الرباط : عاد محمد الأشعري، الرئيس الأسبق لاتحاد كتاب المغرب، أمس الجمعة، إلى الخوض في أوضاع اتحاد كتاب المغرب، وذلك في سياق تفاعله مع رد عبد الرحيم العلام الرئيس الحالي على تدوينة نشرها على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)، بتاريخ 8 يناير الجاري، كان عنوانها العريض: "يحز في نفسي أن يجرجر رئيس الاتحاد كاتبة مغربية أمام المحاكم".

وتحدث العلام، في حوار مع موقع "المصدر ميديا"، عن "خرجة الأستاذ محمد الأشعري الأخيرة، وعن اعتذاره وقد أدرك حقيقة الأمور"، و"عن المؤتمر الأخير لاتحاد كتاب أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية المنعقد بالرباط"، و"عن الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، وعن مؤتمره القريب بأبو ظبي". فيما سعى الأشعري في رده إلى توضيح رأيه بصدد عدد من المضامين التي ساقها العلام في رده.&

أصل الجدل

بدأت حكاية الجدل الثنائي والتراشق الكلامي بين الأشعري والعلام، بعد نشر الأول تدوينة، قال فيها إن الكاتبة ليلى الشافعي اتصلت به تستأذنه في أن تطلبه "شاهداً في القضية التي رفعها ضدها رئيس اتحاد كتاب المغرب بالسب والقذف".

وأوضح الأشعري، في تدوينته، أنه ابتعد "كثيراً عن الاتحاد وأجوائه ما يسر منها وما لا يسر"، مع تشديده على أنه حزن، مع ذلك، "لــظهور هذا الدور الجديد للكاتب في بلادنا .. دور الأدلاء بالشهادة أمام المحاكم".

وأشار الأشعري إلى أنه قال للشافعي إن "لقضيتها مع الرئيس وجهان. الوجه الخاص مما حفلت به علاقتهما من توترات بلغت ذروتها في تلك الرسالة المؤلمة بتفاصيلها ولهجتها وما تلا ذلك من ملاسنات خجلنا جميعاً من وصول الاتحاد بسببها إلى مستنقع لا يليق بتاريخه. والوجه العام المرتبط بما ذكرته ليلى من اختلالات في التدبير واستفراد بالقرار واختلاس وما إلى ذلك مما تعتبره موضوعاً جديراً بشهادة رؤساء الاتحاد السابقين".

ونأى الأشعري بنفسه عن موضوع طلب الشافعي، حيث قال: "طبعاً فإنني غير مؤهل للشهادة في الأمرين معاً"، قبل أن يستدرك: "ولو أني مقتنع تمام الاقتناع بأن القضايا المرتبطة بالحياة الداخلية للاتحاد لا تحل في المحاكم، بل بالحوار الديموقراطي في مؤتمر شرعي. وتغيير الرئيس يجب أن يتم في أقرب وقت ممكن ليس بتدبير انقلاب على الطريقة البعثية كما حدث مع الاستاذ عقار، ولكن بالتوافق العاقل أو بالتصويت الحر".

وأضاف الأشعري، في معرض تدوينته: "يحز في نفسي أن يجرجر رئيس الاتحاد كاتبة مغربية مسؤولة معه في المنظمة أمام المحاكم"؛ قبل أن يختم بمناشدة الرئيس الحالي أن يوقف المحاكمة، حيث كتب: "وأسمح لنفسي بأن أناشد الرئيس أن يوقف فوراً هذه المحاكمة. فحتى لو حقق فيها انتصاراً قضائياً مفحماً فإن الاتحاد الذي يرأسه لن يجني من ذلك سوى مزيد من الخسارات".

رد العلام

في معرض حواره، الجمعة، عن سؤال تناول "الاتهامات التي وجهها الأشعري لاتحاد كتاب المغرب"، رد العلام، بالقول: "لا ولن أشك لحظة في أن الأستاذ الأشعري سيكيل في يوم ما الاتهامات لمنظمة تربى لسنوات في بيتها، وواكب بعض تحولاتها، وعاين مشاكلها عن كثب، ما جعلنا نحن نستغرب أيما استغراب، حينما طرح صديقنا الأشعري تساؤلاته الغريبة تلك، من قبيل تساؤله عن مصدر تمويل مؤتمرنا الدولي الأخير".

وتحدث العلام عن القضية موضوع تدوينة الأشعري الأولى، حيث قال: "اتحادنا لم ولن يدخل ردهات المحاكم أبداً، خلافا لما يدعيه البعض بكل خبث وتجريح، فقضية الشكوى، هي مسألة شخصية تتعلق بالسب والقذف والتشهير والافتراء، صرفت عليها من قوت أبنائي، ولا شأن للاتحاد بها ولا لأي كان مهما علا شأنه، لا من قريب ولا من بعيد، ومن حقي أن أدافع عن نفسي وعن وضعي الاعتباري، في جميع المحافل وبكل الوسائل التي يتيحها القانون. هكذا، إذا، تنجلي الحقائق تباعا، ما ظهر منها وما خفي، فأنا يا أستاذ الأشعري لست الذي يبحث عن شهود وهميين من بين رؤساء الاتحاد وأعضائه ليورطهم إلى جانبه في محنه. فحتى الشهادة، متى كانت زوراً لا تعفي صاحبها من المتابعة القضائية".

وعن سؤال "الرسالة" التي يوجهها للأشعري، رد العلام: "في الحقيقة، لم نتعود في الاتحاد أن نوجه أية رسائل لحكمائنا، بل العكس هو ما ننتظره منهم، لكن كلام الأشعري الأخير، وللأسف الشديد، جاء محملا برسائل ملغومة مجانبة للصواب، لم يكن أبدا في حاجة إلى إرسالها، بعد كل ما بناه من مجد أدبي، يعز علينا أن نراه ينهار أمام مرآى الحاسدين والحاقدين، ممن يبيعون له الأوهام، مع العلم أن حقيقة الأمور لا يمكن أبداً إخفاؤها بغربال. لقد كان حرياً بالأستاذ الأشعري أن ينصفني وأن ينتصر للحق، ضد كل ذلك الكم من الشتائم والتشهير والاتهامات التي وجهت لي، عوض أن ينتصر للوجه المظلم في تلك القصة المفبركة، وقد أوضحنا بعض خيوطها علانية، وأمام المؤتمرين، في مؤتمر طنجة. كما كان عليه أن يوجه اللوم لمن خرب مؤتمرنا الأخير الذي مولته الدولة، حتى لا نسأل مرة أخرى عن مصادر التمويل، فراحت أموال التمويل، من دون وجه حق، هباء منثورا… ألا يستحق هؤلاء يا أستاذ الأشعري دعوى قضائية أخرى، باسم الاتحاد هذه المرة، لمحاسبتهم عن هدر المال العام، وتفويت الفرصة على مؤتمرنا، فمن المسؤول إذا عن ضياع ما صرف من مال وفير لدافعي الضرائب. لا نشك في أننا تعلمنا الكثير من عطاء الأشعري الإبداعي والإعلامي، وارتوينا من نبع عين عقله، بما علمه لنا من مبادئ الديموقراطية وقيم الحرية، والتي أشك أن الأشعري، باسمها اليوم، يطالبني بالتنحي من رئاسة الاتحاد، من دون سبب مقنع حتى، أو مبرر قضائي أو دستوري، بمثل ما يحرض آخرين على ذلك، وكأن المنصب الوهمي لـ"رئيس الاتحاد" أصبح اليوم يعادل منصب "حارس الجنة"، علما بأن كل الديموقراطيات في العالم وكل نواميس الكون، تقر بأن لا فرق بين هذا وذاك إلا بالتقوى، كما تكفل حرية الانتماء، سياسيا كان أو جمعويا، وإلا فمتى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا. لا أشك، كذلك، في أن الأستاذ الأشعري – وغيره من المحرضين – قد نسي أنه قد واجه هو نفسه مثل هذه الدعوة التحريضية، وهو لحظتها رئيس للاتحاد، فدافعنا عنه وعن حقه في الاستمرارية رئيسا، بكل استماتة وغيرة ومحبة لكاتب يكبرنا سنا".

ورأى العلام أن الأشعري "انطلق في أحكامه وتصريحاته، من معطيات مغلوطة من ذوي القربى، وهو يدرك اليوم، بكل وضوح ونورانية، أهداف أصحابها المدمرة لاتحادنا، والتي ليست حتما هي نفسها أهداف المكتب التنفيذي. ورغم كل هذا، فصديقنا الفاضل محمد الأشعري، المعروف كما قلنا بحصافته ورزانته وسعة صدره، سرعان ما أدرك حقيقة الأمور، بمثل ما أدرك حجم التدليس الذي تعرض له وكان ضحيته، وما خفي أعظم؛ هو الذي ابتعد، حسب قوله، عن أجواء الاتحاد، ما سر منها وما حزن، فبادر، بكل شموخ وجرأة أخلاقية وعزة نفس وإحساس بالمسؤولية تجاه منظمتنا ومستقبلها، إلى الإعراب الصادق عن "اعتذاره" وعن مدى "الاحترام" الذي يكنه لرئيس الاتحاد، بمثل ما نكنه له نحن، معبرا عن أسفه عن التورط في "أمر كان ينبغي أن يظل بعيدا عنه"، كما تفضل بالقول في رسالة رقيقة منه وجهها إلي. وهنا أعود لأقول، إن الأستاذ الأشعري أبعد ما يكون عن مثل هذه الترهات، ولم يحصل قط أن سقط في شركها بمثل ما سقط اليوم، ربما هم "سماسرة السراب" و"جوقة العميان" و"فريق البجع"، ممن يدورون في فلكه، ويرغبون في أكل الثوم بفمه، وفي تعطيله عن شغله ومشاريعه التي ينتظرها مغربنا الثقافي والإبداعي، بعيدا عن أية صراعات وهمية وحروب صغيرة، يبقى الأشعري أكبر وأشرف منها بكثير".

رد على رد

تفاعل الأشعري بشكل سريع مع خرجة العلام، حيث كتب في تدوينته الثانية: "اكترى رئيس اتحاد كتاب المغرب مساحة خاصة للإدلاء بحديث مستفيض عموده الفقري هو التهجم بشكل واطئ وركيك على شخصي المتواضع. والمناسبة هو ما نشرته هنا في تدوينة بسيطة ناشدته فيها أن يوقف محاكمة ليلى الشافعي بعد نشرها لرسالة مؤلمة في تفاصيلها وفي لهجتها كما قلت، ليس لأنني متفق على ما جاء في الرسالة بل على العكس من ذلك لأنني أتمنى أن يطوى هذا الملف المخجل بطريقة يتغلب فيها الترفع والتسامح على كل شيء. لكن يبدو أنني أضفت جملة عن أوضاع الاتحاد دعوت فيها الرئيس إلى تحضير ذهابه بطريقة ديموقراطية أو بطريقة توافقية عاقلة، فكان أن فجرت في الرئيس بركانا من الأحقاد حتى صار يأكل بعضه بعضاً".

وأضاف الأشعري، مخاطبا العلام: "أريد أن أقول للرئيس الخارج عن أطواره إنني لا أريده أن يذهب من الاتحاد أبدا، أريد أن يصدر المؤتمر المقبل قراراً بانتخابه رئيسا مدى الحياة. لذلك أرجوه أن لا يهدر دمي وأن يعود لتدوينتي ليتأكد أنني لم أتساءل عن مصادر تمويله ولم أشكك في وطنية أو ولاء أحد ممن حضر مؤتمره العالمي. لقد ناشدته فقط. وله أن يستجيب أو يرفض. وعندما أمطرني برسائله النارية لم أعتذر له كما ادعى بل اعتذرت لاقترابي من مستنقع الوحل الذي لا يليق بغيره. وهب أنني اعتذرت، إذا كان الاعتذار وطلب الصفح والغفران قد فجر فيه كل هذا الحقد وهذه الفجاجة فماذا لو لم أعتذر؟ هل كان القتل رميا بالرصاص سيشفي بعض غله؟".

وختم الأشعري تدوينته بالقول: "حقاً، اتحادنا العتيد بألف خير، هكذا يقول الرئيس وهكذا يجب أن تردد خلفه الأكوان، أما هذا العبد الضعيف الذي لن يقترب أبداً من المستنقع المعلوم فلن يجرؤ على إفساد الحفلة. مبروك العود.. والمجد للقصبة".

خلفية

تفجر جدل، في وقت سابق، بخصوص وضعية اتحاد كتاب المغرب، وطريقة تسييره، والأدوار الثقافية التي ينبغي أن يقوم بها، خصوصاً بعد نشر ليلى الشافعي مقالاً تضمن "اتهامات" ذات طابع "أخلاقي" و"تدبيري" ضد رئيس الاتحاد وعدد من أعضاء المكتب التنفيذي، بشكل خاص، قبل أن يرد المكتب التنفيذي بقرار إلغاء عضويتها من الاتحاد.

وبعد أن كان منتظراً تنظيم المؤتمر الوطني التاسع عشر، ما بين 24 و26 نوفمبر الماضي، بطنجة، تحت شعار "اتحاد كتاب المغرب: نحو أفق تنظيمي وثقافي جديد"، قرّر المكتب التنفيذي للاتحاد، إرجاء موعد عقده إلى وقت لاحق، مبرراً ذلك بـ "صعوبة عقد المؤتمر حالياً في ظل التشهير المجاني القذر المتواصل، والذي يستهدف الاتحاد وأعضاء مكتبه التنفيذي وغيرهم".

وأكد بيان سابق للاتحاد على ضرورة "فسح المجال أمام أعضاء المكتب التنفيذي المتضررين، لسلك الطرق القانونية، لرد الاعتبار لأنفسهم، ضد ما طالهم من تجريح وتشهير، جراء ما تعرضوا له من حملة إعلامية تضليلية وكيدية، توخت أسلوباً بعيداً كل البعد عن مبادئ الاتحاد وعن مواثيقه وقيمه"؛ وكذا "إتاحة الفرصة للمكتب التنفيذي لمخاطبة مؤسسات الدولة المختصة، وعلى رأسها رئاسة الحكومة، ووزارة الاقتصاد والمالية، ووزارة الثقافة، والمجلس الأعلى للحسابات، في شأن التنسيق معها، بكل شفافية ومسؤولية والتزام، بخصوص ما يتعلق بميزانية الاتحاد، مادام أن الأطراف المشوشة قد ارتأت سلوك طريق القذف والتشكيك، بذلك المستوى المجحف واللا مسؤول، خارج الإطار القانوني للمحاسبة".

منظمة جماهيرية

يشكل اتحاد كتاب المغرب، الذي تأسس قبل أكثر من نصف قرن، ليكون "منظمة ثقافية جماهيرية مستقلة"، أكبر تجمع للكتاب المغاربة. وقد تداول على رئاسته كل من محمد عزيز الحبابي (1961 _ 1968)، وعبد الكريم غلاب (1986 _ 1976)، ومحمد برادة (1976 _ 1983)، وأحمد اليابوري (1983 _ 1989)، ومحمد الأشعري (1989 _ 1996)، وعبد الرفيع الجواهري (1996 _ 1998)، وحسن نجمي (1998 _ 2005) وعبد الحميد عقار (2005 _ 2009) وعبد الرحيم العلام (2012 &_ ...).