أصيلة: أوصى باحثون وخبراء في الموسيقى، المشاركون في المؤتمر الثاني للموسيقى في عالم الإسلام، المنظم في إطار موسم اصيلة الثقافي الـ 40، بالتعاون مع دار ثقافات العالم في باريس، بضرورة اتخاذ مبادرات جديدة من أجل ضمان الصون العاجل للتعبيرات الموسيقية في عالم الإسلام.

وأكد الخبراء الذين ناقشوا على امتداد يومين موضوع "صون الثقافات الموسيقية وانتقالها في عالم الإسلام"، يومي 5 و6 يوليو الجاري، على أهمية إنشاء مراكز للحفظ والبحث في موسيقى عالم الإسلام.

وشدد المؤتمر الذي اختتمت اشغاله امس الجمعة، على ضرورة استثمار الإمكانات الجديدة التي يمنحها التطور التكنولوجي على مستوى جمع وأرشفة الإرث الموسيقي ببلاد الإسلام.

وقال محمد بن عيسى، أمين عام مؤسسة منتدى أصيلة، إن جمع أرشيفات الموسيقى وترتيبها في بلاد الإسلام "عمل طويل وممكن الإنجاز لكنه يحتاج إلى زمن طويل وصبر ومقاومة"، مؤكدا على أهمية تظافر المساعي والجهود من أجل تحقيق هذا الهدف.

ودعا بن عيسى ،في كلمة ألقاها في ختام المؤتمر، المشاركين من الخبراء من جنسيات مختلفة إلى البحث عن مراكز الأبحاث المختصة التي يمكن أن "تساهم في صيانة هذا العمل الملهم وتسهم في حفظ الموروث الموسيقي في بلاد عالم الإسلام".

وأشار أمين عام مؤسسة منتدى أصيلة إلى أن العالم "يعيش مرحلة انتقالية ذات أهمية حاسمة، وهي المرحلة الأكثر خطورة منذ الحرب العالمية الثانية"، وأضاف "لا ندري الآفاق المستقبلية، وما إذا كنا سنعود إلى الحدود المغلقة الفاصلة التي تقيد مصير الإنسان وتتحكم فيه"، واستدرك قائلا: "علينا أن نعيش على أمل في أن الغد سيكون أفضل من اليوم".

من جهته، سجل محمد مطالسي، عميد كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بالجامعة الأورومتوسطية بفاس، أن التمازج بين الثقافات في العامل عملية "تتطور ببطء وتتطلب سنوات طويلة من أجل تحقيق الاندماج والتلاقح المثمر".

وقال مطالسي إن ثقافة الكيانات والتجمعات البشرية " النائية" لم تكن مهددة بالانقراض في يوم من الأيام لأن التبادل الثقافي كان منذ القدم"، لافتا إلى أن نقل المصنوعات وزخرفة الحدائق إلى المغرب والأندلس تحضر فيه عناصر قادمة من إيران. 

وأضاف موضحا أن هذا الأمر يمثل وجها من أوجه التأثير والتأثر بعلوم الكون التي عبرت الحدود من دون" مشاكل وأثرت في جميع الثقافات". 

وشدد الأكاديمي المغربي على أنه "لا توجد ثقافات خالية من ثقافات الخارج"، مشيرا إلى أن الواقع يؤكد ان هناك "إثراء متدرج على جميع الثقافات وبوتيرة بطيئة".

أما إكهارت بيستريك، الباحث الألماني المختص في الموسيقى الإثنولوجية، فقال إن هناك "هوة تفصل بين المهاجرين ودول الاستقبال الأوروبية"، مشددا على ضرورة البحث والمعرفة من أجل فهم ثقافات اللاجئين والمهاجرين.

واعتبر بيستريك في مداخلته، بأن دور الخبير في الموسيقى يتمثل في "التخفيف من معاناة المهاجرين والاستماع إلى قصصهم والعمل على معرفة ميزات الثقافات الوافدة"، ودعا العلماء والباحثين الأوروبيين إلى ضرورة العمل على إيجاد مقاربة متوازنة تجمع بين الالتزام السياسي لبلدانهم والممارسة العلمية الصارمة.

كما طالب الباحث الألماني بـ"احتواء القدرات الإبداعية للاجئين والمهاجرين وتقديم المساعدة لهم للحفاظ على إرثهم الثقافي الأصيل"، مبينا أن فعل الهجرة واللجوء "محاط بجو انفعالي يولد الحنين إلى الوطن"، وأكد أن هذه المعاناة "منتجة ومبدعة لأنها راسخة في الحاضر وتنطلق من الماضي وتتطلع إلى المستقبل".

من جانبه، اعتبر قدسي أرجونر، عازف الناي التركي وأستاذ الموسيقى العلمية العثمانية في روتردام والبندقية، أن المنفى في سياق التصوف يساوي الحياة، مؤكدا أنه من الصعب الحديث عن الحدود الثقافية في المنفى.

وقال أرجونز إن الثقافة "لم تكن في حاجة إلى جوازات سفر لتسقط الحدود"، وأضاف أن إحياء الفنون الموسيقية لدى المهاجرين واللاجئين وتشبثهم بها يفرضه "التعطش إلى إثبات الهوية عن طريق الموسيقى وحماية النفس ثقافيا".

وأضاف أن "عدم تغير الموسيقى يعني بأن المجتمع لم يتغير"، كما شبه الموسيقى بجسر ممدود بين الماضي والحاضر والمستقبل، وأشار إلى أن الفنان يجب عليه أن يعيش حاضره ويعود إلى جذوره وأصوله من أجل تقديم الإبداع المتجدد.

وأجمعت عدة مداخلات في اليوم الثاني والأخير من المؤتمر الدولي الثاني للموسيقى في عالم الإسلام، على أن الإرث الموسيقي والثقافي الغني يحتاج إلى بدل المزيد من الجهود من أجل جمعه وأرشفته وفق المعايير الدولية المعتمة في التخزين وصيانة التسجيلات وجعلها في متناول الباحثين والدارسين المختصين من أجل المزيد من البحث والتنقيب في المعاني والقيم الإنسانية التي تحملها، وذلك بهدف الإسهام في إغناء الإرث الموسيقي والثقافي العالمي وضمان استمراريته وحمايته من الاندثار والضياع.