بعد أن أصبحت مدارس موازية، تشن الحكومة المصرية حملات مكثفة على مراكز الدروس الخصوصية، وتقدر الإحصاءات الرسمية حجم الأموال التي تلتهمها هذه المراكز من الأسر بنحو 22 مليار جنيه سنويًا أي ما يعادل 123 مليون دولار أميركي.
&
القاهرة: أعلنت الحكومة المصرية الحرب على مراكز الدروس الخصوصية، بعد أن تحولت إلى ما يشبه "المدارس الموازية"، فضلًا عن ارتكاب العديد من الحوادث فيها، ومنها الضرب بقسوة، وانتشار مواد إباحية بين الطلاب.

وأغلقت وزارة التربية والتعليم عددًا من المراكز في أحياء مصر الجديدة والجيزة العاصمة القاهرة، ومحافظات الإسكندرية والدقهلية والقليوبية وكفر الشيخ. وتجهز الوزارة مشروع قانون يجرم الدروس الخصوصية، ويعاقب المعلمين وأصحاب مراكز الدروس الخصوصية بالغرامة والحبس.

ووفقًا &للإحصائيات الرسمية، فإن عدد مراكز الدروس الخصوصية يتجاوز 20 ألف مركز، ويقدر حجم أرباحها بأكثر من 22 مليار جنيه سنويًا أي ما يعادل 123 مليون دولار أميركي.

وكشفت جولة لـ"إيلاف" عن انتشار مراكز الدروس الخصوصية، في المناطق القريبة من المدارس، حتى يسهل عليها اصطياد المدرسين والطلاب، وبدأت الجولة من حي الدقي الراقي، حيث يضم عددًا كبيرًا من المراكز تتركز أغلبها في المربع ما بين شوارع التحرير والدقي وخلف مديرية أمن الجيزة ومجلس الدولة، ويضم هذا&المربع العديد من المدارس الحكومية والخاصة ومدارس المعاهد القومية.

ويقبع في المبنى المواجه لمجلس الدولة ثلاثة مراكز، بمجرد الاقتراب من هذه البناية تلحظ الأطفال يلهون مع بعضهم البعض في مدخليهما أو أمامهما، انتظارًا للدخول إلى "البريفت" كما يطلقون عليه، أو "الدرس الخصوصي"، بينما يجلس أولياء الأمور في بهوي العمارتين الواسعتين، وقالت إحدهن وتدعى مروة محمد، إن ابنها يدرس في مدرسة بالدقي، مشيرة إلى أنها حضرت معه للحصول على الدرس في مادة الانكليزي.

وقالت لـ"إيلاف" إن المركز الذي يتلقى فيه ابنها الدرس يحصل على 15 جنيهًا، بينما تحصل المعلمة على مبلغ 40 جنيهًا في الساعة الواحدة، أي أنها تدفع 55 جنيها في الساعة أي نحو ثلاثة دولارات أميركية، منوهة بأنها لا تأتي إلى المركز بالاسم، بل جاءت من أجل المعلمة التي تدرس المادة نفسها لطفلها في المدرسة، وهي تعطي الدروس في هذا المركز.

صفقات؟

وأضافت أن هناك صفقة معروفة بين الطرفين المركز والمدرس، يتضمن أن يوفر المركز القاعات للمدرسين بالمجان، بينما يوفر المدرس الطلاب، ويحصل المركز من كل طالب على ما يتراوح بين 10 و15 جنيهًا، ويبيع المركز المشروبات والمأكولات للأطفال أيضًا، ويستقبل المركز مئات الطلاب يوميًا.

وكشفت أنها تحضر إلى المركز مع ابنها مرتين في الأسبوع، ويحصل على درس آخر في مادة الرياضيات، ويحصل المركز على 15 جنيهًا، بينما يحصل مدرس المادة على 60 جنيهًا، أي أنها تدفع 75 جنيهًا في مادة "الرياضيات" في الساعة أي ما يعادل 3.5 دولارات أميركية.

وفي داخل أحد المراكز بالدقي، لاحظت "إيلاف" تكدسًا كبيرًا للأطفال، لدرجة أن هناك صعوبة في الوقوف أو التنفس، ويجلس موظفان على مكتب في مدخل المركز، أمام أحدهما دفتر أو سجل مشابه لدفتر الحضور والانصراف في المصالح الحكومية، يدون فيه الموظف اسم الطالب والمعلم، ويحصل منه على أجر المركز المقدر بـ"15 جنيهًا" في الساعة، وإلى جانبه ثلاجة ضخمة تضم علب عصير وكانزات وأرفف عليها البسكويت والشيبسي، بينما يسلم الطالب أجر المعلم إليه مباشرة قبل أن يبدأ في الشرح.

وقالت ولية الأمر نهى السيد، إنها لديها طفلة تحضرها إلى هذا السنتر، للحصول على دروس في ثلاث&مواد هي الانكليزي والرياضيات والعلوم، مشيرة إلى أن المركز يحصل منها على 15 جنيهًا عن الطفلة في الساعة لكل مادة، بينما يحصل مدرس الانكليزي على خمسين جنيهًا في الحصة، ويحصل مدرس "الرياضيات" على 60 جنيهًا، ويحصل مدرس "الساينس" على 65 جنيهًا.

وأضافت لـ"إيلاف" أن القاعة عادة ما تكون مزدحمة، وتضم نحو 30 أو 40 طفلا، وهذا ما تقوله ابنتها لها، لاسيما أن المركز يمنع أولياء الأمور من دخول القاعات، مشيرة إلى أنها مضطرة للذهاب بابنتها إلى "السنتر" لأن وقت الحصة في المدرسة ضيق، والمدرسون لا يشرحون في المدرسة، حتى في مدارس اللغات والمدارس الخاصة، لأنهم يحصلون على رواتب ضئيلة، ويعتبر أصحاب المدارس أنهم يمنحون المدرس فرصة للثراء من خلال الدروس الخصوصية، لذلك يتغاضى المعلم عن المرتب، مقابل جذب الطلاب إلى "السناتر" والعمل بالساعة، مقابل 50 جنيهًا للطالب، وقد يحصل على 2500 جنيه&في اليوم الواحد.

وأوضحت أن الطفلة تحصل على دروس في "السنتر" بنحو 1200 جنيه&شهريًا، أي ما يعادل 68 دولارًا أميركيًا، وهناك المئات الآخرون من الطلاب، لاسيما أنه قريب من شارع المدارس بالدقي.

وفي الجيزة يوجد العديد من المراكز التعليمية وتقع في المربع ما بين شارع المدبح ومحطة مترو المنيب وشارع البحر الأعظم، حيث تضم هذه المنطقة العديد من المدارس التجريبية ومدارس اللغات والمدارس الحكومية.

غير مرخصة

وفي الجيزة الشعبية، تنخفض قيمة الرسوم وأجور المعلمين مقارنة بحي الدقي، وتتراوح الرسوم ما بين جنيهين وخمسة جنيهات للطالب في الساعة، ويحصل المدرس على ما يتراوح 15 و20 جنيهًا للساعة.

والتقت "إيلاف"، بأحد مديري المراكز في الجيزة، وكشف عالم هذا النوع من الأعمار، وقال إن نحو 99% من المراكز غير مرخصة، مشيرًا إلى أن&الحصول على ترخيص صعب جدًا، لاسيما في ظل تعدد الجهات التي سوف يتطلب موافقتها، ومنها وزارة التربية والتعليم، ثم الحي، ثم الإشغالات ثم الضرائب ثم الأمن الصناعي وقسم الشرطة.

وأضاف المدير الذي رفض الكشف عن هويته، أن المراكز تعمل في السر، وبعضها يتحايل على القانون ويعمل تحت ستار "مكتبة" أو مركز لتعليم اللغة الانكليزية، أو أي نشاط يسمح له بدخول الطلاب، ويبدأ في تجهيز القاعات، والإعلان عن نفسه للمدرسين والطلاب.

وأوضح أن غالبية المراكز هي من تسعى للوصول إلى المدرسين، لأن عملها يعتمد بالدرجة الأولى على المدرس، الذي يجلب معه الطلاب من المدرسة، ولكن الصعب أن يحضر الطالب إلى السنتر.

ولفت إلى أن المدرس يؤجر القاعة من السنتر بالساعة، وهناك طريقتين للعمل، إما أن يدفع للمركز قيمة تأجير القاعة وهو في مناطق الجيزة والمنيب وجزيرة الدهب، يتراوح ما بين جنيهين وخمسة جنيهات على الأكثر لكل طالب، ويحصل هو على الأجر كاملًا من طلابه، أو أن يترك تحصيل أجر المركز من الطلاب مباشرة.

وأضاف أن المراكز تبدأ في العمل مع شهر أغسطس من كل عام، حيث يسعى المدرسون إلى حجز القاعات ويبدأ الطلاب في التوافد استعدادًا للسنة الدراسية، وينتهي العمل في شهر يونيو مع نهاية العام الدراسي.

حيتان الدروس

وكشف أن "حيتان الدروس الخصوصية في مصر"، هي الجمعيات الخيرية، أو الجمعيات الإسلامية، موضحًا أن هذه الجمعيات تعمل بشكل رسمي ظاهريًا، لكنها في الحقيقة تخالف القانون.

وأضاف أن هذه الجمعيات تحصل في الترخيص الصادر لها على الحق في انشاء مستوصف ومركز لاعطاء مجموعات تقوية بالمجان أو بأسعار مخفضة، ولكنها في الواقع تضم مراكز للدروس الخصوصية، بها قاعات ضخمة قد يصل فيه العدد إلى 500 طالب، ويقبل عليها المدرسون لأنها مرخصة، وتتراوح قيمة ما يدفعه الطالب في الساعة بالجيزة على سبيل المثال ما بين 5 وعشرة جنيهات، في حين أن باقي المراكز تحصل على جنيهين أو ثلاثة على الأكثر، ويدفع الطالب للمدرس ما يتراوح ما بين 25 و40 جنيهًا للحصة.

ولفت إلى أنها تخالف القانون بالحصول على أجر مرتفع رغم أنها من المفترض أن تقدم الخدمة بالمجان أو بأسعار رمزية، في حين أن أسعارها أعلى من "السناتر" الأخرى، مشيرًا إلى أنها ترتكب مخالفة أخرى، وهي إنشاء مراكز دروس خصوصية خارج مقر الجمعية، لاسيما أن الترخيص القانوني يحظر عليها إقامة أية أنشطة خارج مقرها الرئيسي.

يستخدم العاملون في بزنس "السناتر" السوشيال ميديا ومواقع التسوق الشهيرة من أجل الإعلان عن نشاطهم واجتذاب الطلاب وأولياء الأمور، ويرفقون من الإعلانات صورًا للقاعات المجهزة والمكيفة. ومنها موقع "أوليكس" الشهير. وبمجرد كتاب كلمة "مركز" أو "سنتر" أو "دروس خصوصية"، سوف تحصل على آلاف المراكز التي تعلن عنها نشاطها.

وانتقلت أزمة مراكز الدروس الخصوصية إلى البرلمان، وتقدم النائب ماجد طوبيا بطلب إحاطة لوزير التربية والتعليم، بشأن انتشار كيانات وهمية تقدم الخدمة التعليمية للطلاب ، خاصة في مراحل التعليم التي لا توجد بها شهادة.

وأضاف طوبيا، أن هذه الكيانات انتشرت بكثرة في الفترة الأخيرة واستغل أصحابها ارتفاع مصاريف المدارس الخاصة وبدأ في ممارسة هذا النشاط المخالف للقانون الذي يؤثر على المنظومة التعليمية الجديدة التي تهدف للنهوض بالتعليم في مصر.

وطالب النائب، المواطنين بالإبلاغ عن هذه المدارس الوهمية، وشن حملات على هذه الكيانات، محذرا أولياء الأمور من الوقوع في فخ المدارس غير المرخصة "الوهمية" وضرورة الرجوع إلى الوزارة أو المديريات التعليمية قبل التقدم إلى المدرسة حتى يتسنى لهم معرفة ما إذا كانت المدرسة مرخصة من عدمه حتى لا يقعوا فريسة.

تقدم النائب عصام الفقي، بطلب إحاطة لرئيس مجلس الوزراء، ووزير التربية والتعليم بشأن هذه الكيانات، مؤكدا على ضرورة الاهتمام بالمدارس الحكومية حتى لا يلجأ المواطنون للمدارس الخاصة.

وأضاف في طلبه أن هذه الكيانات تستغل عدم وجود رقابة شديدة من قبل الوزارة وفى نفس الوقت تتعاقد مع إحدى المدارس الخاصة من اجل اعتماد شهادات الأطفال بالمخالفة للقانون، ولهذا لابد من زيادة الحملات المفاجئة على مراكز الدروس الخصوصية، ومصادرة كل الأجهزة الموجودة في المكان وتصدير المقر لصالح الدولة.

&