يشعر 73% من الألمان بالأمان من ناحية الوضع الاقتصادي والشخصي والسياسي، إلا أن الخوف من الفقر في الشيخوخة يقض مضاجعهم، بحسب دراسة جديدة.

إيلاف من برلين: تكشف الدراسة التي أجراها معهد "ايرنست اند يونغ" أنّ مخاوف الألمان من تلوث البيئة والإرهاب والكوارث هي الابرز في سنة 2018، إلا أن الخوف من الفقر في الشيخوخة ارتفع بشكل ملحوظ خلال سنة واحدة.

وقال 56% من الألمان، الذين شملتهم الدراسة، انهم يشعرون بقلق، أو قلق كبير، من انحدارهم تحت خط الفقر حينما يبلغون سن التقاعد. وهذا يعني ان هذه المخاوف زادت بنسبة 18% خلال سنة واحدة مقارنة بدراسة مماثلة نشرت في مطلع 2018 عن سنة 2017.

وإذ يحقق الاقتصاد الألماني، وخصوصاً في حقل الصادرات، نتائج ايجابية منذ عقود، فإن الهوّة بين الأثرياء والفقراء تزداد يوماً بعد يوم، بحسب الدراسة.

وهناك الملايين من الألمان الذين يعملون جزئياً، أو يعملون برواتب صغيرة، لاتؤهلهم لنيل تقاعد كاف ويضطرون للانتقال إلى دائرة المساعدات الاجتماعية بعد سن التقاعد.

وتقول الدراسة، التي شملت 1100 ألمانية وألمانيًا، ونشرت في مجلة "سبوتنيك" الألمانية، ان قضية الفقر في الشيخوخة أصبحت الشاغل الأساسي للألمان من ذوي الدخول المحدودة. وسجل الخوف من الفقر أعلى الزيادات للمرة الثانية على التوالي في دراسات معهد "ايرنست اند يونغ".

مخاوف من تلوث البيئة والأمراض

وفضلاً عن مشكلة الخوف من الفقر، يخشى الألمان كوارث تلوث البيئة في المقام الأول (70%). كما تخاف نسبة 67% من الأمراض المستعصية، ومن نتائج أزمة المهاجرين في أوربا (59%).

ويبدو أن اليمين المتطرف نجح في تمرير مخاوفه من اللاجئين إلى المواطنين العاديين، لان الخوف من مشاكل الهجرة زاد بنسبة 14% عن عام 2017. وهذا سر صعود أحزاب اليمين المتطرف في البرلمان الألماني وفي برلمانات الولايات.

وعند توزيع المخاوف من الفقر في الشيخوخة حسب السن يبدو الناس بعد الخمسين أكثر قلقاً من الشباب حول مستقبلهم. ولا يشعر بالطمأنينية تجاه تقاعده سوى ثلث الناس من عمر يزيد عن 65 سنة.

المقلق أكثر هو تشاؤم الألمان من المستقبل، حسبما تكشفه الدراسة. إذ ان 6% فقط ممن شملهم الاستطلاع، يعتقدون ان وضعهم الاقتصادي سيتحسن في سنة 2019. وكانت هذه النسبة أكبر دليل على مخاوف الألمان من الفقر في الشيخوخة.

وتستنتج الدراسة ان الألمان، وخصوصاً المتقاعدين، لا يشعرون بأنهم استفادوا من النمو الاقتصادي الذي يحققه البلد رغم دورهم فيه.

انحسار التوفير

وذكر برنهارد لورينتز، رئيس قسم الحكومة والقطاع العام في معهد "ايرنست اند يونغ"، أن أكثر من نصف الألمان ينظرون بقلق إلى مستقبلهم. دعا الحكومة إلى التعامل مع مشكلة المتقاعدين وضعيفي الدخل بجدية.

وفسر توماس هارمز، رئيس قسم المستهلكين والمنتجات في معهد"ايرنست اند يونغ"، هذه المخاوف على أساس ارتفاع معدلات التضخم وزيادة الأسعار.

وقال ان اسعار الوقود والطاقة والمواد الغذائية ماعادت تسمح للألمان بالتوفير كالسابق. ولا يجد الألماني في جيبه ما يكفي حتى نهاية الشهر، بحسب تعليقه.

وفي ضوء هذه الدراسة، أصدرت منظمة كاريتاس الكنسية الخيرية، بياناً قالت فيه إن الفقر في الشيخوخة مبرمج سلفاً.

وأشارت المنظمة إلى أن المتقاعدين صاروا يشكلون ربع الفقراء في ألمانيا. هذا في حين ان المسنين والمتقاعدين يشكلون ثاني أكبر مجموعة سكانية في ألمانيا. وطالبت "كاريتاس" في بيانها برفع معدلات التقاعد والمساعدات الاجتماعية.

لوحة المخاوف تتغير

جدير بالذكر أن دراسة أجراها موقع "يوغوف" قبل سنة كشفت ان أكثر من نصف الألمان يشعرون بانهم "مهددون" أو "مهددون جداً"، بسبب الإرهاب والجريمة المنظمة.

هذه المخاوف تضاعفت خلال سنة واحدة في أعقاب عدة عمليات إرهابية تعرضت لها ألمانيا سنة 2016. وكان دهس 12 شخصاً بشاحنة ضخمة من قبل التونسي أنيس العامري (24 سنة) آخر هذه العمليات، وجرت يوم 19 ديسمبر في سوق للأعياد الميلاد في العاصمة برلين.

وارتفت نسبة الشعور بالخطر من الجرائم على الشبكة (السايبركرايم) إلى 63%، ربما بسبب الربط بين فوز الرئيس الأميركي دونالد ترمب والهجمات الإلكترونية التي نفذها العملاء الروس على الشبكة.

وكانت شركة التأمين الألمانية (R+V) أجرت استطلاعاً للرأي في نهاية العام 2011 جاء فيها ان الخوف من البطالة يأتي في المرتبة الأولى من مخاوف الألمان، يليه الخوف من ارتفاع الأسعار والكساد الاقتصادي، ثم الخوف من الكوارث الطبيعية مثل الهزات الأرضية والفيضانات، بل وحتى التسونامي.

وكانت مخاوف الألمان على مستقبلهم من موجة اللاجئين، التي بلغت ألمانيا سنة 2015 تتصدر قائمة المخاوف في ذلك العام، لكن الخوف من الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب أزاح اللاجئين عن صدارة القائمة خلال الاشهر الثلاثة الأخيرة من سنة 2016.

ويشير إلى ذلك استطلاع للرأي أجراه معهد "انفراتيست" المرموق، بتكليف من مؤسسة كوربر المتخصة بالشؤون السياسية الخارجية.