الرباط: بعد أسابيع من الشد والجذب بين قياداته، اعترف حكيم بنشماش، أمين عام حزب الأصالة والمعاصرة المغربي المعارض، بأن حزبه يواجه أزمة وصفها ب"الحادة"، تضع قياداته أمام خيارين لا ثالث لهما، إما "الاستمرار في إنتاج شروط وإعادة إنتاج الأزمة أو الانتصار لمنطق العقل وصوت الحكمة".

وقال بنشماش ، في اجتماع مشترك للمكتبين السياسي والفيدرالي لحزب الاصالة والمعاصرة اليوم السبت في الرباط، إن مستقبل الحزب في الأمد المنظور يتوقف على "ما سنخرج به في هذا الاجتماع الحاسم من خارطة طريق وتعاقد مكتوب من أجل تجاوز الوضع غير الصحي والتوتر الذي يعيشه".

وأكد بنشماش أن "الأصالة والمعاصرة" ليس "ثكنة عسكرية ولا يؤمن بثقافة الشيخ والمريد وإنما هو حزب يعبر فيه أعضاؤه بكل حرية عن آرائهم المختلفة"، وذلك في محاولة للتقليل من قيمة الخلافات التي يعيشها، مشددا على أهمية التوصل إلى اتفاق تساهم فيه جميع الأطراف في الحزب للخروج من الأزمة.

ودعا بنشماش إلى الانتصار لمنطق العقل وصوت الحكمة والقرار الشجاع والترفع عن "الحسابات السياسية الصغيرة"، في انتقاد غير مباشر للأصوات التي تعارضه من قيادات الحزب وطالبت بتنحيه من كرسي الأمانة العامة، وأضاف "ينبغي الالتفاف الصادق والمسؤول حول رؤية نتشارك جميعا في صياغتها وبلورتها والالتزام قولا وفعلا بتنفيذها وتنزيلها".

واعتبر بنشماش أنه على الرغم من الإحباط والتشاؤم الذي يسيطر على مشاعره "أؤمن &بأننا قادرون بمشاركة الجميع على تجاوز خلافاتنا ونتفق على تعاقد معلن ومكتوب ألتزم بالعمل معكم طبقا لروح التوافق والتشارك"، مبرزا أن خروج الحزب موحدا من هذه الأزمة سيكون "انتصارا لواحدة من أنبل الظواهر السياسية في تاريخنا المعاصر (حركة لكل الديمقراطيين) التي أنتجت حزب الأصالة والمعاصرة".

وزاد بنشماش في وصفه لوضع حزبه والصراعات التي يعيشها "النفس البشرية خلقها الله تعالى وهي تتنازعها نزعتا الخير والشر، وعندما يغلبون الجانب الشرير فيهم يتسابقون من أجل إخراج أقبح ما خلق الله فيهم من أجل النيل من الآخر، وعندما يغلبون منطق الخير والنصح تجدهم يتسابقون من أجل إخراج أنبل ما خلق الله فيهم"، ودعا إلى تجاوز الخلافات والتركيز على المستقبل ومواجهة ما سماها "الضربات والمؤامرات التي حيكت ضد حزبنا منذ تأسيسه".

وأضاف بنشماس في محاولة لاستنهاض همم أعضاء حزبه وقياداته "السؤال المطروح هو هل سنستطيع مواجهة ما يتربص بحزبنا، وأنا لست من أنصار نظرية المؤامرة، ولكن هناك من اجتهد من أجل أن ينهار هذا الحزب الذي يعبر عن حاجة موضوعية في المجتمع ،وسيظل قائما ،وسيستأنف أدواره ،وينهض بأدواره التي جاء من أجلها".

وبسط بنشماش الخطوط العريضة لخارطة الطريق التي توصل إليها قيادات الحزب بعد جهود الوساطة والمشاورات التي شهدتها الأيام الماضية لتوحيد الرؤية بمبادرة عدد من قياداته، حيث قال: "المبادرة تقوم على فرضية أن الحزب لايزال يمتلك فرص استعادة المبادرة وتبوأ مرقع الريادة، وتؤمن بالحاجة الملحة لوقف الاستنزاف، والتفرغ لمهام المرحلة المقبلة التي يزيدها الحيز الزمني الضيق للاستحقاقات الانتخابية صعوبة وتعقيدا".

وشدد بشماش على ضرورة "الكف فورا عن التراشق الإعلامي بين قيادات الحزب ونتعهد &جميعنا بذلك، لأن الآخرين الواقفين في منعطفات الطريق ينتظرون تراشقاتنا وينفخون فيها للنيل من الحزب"، كما حث على "وقف عقد اجتماعات الحشد التي تتم فيها التعبئة لطرف ضد طرف آخر"، وذلك في اعتراف واضح منه بأن الحزب عاش تقاطبا حادا بين التيارين المختلفين.

كما طالبت الخطة التي أقرتها أمين عام حزب الأصالة والمعاصرة قيادات وأعضاء الحزب ب"الامتناع عن الخوض في خلافاتنا في الشارع، ويجب أن تعالج داخل المؤسسات".
وأضاف بنشماش "ينبغي التوقف والكف عن التشكيك في شرعية المؤسسات، لأن المكتب السياسي أنتم من صوتم عليه بمقاربة اتفقنا عليها جميعا".

ودعا المتحدث ذاته إلى اتخاذ إجراءات إعادة الثقة بين الأطراف وقال "أجدد التزامي بالتفاعل معكم بأقصى درجات الروح الإيجابية"، لافتا إلى أن الحزب ل"مدة سنة عاش ما يشبه نوعا من الجمود والشلل ،والمبادرة تتضمن اقتراحات لها طابع إدماجي، من شأنها استيعاب جميع الأطراف أو التعبيرات داخل الحزب لتقوية المكتب السياسي وملء المقاعد الشاغرة".

ولم يفوت بنشماش الفرصة دون انتقاد الحكومة التي يقودها غريمه حزب العدالة والتنمية، ذي المرجعية الإسلامية، حيث قال: "الحكومة أمضت سبع سنوات لجأت فيها لبيع أوهام بالجملة للمغاربة".وأضاف ان سياسات الحكومة أدت إلى "تفاقم عوامل الاحتقان الاجتماعي وتعطيل إمكانيات البلاد وهدر إمكانيات التطور".

ولفت بنشماس إلى ان حزبه يعد القوة السياسية الثانية في البلاد ، و يثق في أن المغرب يتوفر على الموارد الكافية لتحقيق التنمية التطور. وقال: "ينبغي أن نتحلى بروح وحدوية ونفس وطني لأن المغاربة مازالوا يعلقون آمالا على حزبنا لمواجهة التحديات المطروحة على بلادنا في بناء المشروع الديمقراطي الحداثي الذي يعبر عنه المجتمع من خلال الديناميات الاحتجاجية التي يفرزها".

وتعهد بنشماش بأن يحرص على عقد المؤتمر الوطني الرابع لحزب الأصالة والمعاصرة في موعده المحدد بداية العام المقبل، بل دعا إلى تقديمه بثلاثة أشهر من أجل منح القيادة الجديدة فسحة زمنية للاستعداد للاستحقاقات الانتخابية المقبلة التي ستعيشها البلاد، على مختلف المستويات المحلية والبرلمانية.

كما حث على ضرورة التفكير في حسم هوية الحزب وإبرازها بشكل واضح للمغاربة، والعمل على تحديد خارطة التحالفات المستقبيلة ، وتوضيح مختلف الامور والنقائص التي يعانيها الحزب منذ تأسيسه، معبرا عن ثقته في قدرة الحزب على تجاوز الخلافات الداخلية والاستمرار في تبوأ المكانة التي يستحقها في الساحة السياسية.

إلى ذلك، بدت المؤشرات التي شهدها الاجتماع من حيث الحضور، غير مطمئنة لتجاوز الخلافات الواضحة في الحزب القريب من السلطة، إذ لم يعرف الاجتماع حضور الأسماء البارزة التي عارضت بشدة حكيم بنشماش، ومن أبرزهم عبد اللطيف وهبي القيادي والنائب البرلماني المثير للجدل، بالإضافة إلى رئيسة المجلس الوطني للحزب (برلمان) فاطمة الزهراء المنصوري، التي اعتذرت بداعي المرض.