عقدت وزارة الثقافة السعودية مع مسرح لاسكالا ميلانو العالمي اتفاقية تقضي بتقديم عروض أوبرا في السعودية، وإنشاء نواة أوبرالية سعودية تشرف على 3 دور أوبرا ستبنى في المملكة، في شراكة تؤسس لحركة مسرحية غنائية راقية في السعودية.

إيلاف من دبي: في يوليو الماضي، أبدى ألكساندر بيريرا، المدير التنفيذي والفني لمسرح لاسكالا في ميلانو، رغبته في إحضار المغنين والموسيقيين إلى المملكة العربية السعودية لأداء أوبرالي مرصع بالنجوم، وقال في مقابلة مع صحيفة "عرب نيوز": "سنجد طريقة لنفعل ذلك"، مؤكدًا حينها أن بناء السعودية دار أوبرا خاصة بها مسألة وقت لا أكثر.

رؤية تتحقق

كانت الرؤية واضحة. واليوم تتحقق. تتحدث صحيفة "لا ريبوبليكا" الإيطالية عن "لمسات أخيرة" توضع على اتفاقية تعقدها وزارة الثقافة السعودية وإدارة مسرح لاسكالا، مؤلفة من بنود عريضة ثلاثة: تقديم لاسكالا عروضًا أوبراليةفي السعودية؛ إنشاء أكاديمية سعودية تخرّج موسيقيين وراقصين ومغنينللأداء الأوبرالي؛ قبول السعودية عضوًا في مجلس أمناء مسرح لاسكالا.

الاتفاقية هذه مقسومة قسمين. الأول عاجل، وهو المتصل بتقديم فرقة لاسكالا عرضين أوبراليين كبيرين في السعودية خلال الأشهر المقبلة، "لا ترافياتا"و"ريغوليتّو" للموسيقار جيوزيبي فيردي. والثاني آجل، يعلن وزير الثقافة السعودي الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان آل سعود تفاصيله إلى جانب الخطوط العريضة للاستراتيجية الثقافية للمملكة خلال السنوات المقبلة في الرياض في 10 مارس الجاري.

&

مسرح لاسكالا

&

كان عرض "لا ترافيتا" أحد العروض التي توقع بيريرا أن تعرض في الرياض. قال في المقابلة نفسها: "الأمر يتعلق بجلب جوقتنا وأوركسترانا إلى الرياض، 250 شخصًا تقريبًا، وتقديم عرض يذهل الجمهور. يمكنني أن أقترح السيمفونية التاسعة لبيتهوفن، وهي تحفة موسيقية من التقاليد الأوروبية. أو إذا أردنا تقديم عرض إيطالي، يمكننا أن نؤدي ’لا ترافيتا‘ على شكل حفلة موسيقية أو جوقة وألحان".

نواة أوبرالية

بحسب تقرير نشرته صحيفة "لا ريبوبليكا" الإيطالية في الأول من مارس الجاري، وقع بيريرا مع وزارة الثقافة السعودية في يناير الماضي اتفاقًا يقضي بتكليف كبار أساتذة دار الأوبرا الإيطالية إعداد فنانين سعوديين ليكونوا نواة المسرح الأوبرالي في السعودية، ويشرفون فنيًا وتقنيًا على ثلاث دور أوبرا مقرر إنشاؤها في المملكة.&

وينسب تقرير "لا ريبوبليكا" إلى شون فولي، أستاذ تاريخ الشرق الأوسط في جامعة تينيسي بالولايات المتحدة، قوله في كتابه "السعودية المتحولة: الفن والثقافة والمجتمع في المملكة": "منذ عام 2015، أطلقت السعودية حركة فنية تُحدث فرصعمل للشباب في قطاعات غير مرتبطة بالنفط.&

&

&

ويهدف الأمير محمد بن سلمان إلى الحدّ من اعتماد بلاده على الصناعات البترولية"، مضيفًا أن الفنانين السعوديين يعبرون اليوم عن أفكارهم ومشاعرهم بطريقة لم تكن متاحة من قبل، ويديرون نقاشات حول ضرورة الإصلاحات الاجتماعية، السلمية والتدرّجية، ما يدل على وعي المجتمع السعودي ونضوجه، وإدراكه الحاجة إلى التحولات الحاصلة".

&

ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان

&

يقول بيريرا: "سيكون لما يتم في المملكة العربية السعودية قيمة كبيرة، نظرًا إلى أهمية هذا البلد ونفوذه في العالمين العربي والإسلامي، وإن إعادة افتتاح دور السينما في السعودية خطوة أولى طبيعية وسهلة، في حين تتطلب الأوبرا والحفلات الموسيقية عروضًا حية، لأن السحر والحيوية لا يتم ابتكارهما إلا من خلال الاتصال الحقيقي مع الجمهور".

وختم: "يبدو أن إصلاحات ولي عهد الأمير محمد بن سلمان سريعة للغاية، وهناك دينامية ورغبة كبيرة في تحقيق الإنجازات. وبهذه الطريقة، يمكن إنجاز أي شيء".

شراكات عالمية

تتوقع أوساط إيطالية أن تمهّد الاتفاقية بين السعودية ولاسكالا لمشاركة مؤسسات إيطالية أخرى في مشاريع النهضة الثقافية والفنية التي تشهدها المملكة.

لكن، ليست الاتفاقية مع "لاسكالا هي الأولى من نوعها التي تبرمها الرياض ضمن النهوض الثقافي في المملكة. فقد أبرمت السعودية اتفاقات ثقافية مع فرنسا لتطوير السياحة في منطقة العلا، ويشارك فيها المهندس الفرنسي جان نوفيل بمشروعات رائدة.&

فالهيئة الملكية لمحافظة العلا تعمل على تطوير المنطقة من خلال شراكات قوية مع خبراء ومختصين عالميين، وإحدى هذه الشراكات مع الوكالة الفرنسية لتطوير العلا. وفي حفل تدشين مشاريع سياحية في العلا، برعاية وحضور ولي العهد السعودي الأمير محم بن سلمان، حضر فرانك رييستر، وزير الثقافة الفرنسية للاحتفاء بهذه الشراكة المستمرة. وقال جيرارد ميستراليت، الرئيس التنفيذي للوكالة الفرنسية لتطوير العلا: "إن حضور تدشين الرؤية لهذه الوجهة الاستثنائية يبعث على الإلهام. ونحن نتطلع إلى مواصلة تعزيز شراكتنا مع الهيئة الملكية لمحافظة العلا لإنشاء وجهة عالمية للزوار من مختلف أنحاء العالم".

جدير بالذكر أن مهرجان "شتاء طنطورة" في العلا استقبل هذا العام نحو 37 ألف زائر من 72 دولة حول العالم، واشتمل على سلسلة من الأنشطة الثقافية والتراثية والعروض الفنية والرياضية.

وزير الثقافة الناشط

لا شك في أن لوزير الثقافة السعودي الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود يد طولى في هذه الطفرة الثقافية المتنوعة في المملكة. فهو ناشط جدًا خصوصًا على جبهة المسرح، إذ أعلن من نيودلهي في 20 فبراير الماضي عن تأسيس "كرسي إبراهيم القاضي" تقديرًا لإسهامات الفنان إبراهيم القاضي الفنية والإبداعية، والذي يعد أحد أهم رواد المسرح في الهند، وهو مولود من أب سعودي. وقال الأمير بدر بن عبدالله إن وزارة الثقافة لا تتوانى عن تكريم الفنانين والمبدعين بما يحقق التبادل الثقافي والفني، ويثري الساحة الثقافية والفنية، سواء محليًا أو دوليًا، فالفنان إبراهيم القاضي رمز للشراكة الثقافية بين السعودية والهند.

كما تستضيف وزارة الثقافة، بالتعاون مع معهد العالم العربي في باريس، معرض "مدن دمّرها الإرهاب"، في 25 أبريل المقبل، لمدة 30 يومًا، في الرياض.وأعلن الأمير بدر بن عبدالله أن الهدف رفع وعي الجماهير والمجتمع بالتراث الحضاري والإِنساني، وأهمية الحفاظ عليه، لا سيما في المدن العريقة والأثرية المسجلة في لائحة اليونيسكو للتراث الإِنساني (لبدة الكبرى، حلب، تدمر، الموصل)، والتي توجد في مناطق الصراع والنزاعات بين الجماعات المتطرفة، وذلك عبر رحلة افتراضية وتجربة فريدة ضمن أحدث التقنيات.

كذلك رعى وزير الثقافة السعودي حفل الإعلان عن جائزة الأمير محمد بن سلمان للتعاون الثقافي بين السعودية والصين، في مكتبة الملك عبدالعزيز العامة في العاصمة الصينية بيكين في 21 شباط الماضي. وتهدف جائزة الأمير محمد بن سلمان للتعاون الثقافي بين السعودية والصين إلى تعزيز العلاقات الثقافية والعلمية، ودعم البحوث المتميزة لطلاب تعليم اللغة العربية في الجامعات الصينية، والترجمة بين اللغتين العربية والصينية، والفنون والآداب والمعرفة.

&