أحمد قنديل من دبي: واصلت القمة العالمية للحكومات في دبي اليوم فعالياتها في يومها الثالث والأخير، الذي استعرضت فيه مدن المستقبل والتحديات المستقبلية التي تواجه المحيطات والتسامح كطريقة فعالة لمكافحة الجرائم التي تؤثر على سلامة مجتمعاتنا والتكلفة الاقتصادية للحروب السيبرانية، فضلا عن "الفضاء الرقمي المتوحش.. ساحات لتجنيد المتطرفين" وكيف تستطيع المدن صياغة مستقبل العالم؟.

كما تطرقت النقاشات الى قصة رواندا من الإبادة إلى الريادة، ومستقبل الاتصال الحكومي والشباب العربي والحوار العالمي للسعادة وجودة الحياة ومستقبل الإعلام .

المستقبل الذي سنورثه

وضمن فعاليات القمة شهد الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي والشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية جلسة بعنوان "اختيار المستقبل الذي سنورثه" قدمتها الشيخة مريم بنت محمد بن زايد آل نهيان رئيسة مؤسسة سلامة بنت حمدان،&

وقالت الشيخة مريم بنت محمد بن زايد إن القيم والتقاليد التي نشأت عليها أثرت حياتها وشكلت شخصيتها وتجربتها العملية، فأصبحت جزءا من ملامح هويتها ومن المبادئ التي تسعى إلى ترسيخها في حياتها الشخصية ومن خلال عملها في رئاسة مؤسسة سلامة بنت حمدان آل نهيان. وتحدثت عن حياتها وطفولتها وتجربتها العملية وأثر القيم والمبادئ التي اكتسبتها من والديها على نشأتها وإدارة فريق عملها.

وأشارت إلى خصوصية علاقاتها وإخوتها بوالدتهم الشيخة سلامة بنت حمدان آل نهيان، واصفة بأنها تعد مثالا للعطاء والمحبة والإخلاص في خدمة وطنها، وأن الشيخة سلامة دائما ما كانت تحرص على القراءة والاطلاع في مجالات متعددة كالفن والعلوم والتاريخ والثقافات المختلفة مما انعكس على نشأة أبنائها.

دروس ملهمة

وتابعت الشيخة مريم أن طفولتها كانت مليئة بالدروس الملهمة فقد تعلمت من والدها الشيخ محمد بن زايد الأسلوب الحواري في التوجيه والتربية من خلال سرد القصص والعبر، منوهة بأنه كان حريصا على تسليح أبنائه بالقيم والمبادئ التي تمكنهم من اتخاذ القرارات الصائبة لمستقبلهم والتحلي بصفات القائد الملهم.

وأكدت أهمية المجلس الذي يتوسط كل بيت إماراتي كونه مكانا للتلاقي والتشاور وحل المشكلات إلى جانب التربية الأسرية، كما تضع هذه المبادئ والعادات أطرا لأسلوب قيادة تمكيني ومؤثر. مشيرة إلى أن الراحل الشيخ زايد ظل متمسكا بالقيم الأصيلة في بناء نهضة دولة الإمارات، حتى أصبحت لديها هوية وطنية تميز مجتمعنا.

وقالت "إلى جانب هذا الرجل العظيم وقفت امرأة عظيمة مهدت الطريق لنهضة المرأة الإماراتية هي الشيخة فاطمة بنت مبارك رئيسة الاتحاد النسائي العام رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة الرئيسة الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية وهي المثال الذي احتذي به في حياتي".

القائد الناجح

وتناولت الشيخة مريم دور القائد الناجح، منوهة بأن "القادة ينجزون بشكل أفضل عندما يعملون على تمكين من حولهم ويرتقون بالجميع فالقيادة لاتعني تولي مسؤولية الآخرين بل تحمل مسؤولية بعضنا البعض.. هكذا عاش أجدادنا وهكذا تنمو المجتمعات.. وهذا ما نعلمه لأطفالنا".

وأكدت أن "الراحل الشيخ زايد بن سلطان تفانى في محبة وطنه وشعبه والعمل على صون تاريخه وموروثه من العادات والتقاليد من خلال إقامة المهرجانات والفعاليات التراثية الوطنية التي تعرف الأجيال بثقافة وتاريخ آبائهم وأجدادهم لتعزيز انتمائهم إلى الوطن بجانب تشجيع ودعم المنتجات الوطنية التراثي، وأننا نمضي إلى المستقبل بخطى واثقة وهوية وطنية خاصة تميزنا".

وأضافت "لقد أنشأنا مؤسسة سلامة بنت حمدان آل نهيان لإبراز أهم القيم والمبادئ التي ترسخت لدينا..هي التي كانت بمثابة خارطة الطريق لأجدادنا ولاتزال وثيقة الصلة بالخيارات التي نختارها اليوم من أجل مستقبلنا..إننا نحرص على التواصل والتلاحم الصادق ونستند في قراراتنا التي نتخذها إلى العديد من وجهات النظر ونواجه المستقبل بتفاؤل قوي يغذي إبداعنا".

وذكرت أن "العمل تكليف وأمانة وليس تشريفا، وتقوم مؤسسة سلامة بنت حمدان آل نهيان على أسس العمل بتفان وتفاؤل يعزز روح الابتكار والإبداع والتعاون بجانب النزاهة واتخاذ قرارات تتسم بالشمولية والتحدث والتواصل بأمانة وصراحة".

تطوير الخدمات الحكومية

وناقشت جلسة "الابتكار الحكومي.. أساس صناعة المستقبل" كيفية تمكن القطاع الخاص من المشاركة في ابتكار خدمات حكومية جديدة؟ وما هي مواصفات "الحكومة 4.0" لتواكب الدول متطلبات المستقبل.

وأكد المشاركون فى الجلسة أهمية تركيز الحكومات على تطوير الموارد البشرية التي تدير الخدمات الحكومية المبتكرة وتنمية قدراتها، وقياس مدى تقبل الجمهور للخدمات الجديدة، إضافة إلى نشر التوعية المجتمعية للتسهيل عليهم الحصول على هذه الخدمات.

وتحدث أنخيل غوريا الأمين العام لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، عن ارتفاع تركيز الحكومات على مواكبة التطور التكنولوجي، وحرصها على تطبيق أحدث الأنظمة، لافتاً إلى أن تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الأخير أظهر استحداث 554 خدمة حكومية جديدة في 84 دولة مختلفة، الأمر الذي يعكس اهتمام الحكومات في تحويل الأفكار المبتكرة إلى سياسات فعالة، وثقتها في تحقيق الأهداف العالمية.

وتحدثت هدى الهاشمي مساعد المدير العام للاستراتيجية والابتكار في مكتب رئاسة مجلس الوزراء بوزارة شؤون مجلس الوزراء والمستقبل الإماراتية عن التزام حكومة الإمارات بتوفير خدمات سلسة واستباقية وشخصية لمواطنيها، وتطرقت إلى إنشاء هيئة الأنظمة والخدمات الذكية التابعة لحكومة أبوظبي لإعادة صياغة الخدمات وتقديمها بطريقة سلسة واستباقية ومتكاملة تخدم الاحتياجات الفردية.

الكوادر الوطنية

وقالت إن حكومة الإمارات تركز على الاستثمار في الكوادر الوطنية وأصحاب المواهب، كما تستثمر في تطبيق التقنيات الجديدة والحلول المستقبلية المبتكرة، وتحرص على تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص للاستفادة من الأفكار الجديدة وتبادل أفضل الحلول والممارسات.

وذكر ريتشارد راسي نائب رئيس مجلس الوزراء في جمهورية سلوفاكيا على ضرورة تطوير جيل "الحكومة 4.0" لتتمكن الدول من مواكبة متطلبات المستقبل والتغييرات التكنولوجية الهائلة، بحيث تركز الخدمات الجديدة على الأفراد وتعتمد معايير الشفافية، فضلا عن إشراك مختلف القطاعات في تصميم وتطبيق مستقبل الخدمات.

وأشار سيم سيكوت المدير التنفيذي للتقنية الحكومية في جمهورية إستونيا إلى أن الحكومات بحاجة إلى تقبل التعلم من القطاع الخاص والاستعداد للاستفادة من ابتكاراته في إعادة تصميم الخدمات الحكومية، ما يضمن قيمة أعلى للخدمات ويسهم إيجابا في تشجيع الأفراد على استخدامها والاستفادة منها بشكل مباشر، لافتا إلى تجربة حكومة إستونيا التي وضعت مجموعة من الحوافز لتشجيع شركات القطاع الخاص على استحداث خدمات تكنولوجية جديدة.

وتطرقت ماريانا مازوكاتو بروفيسور ومدير مركز الاقتصاد في الابتكار UCL إلى أن القطاع الخاص لا يستطيع تسلم قيادة الابتكار التكنولوجي على المستوى العالمي من دون مشاركة القطاع الحكومي، لافتة الى أن الحكومات مولت بنسبة كبيرة التقدم التكنولوجي السريع في بحثها عن حلول جديدة لخدمة المجتمعات، مؤكدة على ضرورة فهم الحالة الاجتماعية السائدة في أي بلد، وضرورة التنبؤ بمدى تقبل الجمهور للحلول الجديدة والمبتكرة، لضمان نجاحها والوصول إلى أفضل النتائج.

التسامح وبناء المجتمعات

وأكد المشاركون في جلسة "التسامح الديني في بناء المدن والمجتمعات" أهمية إعلاء خطاب التسامح والوئام على مفردات الكراهية، وتجاوز الاعتبارات الدينية والعرقية الضيقة، &مع ضرورة وضع أسس للتسامح والمحبة والوفاق بين جميع شعوب العالم، وإيجاد نوع من التضامن والتعاون لإسعاد الإنسان وتحسين حياته في ظل الصراعات والنزاعات التي تشهدها المنطقة والعالم.

شارك في الجلسة التي أدارتها عفراء الصابري المدير العام لمكتب وزير التسامح في دولة الإمارات، محمد سعد أبو بكر سلطان سوكوتو من جمهورية نيجيريا الاتحادية، وماريا إيلينا أجويرو الأمين العام لنادي مدريد في مملكة إسبانيا، والدكتور جوزيف بول المدير العام لمكتب وثيقة التسامح والإصلاح في المملكة المتحدة.

التسامح والوئام

وتطرق سلطان سوكوتو إلى ضرورة تعزيز الاحترام المتبادل بين الشعوب وإثراء الحوار والنقاشات بين مختلف الديانات بما يضمن اعلاء خطاب التسامح والوئام على مفردات الحقد والكراهية والاعتبارات الدينية والعرقية الضيقة. مشيرا إلى أهمية تحقيق السلام والتسامح بين مجتمعات العالم كونه يعد أهم كنز يمتلكه الإنسان.

وقال جوزيف بول "إن التسامح الديني جزء لا يتجزأ من المجتمعات السلمية كونه يعزز احترام آراء الشعوب والأمم وينشر المحبة بين الجميع من مختلف الديانات والمشارب"، منوها بأهمية الزيارة التي قام بها بابا الفاتيكان البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية والدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر. داعيا لتنظيم المزيد من هذه اللقاءات على كافة المستويات كونها تعزز مفهوم التعاون وفهم الآخر والإخاء بين مختلف الديانات والثقافات حول العالم. وأكد أهمية المدارس والجامعات في تعليم أسس الدين المعتدل والمتوازن للجميع.

وأوضحت مارينا أجويرو أهمية تعزيز ثقافة التسامح والاحترام المتبادل والتنوع كوسيلة لزيادة القوة والمرونة بين مختلف الأمم لتحقيق مجتمعات سليمة متناغمة ومزدهرة، وكذلك ضرورة تعزيز الحوار البناء مع الثقافات والديانات الأخرى لتفادي ظهور صراعات مثقلة بالكراهية والتعصب.

متحف المستقبل

وفي اليوم الأخير للقمة العالمية للحكومات تفقد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية "متحف المستقبل" الذي تنظمه مؤسسة دبي للمستقبل للمرة الخامسة،&
واطلع على قسم ابتكارات الحكومات الخلاقة والتجارب الابتكارية الـ9 من مختلف دول العالم التي تمثل حلولا للتحديات التي تواجه الدول.

وتعرف على مكونات المتحف الذي يضم أربعة أقسام رئيسية تمتد على مساحة 615 مترا مربعا يقدم من خلالها مجموعة من التجارب التفاعلية المستقبلية التي تستعرض تاريخ البشرية منذ البدايات وتستشرف مستقبل الإنسان في مراحل من 20 عاما تبدأ عام 2040 لتصل إلى عام 2100.

مستقبل صحة البشر

ويتناول المتحف مستقبل صحة البشر وتعزيز قدراتهم الجسدية بشكل رئيسي عبر مجموعة من التجارب مثل "المستجيب الأول الذكي" الذي يحاكي عملية تقديم الإسعافات الأولية الطارئة بالاعتماد على التكنولوجيا المتقدمة لأنظمة المساعدة الطبية ذاتية التشغيل وأنظمة المسح والتحليل الشامل لتحديد نوع وحجم الإصابة التي سيلجأ البشر إلى الاعتماد عليها في المستقبل القريب لإنقاذ حياتهم في الحالات الحرجة.

كما يضم المتحف "عيادة الخدمة الذاتية" وهي منصة متكاملة لتوفير خدمات صحية تشخيصية وعلاجية في مكان واحد ستشكل بديلا فعالا لزيارة العيادات والمستشفيات إضافة إلى "محلل الجينوم" الذي يشكل مبادرة مستقبلية للرعاية الصحية الوقائية وإنقاذ حياة البشر عبر تعديل الجينات لتجنب الإصابة بالأمراض المزمنة والخطيرة.

ويقدم المتحف فرصة للاطلاع على تكنولوجيا المستقبل مثل "النانو سبونج" وهي جسيمات "نانوية الحجم" تنتقل عبر مجرى الدم وتعمل على امتصاص السموم والتخلص منها و"روبوتات النانو التشخيصية" التي تتحد مع خلايا الدم وتطلق إنذارا فور إصابة الجسم بالعدوى و"روبوتات النانو الترميمية" وهي جسيمات نانوية مبرمجة للكشف عن الخلايا المصابة وعلاجها و"ناقلات الأدوية" التي تعمل على نقل العلاج والحرارة والضوء إلى خلايا معينة داخل الجسم و"أجهزة الاستشعار البيومترية" التي تتم زراعتها داخل الجسم لتحليل البيانات الحيوية ومراقبة الحالة الصحية و"أجهزة التعزيز الحسي" التي تسهم بتعزيز أنواع معينة من الأنسجة.

ويسلط متحف المستقبل الضوء على العديد من التطورات المتسارعة مثل استخدام تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد لصناعة أعضاء وأنسجة حية باستخدام خلايا ومواد حيوية تتطابق مواصفاتها مع جسم المريض.

ويوفر المتحف نظرة مستقبلية لهندسة الخلايا الجذعية التي تمثل أحد أبرز التحولات النوعية في التاريخ الإنساني لما تنطوي عليه من إمكانات لتعديل وتطوير أنواع محددة من الخلايا والأنسجة والأعضاء لاستخدامها في تعويض أو تجديد خلايا الجسم.كما يقدم المتحف نظرة مستقبلية لإنتاج الأعضاء الاصطناعية التي تحاكي الأعضاء البشرية من حيث الفاعلية الوظيفية وتعزيز الكفاءة الصحية.

تطور البشرية

ويستعرض المتحف هذا العام أيضا رحلة تطور البشرية إلى المستقبل في ظل الثورة الصناعية الرابعة وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي ويبرز دورها في تعزيز القدرات البشرية العقلية من حيث آلية عمل وأداء الجهاز العصبي عبر الكائنات البيولوجية المصنعة وأجهزة الاستشعار المزروعة في الأعصاب والخلايا العصبية الاصطناعية وروبوتات النانو التنشيطية وأدوات تعزيز أداء الشبكة العصبية. ويعرض المتحف مفهوم "نقل الوعي" عبر أدوات مبتكرة لتصميم خارطة للعقل البشري ومحاكاتها بكافة تفاصيلها داخل جسم آخر قد يكون جسما حيويا أو روبوتيا أو رقميا.

فيما يقدم قسم ابتكارات الحكومات الخلاقة 9 &تجارب حكومية مبتكرة من دول حول العالم تركز على تقديم حلول للتحديات التي تواجه البشرية وتلهم الحكومات لتطوير ابتكارات تغطي القطاعات الحيوية المرتبطة بجودة حياة الإنسان وتستعرض ابتكارات ثورية لحكومات كل من السويد وكندا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة وكينيا وهولندا والنرويج وسيتم تكريم أفضل التجارب المبتكرة ضمن فعاليات القمة العالمية للحكومات.

محمد بن زايد: القمة منصة لسرد قصص النجاح الملهمة

وقال الشيخ محمد بن زايد في ختام جولته بالمعرض "إن القمة العالمية للحكومات تعد منصة متقدمة للاطلاع على افكار ومشاريع مستقبلية لإدارة الحكومات بما يعزز دورها في خدمة شعوبها اضافة الى سرد قصص النجاح الملهمة والتجارب الحكومية الرائدة".

وتابع أن "هذه القمة تعد فرصة مهمة لإطلاع الحكومات الصديقة المشاركة على مبادرات دولة الإمارات ورؤاها وتجاربها وإنجازاتها في مجالات الإدارة والقيادة الحكومية الطموحة الى تقديم المزيد من الخدمات لابناء شعبها.. والقمة ملتقى العقول المبدعة والمبتكرة لصياغة مستقبل العالم واستشراف مستقبل الحكومات".