تتحكم نظرية المؤامرة بالعقل العربي، لأنها تريحه من عناء البحث عن أسباب الفشل، وتغني عن نقد الذات، وتغذّي الشعور بأن العرب ضحية لمتآمرين، لولاهم كان وضع الوطن العربي أفضل.

إيلاف من القاهرة: هذه برتوكولات حكماء صهيون؛ مؤامرة صهيونية إمبريالية مع الرجعية العربية ضد حركات التحرر العربية؛ فتش عن أميركا في كل مؤامرة؛ الربيع العربي مؤامرة لإضعاف العرب... هذه شعارات يعلق عليها العرب فشلهم الدائم منذ ضياع فلسطين في عام 1948... وما زالوا.

في استفتائها الأسبوعي، سألت "إيلاف": كم تبلغ نسبة العرب الذين يؤمنون بنظرية المؤامرة؟ يقول 90 مشاركًا من أصل 1193 مشاركًا في الاستفتاء، أي بنسبة 7 في المئة، إن أقل من 25 بالمئة من العرب يؤمنون بنظرية المؤامرة.&

في المقابل، يرى 31 مشاركًا (3 في المئة) أن النسبة تراوح بين 25 و50 بالمئة، بينما 185 مشاركًا (16 في المئة) يرون أن النسبة تراوح بين 50 و75 بالمئة، في مقابل نسبة غالبة تصل إلى 74 في المئة (887 مشاركًا) تقول إن نسبة الإيمان بنظرية المؤامرة بين العرب تفوق 75 في المئة. لا شك في أن هذا التقدير لا يُجافي الحقيقة تمامًا.

قبضة قائد مطلق
رد الكاتب حسن العطار مسألة الإيمان العربي العميق بنظرية المؤامرة إلى كتاب "اليد الخفية: مخاوف الشرق الأوسط من المؤامرات"، الذي قال فيه المؤرخ الأميركي دانيل بايبس: "اليوم، العرب والإيرانيون هم أكثر شعوب العالم إيمانًا بنظريات المؤامرة، وأشدهم حماسة على نشرها، وإلى حد ما، يرجع هذا إلى ثقافة هذين الشعبين، فلكليهما&تراث أدبي غني بالخرافات ذات المعاني العميقة، ونظرياتهم التآمرية مليئة بالخيال، وهناك سبب وجيه أيضًا يساعد على نشوء هذه النظريات التآمرية، فإيران والدول العربية في قبضة قائد مطلق، سواءً أكان علمانيًا أو رجل دين، وهؤلاء يخضعون كل شيء لتحقيق أغراضهم وأهدافهم: التعليم، وسائل الإعلام، القانون، الجيش وغيرها من المؤسسات. في هذه المجتمعات، قلة قليلة العدد من أصحاب الامتيازات تعلم بالحقائق الصحيحة، فيجعل الخوف والجهل الجماهير تحت رحمة الشائعات والخيالات، ولهذا يتخلى الناس عن مبادئ البحث العلمي المألوفة للتحقق من الأحداث، ويلجأون إلى فكرة أن ثمة قوى تعمل في الخفاء، ما يفتح المجال أمام الأساطير والخرافات التي تنبع من خيال الإنسان الواسع".

تابع العطار في مقالته: "آن الأوان لنتخلص من الشماعة التي نعلق عليها فشلنا، وأن نتمتع ببعض الموضوعية عند مناقشة أخطائنا وأزماتنا، وبدلًا من أن نعلق أسباب الخطأ والفشل على نظرية المؤامرة، علينا أن نبحث عن الأسباب الحقيقية ونتعلم منها، كي لا نكررها في المستقبل. لا يحتاج العرب أعداء خارجيين ليتآمروا عليهم، فقد كشفت الخلافات الأخيرة بين بعض الدول العربية أنهم يتآمرون على بعضهم البعض، وبعضهم يستعين بدول أجنبية".

غرب متآمر
بحسب الباحث جواد مبروكي، ينشأ الطفل العربي في جو يسوده فكر التآمر ضد شعبه ودينه وأمته، "ويُرسّخ هذا الفكر في ذهنه أن الغرب بكامله يتآمر ضد أمته، ويمنع أبناءها من التقدم والازدهار. واستنادًا إلى الفكر التآمري في ذهنية الطفل العربي، يتم تصوير الغرب على شكل كفار يحقدون على الإسلام ويحملون الشر والعداء لأمته، وهم بالتالي أعداء له يغزون عالمه بأفكارهم وفلسفاتهم المتقدمة ظاهريًا التي هدفها بحسب تصوره إبعاد العربي عن دينه، على اعتبار أن الإسلام أفضل دين، والعرب خير الأمم، وعالم الغرب يهابها ويسعى ليل نهار إلى القضاء عليها".

أضاف مبروكي: "يتربى الطفل العربي المسلم في جوٍ حربي آخذًا حذره من أعدائه الغربيين الكافرين، وإذا تحدث معه ابن أمته ووطنه وقبيلته بفكرٍ متفتح وحكيم ومُنصف، تراه يتهمه بتحالفه مع الغرب ضده، وهذا هو الذي يجعل الفكر العربي والإسلامي المعاصر في قفص الانغلاق والتخوين والتكفير".

هذا الفكر هو سبب التعصب وعلة غياب التسامح، فكيف للمجتمع العربي أن يتحرر من فكر المؤامرة ويطور نفسه وينفتح على الآخر ويحترم اختلافه ويحقق التعايش؟

قال مبروكي: "للتحرر من هذا الفكر لا بد من إعادة النظر في أساليب التربية في مجتمعاتنا العربية واستبعاد كل ما هو هدام للحضارة الإنسانية، ونعيد النظر في المفاهيم الموروثة، ونكسر الجدران التي بنيناها بأفكارنا وأبعدتنا عن العالم بأن جزأته إلى عالمين معسكر العرب أو المسلمين ومعسكر الكفار أو الغرب".

تريح العقل
قال الباحث علي أديب إن سمة العقل العربي أصبحت "الإيمان بنظرية المؤامرة التي تريح العقل من عناء البحث عن الأسباب، وتغني المراقب عن نقد الذات، وتغذي الشعور بأننا ضحايا لأعداء متآمرين، لولاهم لكان وضعنا أفضل كثيرًا".

أضاف: "لا يحتاج من يطرح تفسيراته للآخرين بناء على تلك النظرية عادةً لا يحتاج عناء كبيرًا لإثباتها، فالتدخلات الخارجية حتى وإن كانت ردود أفعال لأحداث محلية تغذي تلك النظرة وتريح العقل العربي من عناء النظر في المرآة وتشخيص المثالب".

بحسبه، أحدث نظريات المؤامرة العربية هي مخطط الربيع العربي الذي يستند إلى نظرية الفوضى الخلاقة التي تبنتها إدارة جورج بوش في سعيها إلى إحداث تغييرات جذرية في المنطقة العربية، بدأتها بحرب العراق.

قال: "يمكننا أن نتساءل ونحن نحاول أن نتبع أسلوبًا مغايرًا للتفكير التقليدي العربي: كيف يمكن لجهة، أيًا كانت قوتها، أن تحطم سدودًا من الطغيان وتضمن أن تتمكن من التحكم في الأمواج الهادرة التي ستفيض منه؟، ثم ما هي المصلحة الحقيقية في إزالة أنظمة تتمتع بتحالفات قوية مع الغرب كنظامي مبارك وبن علي مثلًا، والمراهنة على المجهول الذي سيأتي بعدهما؟ (...) لا توجد لدى مروجي نظرية مؤامرة الربيع العربي أية إجابة عن آليات التنفيذ التي يعتمدها الغرب في خلق تلك الثورات، أو في الفائدة التي جنتها الدول الغربية حتى الآن من هذه الفوضى. كما إن هناك تجاهلًا مخلًا بالحقائق لرغبات الشعوب، واحباطاتها ومعاناتها مع كم الفساد والديكتاتورية الهائلين اللذين ولدا ضغطًا متزايدًا لم يحتج أكثر من الراحل محمد بوعزيزي لينطلق من عقاله ويعصف بالعديد من الطغاة".

من أنتم؟
في مقالة نشرها الشيخ عائض القرني في "الشرق الأوسط"، استغرب العقلية العربية التي تتعامل مع الأحداث على أنها مؤامرات خارجية، حيث قال: "متى تكفون يا أعراب عن عقدة المؤامرة، من أنتم حتى يتآمر عليكم العالم؟ من حضراتكم حتى تشتغل بكم القوى العظمى؟ لماذا يستهدفكم العالم وعلى ماذا يحسدكم؟ على ثرواتكم، بينما شعوبكم تذوق الجوع والعري والجهل والمرض والتخلف؟ أم يستهدفكم على صناعاتكم وإنتاجكم ومراكز البحوث عندكم ومصادر الطاقة وصروح المعرفة ومخازن الأسلحة والمدمرات والبارجات والمراكب الفضائية وحاملات الطائرات، وأنتم لا تستطيعون صناعة سيارة، بل أنتم في ذيل قائمة دول العالم صناعة وزراعة وتعليمًا وتنمية وإنتاجًا. إن ميزانية شركة غربية واحدة أكبر من ميزانية دولكم مجتمعة".

أضاف: "أميركا وأوروبا والصين واليابان وكندا وروسيا منهمكون في المصانع والمعامل وصنع النووي وإنتاج الطاقة، وغارقون في الاكتشافات والاختراعات، وقد تكون لهم وجهة نظر في هذه الأنظمة. أما آن لنا نحن العرب أن نشتغل بعيوبنا ونصلح أخطاءنا ونراجع أنفسنا ونتوب من عقدة المؤامرة التي أصبحت نكتة سمجة ولعبة مكشوفة؟". يبنى الخبراء الأمنيون نظرية المؤامرة بقوة، ويعتقدون أن ما حصل في الماضي، وما يحصل في المرحلة الراهنة نتائج لتآمر الغرب ضد دول المنطقة العربية.

مؤامرة التفتيت
يتبنى&الخبراء الأمنيون نظرية المؤامرة بقوة، ويعتقدون أن ما حصل في الماضي، وما يحصل في المرحلة الراهنة نتائج لتآمر الغرب ضد دول المنطقة العربية.

ووفقًا للخبير الأمني، اللواء فؤاد حسين، المدير السابق، لإدارة مكافحة التجسس والإرهاب الدولي بمصر، فإن المؤامرة موجودة دائمًا وقائمة ضد دول المنطقة، مشيرًا إلى أن الغرب يسعى باستمرار إلى السيطرة على الدول العربية، ونهب ثرواتها.

أضاف لـ"إيلاف" أن إسرائيل دول أسست على المؤامرة، وهذا ثابت تاريخيًا، وتم تقسيم الدول العربية بعد إنهاء الاحتلال بناء على نظرية المؤامرة، منوهًا بأن ما يسمّى بـ"الربيع العربي"، اندلع من أجل تفتيت الدول العربية، إعادة تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ من جديد.

وأوضح أن المؤامرة نجحت فيما بعد 2011 إلى حد كبير ضد سوريا وليبيا واليمن، كما نجحت في العراق قبل هذا التاريخ، مشيرًا إلى أن المؤامرة الغربية نشرت الفوضى في سوريا، ودمرت الدولة ومؤسساتها، وحولتها إلى ما يشبه الدويلات، التابعة لقوى إقليمية ودولية، منها التابع لأميركا وتركيا وإيران وفرنسا وبريطانيا وروسيا، والمخطط الذي يجري تنفيذه في سوريا هو تقسيمها على أسس طائفية وعرقية إلى دويلات تأتمر بأوامر القوى التي تمولها بالسلاح وتحميها، حتى تظل هذه الدويلات متناحرة إلى ما لا نهاية.

وأشار إلى أنه لولا المؤامرة ما سقطت ليبيا في الفوضى، لافتًا إلى أن الناتو تدخل بخبث من أجل إسقاط نظام حكم معمر القذافي، ومازال الغرب وتركيا وقطر يغذون الفوضى عبر دعم الميليشيات المتناحرة هناك على أسس قبلية ومناطقية، ويرفض الغرب رفع حظر السلاح عن الجيش الليبي، حتى تستمر غارقة في الفوضى.

وقال إنه استمرارًا لنظرية المؤامرة، لا تجد مصر من يصغي إليها في طلبها دعم الجيش الليبي، وجهودها في توحيد المؤسسات العسكرية، حتى يتم توحيد البلاد واستعادتها من الميليشيات المسلحة.

بينما يرى الخبير الأمني، اللواء طلعت مسلم، أن النظام الدولي قائم على المؤامرة، مشيرًا إلى أن الدول القوية تتأمر على بعضها البعض، وعلى الدول الصغرى، وأجهزة الاستخبارات لا تهدأ ليلًا أو نهارًا.

وأوضح لـ"إيلاف" أن أبرز&دليل على نظرية المؤامرة، هو ثبوت تجسس أميركا على الدول، بما فيها حلفاء بها مثل ألمانيا، وتسجيل ملايين المكالمات الهاتفية للمواطنين والمسؤولين السياسيين، وتجسس إسرائيل على أميركا رغم الدعم غير المحدود لها، والتجسس المتبادل بين أميركا وروسيا أو روسيا وبريطانيا، والاتهامات الأميركية لروسيا بالتأثير على الانتخابات الرئاسية التي فاز بها الرئيس دونالد ترمب.

وذكر أن ما يحدث في دول المنطقة العربية حاليًا هو نتائج مؤامرة حيكت منذ &سنوات طويلة، مشيرًا إلى أن المؤامرة الراهنة تسعى إلى تفتيت الدول وهدم مؤسساتها، ولاسيما القوات المسلحة فيها، من خلال ما تعرف بـ"حروب الجيل الرابع".

أضاف أن أميركا والغرب الأوروبي وجدوا أن الحروب التي خاضوها في أفغانستان والصومال والعراق، أصابت قواتهم المسلحة بالإنهاك، وأدت إلى خسائر اقتصادية هائلة، وخططوا للاستمرار في تدمير الدول العربية والإسلامية، عبر إنشاء وتمويل مجموعات إرهابية تحارب بالنيابة عنه القوات الأمنية والجيوش الوطنية، من أجل إنهاكها وتدمير اقتصادها، وإضعاف هذه الدول، وفي الوقت نفسه تحقيق مكاسب عبر تصدير الأسلحة.

نظرية الديكتاتوريات
في المقابل، يرى الباحث في الشؤون الإقليمية، محمد يسري، أن الأنظمة العربية الديكتاتورية تتبنى نظرية المؤامرة باستمرار، باعتبارها استراتيجية ناجحة لتعليق الفشل في التنمية الاقتصادية عليها، والاستمرار في الحكم وتأجيل تطبيق الديمقراطية، مشيرًا إلى أن هذه النظرية تتيح لتلك الأنظمة قمع المعارضة واتهامها بالخيانة وسجن رموزها أو حتى إعدامهم بضمير مرتاح.

وأضاف لـ"إيلاف" أن تلك الأنظمة تستخدم الإعلام التقليدي من أجل تغذية هذه النظرية لدى شعوبها، كما إنها تستخدم حاليًا شبكات التواصل الاجتماعي من أجل هذا الغرض أيضًا، متسائلًا: أين المؤامرة حينما أقدم صدام حسين على غزو الكويت؟ أين المؤامرة في قصف بشار الأسد للمعارضة والمواطنين السوريين بالطائرات والبراميل المتفجرة وتدمير المنازل بالدبابات والطائرات، وهو النظام الذي لم يطلق رصاصة واحدة على الإحتلال الإسرائيلي للجولان منذ العام 1973، أي منذ أكثر 45 سنة؟ أين المؤامرة الغربية عندما تحالف الراحل علي عبد الله صالح مع أعدائه الحوثيين ضد بلاده اليمن، ونقض الاتفاقية التي وقعوا عليها للمرحلة الانتقالية في اليمن لمدة عامين، وتأسيس نظام ديمقراطي؟.

تساءل أيضًا: أين المؤامرة على الفلسطينيين، ومصر تسعى منذ 11 سنة إلى جمعهم إلى طاولة مفاوضات واحدة من أجل المصالحة بين فتح وحماس وباقي الفصائل، حتى يمكنهم التوحد واستعادة وطنهم من الاحتلال الإسرائيلي؟.

غير أن عبد العزيز، لم ينكر وجود المؤامرة كليًا، مشيرًا إلى أن المؤامرة لا تنجح إلا على الضعفاء، ولا تنجح إلا إذا وجدت بيئة خصبة لها، حيث التشرذم والتناقض والتناحر على أسس طائفية وعرقية وقبلة، والمنطقة لديها جذور عميقة من الخلاف والتشرذم والإيمان العميق بالقبلية والعرقية والطائفية أكثر من الإيمان بالدولة والوطن.