد الديموقراطية ماري جينينغز "إم جاي" هيغار، الطيارة السابقة في سلاح الجو الأميركي، على هزم الجمهوري الذي يشغل منذ 16 عاما مقعد مجلس النواب عن دائرتها المحافظة في ولاية تكساس؟

فهي وقعت "أفضل إعلان سياسي شاهدناه حتى الآن" بحسب المؤلف الموسيقي ونجم برودواي لين مانويل ميراندا.

تروي جينينغز في الإعلان كيف نجت من هجوم على مروحيتها في أفغانستان.

تقول المرشحة الأربعينية خلال ثلاث دقائق ونصف، وهي تتناول الطعام بهدوء مع عائلتها وخلفها باب المروحية معلقا على جدار منزلها، "تشبثت بقاعدة المروحية ورددت على نيران طالبان بإطلاق النار عليهم فيما كنا نعود إلى منطقة آمنة".

وفيما تعزف موسيقى فرقة الروك "رولينغ ستونز" في خلفية الإعلان، تتحدث جينينغز عن صراعها لتخطي القيود المفروضة على تقدم النساء في السلك العسكري، كما تتناول مسألة العنف الأسري على ضوء معايشتها العلاقة بين والديها.

كانت هيغار بابتسامتها المشعة وذراعيها الموشومتين، مجهولة تماما حين باشرت حملتها. ومع انتشار إعلانها وتحوله إلى ظاهرة حقيقية مع حوالى ثلاثة ملايين مشاهدة حتى الآن، بدأت الهبات تصب في صناديق حملتها واشتد السباق.

ونشر الإعلانات الطويلة التي يسمح بها الإنترنت ليس حكرا على الديموقراطيين وحدهم.

واستخدمت هذه الوسيلة المحافظة مارشا بلاكبورن وهي نائبة مرشحة لأحد مقاعد مجلس الشيوخ عن تينيسي، تعرف عن نفسها قائلة "لا أتمتع باللياقة السياسية وفخورة بذلك".

وتنتقد بلاكبورن برنامج التخطيط الأسري الأميركي في مقطع فيديو طويل، تضمنه إشارة مثيرة للجدل إلى قيام البرنامج بـ"بيع أجزاء من أجساد أطفال"، وهو تعليق اعتبر "تحريضيا" بحسب موقع تويتر الذي حظر عليها لفترة الترويج لإعلانها إن لم تسحبه.

ورفضت بلاكبورن الامتثال، ثم حولت الجدل إلى حجة ساعدتها في جمع الأموال.
&