اللقاء المطول، الذي أجرته صحيفة «الاندبندنت العربية» مع سمو سيدي الأمير بندر بن سلطان، كشف جانباً على قدر كبير من الأهمية في هذه الشخصية الاستثنائية. لكنّ هناك جوانب أخرى لا يعرفها سوى من عمل معه عن قرب.&

في هذا المقال، أسلط الضوء على بعض الدروس، التي تعلمتها، وزملائي، خلال فترة العمل مع الأمير بندر. دروس التقى فيها مزيج من المحبة، واللين، ثم الشدة، إذا تطلب الامر. يمكنني القول إن بندر يشكل مدرسةً ذات طابع خاص، عبرها يصل الدرس لمن يعمل معه بشكل تلقائي وغير مباشر، في غالب الامر. لن أتطرق هنا إلى أحداث محددة، أو وقائع سياسية، فليس كل ما يُعرف يُقال. ثم إن سموه سلط الضوء على معظم ما يرى فيه فائدة لاطلاع العامة، إن الدروس التي تعلمتها مع زملائي من خلال العمل معه. دروس تبقى في الذاكرة مدى الحياة، لأنها دروس عملية وليست مجرد محاضرات.

الدرس الأول، الذي بقي معي طويلًا ولا يزال، كان في عام 1999 عندما رافقت الأمير بندر، وبعض الزملاء للقاء أحد أعضاء الكونغرس الأميركي. كان الرجل عضواً في واحدة من اللجان المؤثرة في الكونغرس، وإذ وصلنا مكتبه، فوجئنا بالسكرتيرة تطلب منا الإنتظار «لأن عضو مجلس النواب مشغول الآن». لم نستسغ، أنا وزملائي، هذا الأمر. كان يدور في ذهني أن الأمير بندر، الذي كان يُطلق عليه في أروقة واشنطن السياسية وصف «السلطة الخامسة» - من منطلق أن السلطات الثلاث في أميركا هي التنفذية والتشريعية والقضائية، أما «السلطة الرابعة» فهي بالطبع الصحافة - وكانت الأبواب تُفتح له، في أي وقت ومن أعلى السلطات، فكيف لسكرتيرة عضو كونغرس أن تطلب منه الانتظار؟ لكن الانتظار طال، فازداد الشعور بالغضب من جانبنا، بينما الأمير بندر جالس بابتسامة تكسو وجهه، وعندما أبدينا الانزعاج، واقترحنا أنه من الأفضل المغادرة، التفت سموه والابتسامة لا تزال على وجهه وقال: «من أراد أن يكون ولد شيوخ فواشنطن ليست المكان المناسب له، هذا النائب يريد إرضاء شيء ما في نفسه، نعطيه ما يريد ونأخذ ما يخدم مصلحتنا الوطنية». وهذا ما تم.

كان هذا درسًا في غاية الأهمية، أساسه أن يتخلى الانسان عن كبريائه الشخصي EGO عندما تكون المصلحة الوطنية هي المطلب والغاية. درس يجب ان يتذكره كل من يعمل في هذا المجال. الوطن قبل كل شيء. علمنا الأمير بندر ذلك الدرس عملياً، وليس نظرياً، وملخصه أنك في حياتك الخاصة بوسعك أن تمارس كبرياءك الشخصي كما تحب، أما عندما يتعلق الأمر بمصلحة الوطن، فدع كل هذا جانباً، إذ عليك أن تنسى مَن أنت، وما مدى أهميتك عند نفسك، أو المحيطين بك. الوطن ومصالحه أهم من كل شيء. هذا درس من دروس بندر بن سلطان.

الدرس الثاني هو الاجتهاد. في موقف آخر تعذر عليَّ الاتصال بسموه، حيث كان خارج واشنطن. كان بإمكاني الانتظار حتى يتسنى لي أخذ التوجيه منه، لكن حماسة الشباب في ذلك الحين دفعتني للاجتهاد. عندما أخبرته هاتفياً باجتهادي «الساذج»، أتاني رده، ولا أزال أذكره، بل كأني اسمعه اللحظة. قال بلطف: «سأعطيك يا ابني معدل 10/10على المحاولة، وصفراً على النتيجة». بالنسبة لي، كان الدرس هو أن تتعلم من خطأك، مهما كانت نتيجة المحاولة الاولى، لكن لا تتوقف عن المحاولة. درس مهم أساسه منح الثقة لمن يعملون معك، ولكن راقب ووجه من دون أن تُحبط عزيمتهم حتى يصلوا لمرحلة النضج الذي تريده.

الدرس الثالث هو عدم الاستجابة للاستفزاز الذي قد يضطرك ان تكشف ما يجب ألا تكشفه، إذ كان الأمير بندر يردد أمامي، وباقي الزملاء، أن أصعب ما قد يمر على الانسان ان يجد نفسه وسط جمع من النخب المهتمة بالشأن السياسي يناقشون أمراً يعرف هو كل تفاصيله، وقد يكون جزءاً منه، ويسمع إسهاب الحضور في التحليل والنقد، فيما يتوجب عليك التظاهر بالجهل، وأحيانًا بالغباء. وأذكر أنه قال: «هذا الشعور مؤلم، ومستفز في بداية الأمر، ولكن مع التعود والممارسة ستشعر بالاستمتاع».

يؤمن الأمير بندر أن الانضباط السياسي، قولاً وعملاً، من أهم عناصر النجاح. لن أدعي أنني شخصيا تعلمت هذه الدروس بالشكل الذي أتمناه، لكنها بالتأكيد راسخة في ذاكرتي ولن أنساها. ويبقى القول إن دروس بندر بن سلطان لا تقتصر على الجانب العملي والسياسي فحسب، بل هي ثرية بجوانب كثيرة في الانسانية والمروءة والتواضع، وكل من شاءت له الأقدار أن يصحب هذا الرجل او يعمل معه يعرف جيداً ما أعني. وفي هذا السياق أتطلع إلى الأداء المتميز، بإذن الله تعالى، لأختي الحبيبة الأميرة ريما بنت بندر، ولأخي الغالي الأمير خالد بن سلمان، كلٌ منهما في موقعه الجديد، وأنا على اقتناع أنهما امتداد لإرث مليء بالنجاحات في دعم مستقبل واعد لرؤية المملكة الطموحة، وهما أهل لثقة ولاة أمرنا خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين، حفظهما الله وسدد خطاهما لما فيه خير وطننا الحبيب والأمتين العربية والإسلامية.