"لا يصح إطلاق اسم مستعمر على أحد الشوارع المصرية"، هذا ما صرح به محافظ القاهرة عاطف عبد الحميد بعد أن أثار قراره المبدئي بتغيير اسم شارع "سليم الأول" نوعا من الجدل في الشارع المصري، بناء على مقترح تقدم به أكاديمي متخصص في التاريخ المعاصر لحذف اسم السلطان العثماني.
وكان محمد صبري الدالي، أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة حلوان، قد تقدم بالمقترح لمحافظة القاهرة، مشيرا إلى أن السلطان سليم الأول جرد مصر من استقلالها، وجعلها ولاية تابعة للدولة العثمانية، فضلا عن قتله آلاف المصريين خلال دفاعهم عن بلادهم، وأعدم السلطان المملوكي "طومان باي"، آخر سلاطين المماليك وفكك الجيش المصري.
وفتح قرار تغيير اسم الشارع العديد من التساؤلات بشأن تاريخ السلطان سليم الأول ودخوله مصر وفترة الحكم العثماني تحديدا، وهل توجد أبعاد سياسية وراء القرار في وقت تتسم فيه العلاقات المصرية التركية بالتوتر؟
قال أحمد الدميري، مدير العلاقات الخارجية بمحافظة القاهرة، لبي بي سي إن القرار لا يحمل أي صبغة سياسية، مشيرا إلى محاولات سابقة من مؤرخين ومتخصصين في التاريخ الحديث طالبت المحافظة باتخاذ مثل هذا القرار على مدار سنوات.
وأضاف :"موافقة المحافظة على تغيير الاسم هي موافقة مبدئية حتى الآن، وليست وليدة اللحظة، بل توجد محاولات سابقة من مؤرخين وصلت إلى حد رفع دعاوى قضائية على محافظة القاهرة. وما زالت المحاكم تنظر فيها".
وأشار الدميري إلى أن الاسم البديل سيطرح من خلال "مناقشة شعبية" مع سكان المنطقة بالتعاون مع "المجلس الأعلى للتسميات، وهي لجنة تضم نخبة من أساتذة التاريخ والتربية والتعليم وأعضاء من محافظة القاهرة، وبمجرد الإجماع على اسم بديل لابد من موافقة مجلس الوزراء ونشره في الجريدة الرسمية ليصبح قرارا يدخل حيز التنفيذ".
وكان السلطان سليم الأول، وهو أحد السلاطين العثمانيين، قد بدأ حربا مع المماليك في منطقة الشام. والتقت القوتان في معركة عرفت في التاريخ باسم "مرج دابق"، انتصر فيها العثمانيون ودخلوا مدنا مثل حماة وحمص ودمشق وفلسطين ووصلوا حتى مدينة العريش في مصر.
وقاتل سليم الأول طومان باي، آخر سلاطين المماليك الشراكسة بمصر، في موقعة تعرف باسم "الريدانية" انتصر فيها العثمانيون ودخلوا القاهرة بعد سقوط الآلاف من الفريقين، وأعدم سليم الأول طومان باي عام 1517، في القاهرة.
"لا يخدم التاريخ"
وقال أحمد الشربيني، أستاذ التاريخ الحديث بجامعة القاهرة، لبي بي سي إن تغيير اسم شارع معين لا يغير من الأحداث التاريخية ولا يطمسها.
وأضاف :"أمثال السلطان سليم الأول دخلوا التاريخ وخلدوا أسمائهم، اتفقنا معهم أم اختلفنا، وتغيير اسم شارع لا يخدم التاريخ في شئ".
وأشار الشربيني إلى أن الكثير من شوارع مصر تحمل أسماء السلاطين العثمانيين، مؤكدا أن ثمة قضايا أهم بكثير في عصرنا من الاهتمام بتغيير أسماء الشوارع.
كما قال :"الحكم على الوقائع التاريخية وعلى فترة معينة متغير باختلاف الزمن ويخضع لأهواء المؤرخ"، ويطرح الشربيني سؤالا "إذا محونا اسم الشارع الآن، فهل نستطيع أن نمحوا ذكر سليم الأول من الكتب التاريخية ومناهج التاريخ التي تدرسها المدارس المصرية".
"غياب آلية التسمية"
من ناحية أخرى، يرى محمد عفيفي، أستاذ ورئيس قسم التاريخ بكلية الآداب جامعة القاهرة، أن اختيار أسماء الشوارع يخضع لأبعاد سياسية بحتة، ولا تحكمه ضوابط تاريخية أو علمية في ظل غياب آلية واضحة لتسمية الشوارع في مصر.
وقال :"إطلاق أسماء الشوارع في شتى أرجاء العالم هو عمل سياسي بامتياز، وهذا ليس عيبا أو مستهجنا، والمتعارف عليه أن التسمية تأتي لتمجيد شخص أو حادثة تاريخية تحمل ذكرى معينة".
وأضاف:"ربما نعرف سبب إلغاء تسمية شارع معين، لكن السؤال هو متى سميت أسماء الشوارع بأسمائها الحالية؟ وما هي أسباب التسمية؟ وفي ظل أي عصر أو حكومة اتخذ قرار التسمية بهذا الاسم؟"
وأشار عفيفي إلى ضرورة إطلاق اسم بديل "أقوى" من الاسم القديم إذا كان الهدف من القرار هو محو الاسم في حد ذاته، مستشهدا بتغيير اسم "ميدان الملكة نازلي"، زوجة الملكة فؤاد، إلى ميدان "رمسيس" في وسط القاهرة. وأصبح المواطن المصري لا يعرف اسما للميدان غير رمسيس لأن الملك الفرعوني "أقوى في الوعي المصري من الملكة نازلي بكثير" وبالتالي تحقق الهدف.
وحث عفيفي السلطات المصرية على وضع آلية ثابتة وواضحة للجميع لتسمية الشوارع، تفاديا للوقوع في أخطاء في المستقبل.
وتقول دائرة المعارف البريطانية إن السلطان سليم الأول ولد عام 1470 في تركيا الحالية، وتوفي في 22 سبتمبر/أيلول عام 1520 وكان قد نجح في ضم سوريا والحجاز ومصر للدولة العثمانية التي دفعها لزعامة العالم الإسلامي.
وكان سليم قد وصل إلى السلطة بعد صراعه مع اخوته ووالده، بايزيد الثاني، إذ نجح سليم في الاطاحة بوالده وطارد اخوته فقتلهم ليقضي على أي فرصة لهم لمنافسته أو تهديد حكمه. ثم تحول بعد ذلك إلى الشرق، حيث دخل في صراع مع الشيعة الإسماعيلية، مؤسسي الدولة الصفوية في إيران، التي مثلت تهديدا سياسيا وأيديولوجيا للدولة العثمانية السنية.
التعليقات