الجزائر: تحدث المحامي مصطفى بوشاشي الذي جاوز الستين عاما من العمر، وعاصر حرب التحرير طفلا، بتأثر عن الشباب المتظاهرين قائلا "إنهم يكملون ما لم ينجح جيلي في فعله". وأصبح هذا الحقوقي المخضرم، أحد مراجع الشباب قادة الاحتجاج منذ شهرين ضد النظام.

ومع حرصه على عدم "مصادرة" هذه الحركة المنبثقة من الشباب، فقد بلور الأستاذ بوشاشي &الطلبات الرئيسية للمحتجين أسبوعًا بعد أسبوع، بما في ذلك عبر مقاطع فيديو بثها عبر فايسبوك تجاوز عدد مشاهديها 200 ألف.

ومن خلال مقابلات صحافية في مكتبه القديم في قلب الجزائر العاصمة، و جولاته في الجامعات بناءً على طلب من &تنسيقيات للطلاب استحدثت مؤخرا، يفسر بطريقة كلامه البطيئة وأسلوبه الدقيق، بلا كلل أهداف ما يطلق عليه "ثورة الابتسامة".

وقال "أنا فخور بأن الكثير من الجزائريين يثقون بي، لكنها تظاهرة الشباب"، رافضًا نعته بالمتحدث الرسمي وقال "يمكننا أن نرافق ونقدم النصيحة، لكن يجب ألا نسرق منهم" هذا التحرك.

كما إن المتظاهرين الذي تمكنوا من افتكاك رحيل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، ويستهدفون الآن أركان "النظام" الذي وضعه منذ 20 عامًا، لن يقبلوا أن يصادر أحد حراكهم.

"بكيت فرحا"

وتدمع من الفرح عينا هذا المحامي المشهور في محاكم العاصمة عندما يتحدث عن انبهاره بالحشود الجزائرية وهي تنزل إلى الشوارع في 22 شباط/فبراير 2019.

وقال "من شدة خوفي أن لا يشارك أحد، أو نكون بضعة آلاف معزولين كما في 2011" عندما هبت رياح الثورة في تونس لكنها خبت في الجزائر.&

وأضاف لكن في الأخير "بكيت من الفرح في ذلك اليوم". وتابع "قلت لنفسي إن هؤلاء الشباب هم الذين سيكملون تحرير البلاد، لأن آبائنا حرروا أرض الجزائر (من الاستعمار الفرنسي عام 1962)، لكن الشعب لم يتحرّر". &
&
وهو يشير بذلك الى إرثه الثوري باعتباره إبن شهيد حرب التحرير الوطني حيث قتل والده عندما كان في السابعة من عمره. وعندما يُسأل عن انتمائه الحزبي، لا يتردّد مصطفى بوشاشي في الإجابة قائلا "الديمقراطية".

وأوضح "لا يمكن أن نمارس السياسة في نظام استبدادي. على كل السياسيين النضال من أجل دولة القانون، هذه هي الأولوية وبعدها يمكن ان نفتح النقاش بين اليمين واليسار".

وحصل بوشاشي على منحة لدراسة الحقوق في بريطانيا ونال شهادته الجامعية وعمره 25 سنة. وبعد أن دافع عن ضحايا التعذيب والاعتقالات التعسفية خلال العشرية السوداء(1992-2002) أصبح يوصف ب"محامي الاسلاميين".

لكنه أشار"أنا لا اختار عندما يتعلق الأمر بخرق حقوق الانسان" مضيفا بأسلوب مازح &"واليوم يصنفوني كعلماني يساري".

"سلاحنا الوحيد"

ومن 2007 إلى 2012 تولى رئاسة الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الانسان في وقت كان النظام يحارب عدوى الربيع العربي بالقمع والإجراءات الاجتماعية كزيادة الأجور ودعم أسعار المواد الغذائية.

وفي الانتخابات التشريعية لسنة 2012 ترشح على رأس قائمة جبهة القوى الاشتراكية في الجزائر العاصمة فانتخب نائبا في المجلس الشعبي الوطني على أمل أن يجد "منبرا يسائل منه الوزراء" كما قيل له لاقناعه بالترشح.

لكن مساءلاته ظلت بلا إجابات ومشاريع القوانين التي اقترحها ظلت في الأدراج، فقرر الاستقالة من البرلمان في 2014 ليعود لمهنته الأصلية كمحامي.

ومنذ عودته إلى الساحة السياسية في الأسابيع الأخيرة، بدعم من أولاده الطلاب الأربعة، لم يكف عن توجيه رسالة واحدة وهي "يجب أن نواصل هذه الثورة بأسلوب سلمي".

ويضيف أنه بعد كل مظاهرة أسبوعية في يوم الجمعة، "يسألني كثير من الشباب إلى متى؟ فأجيبهم: حتى يرحلوا، وعلينا أن نبقى سلميين &لأن سلاحنا الوحيد ضد الجميع هو الطبيعة السلمية للمظاهرات".

كما يدعو أيضًا إلى البقاء متحدين، دون إقصاء أي شخص، بينما جيل الشاب الذي يشارك في المسيرات يريد أحيانا طرد جميع السياسيين والمسؤولين الحاليين، بما في ذلك المعارضة.

وأشار "لا بد من استهداف رؤوس النظام. وعندما يرحلون يمكننا أن ننظم أنفسنا". وبما أنه متفائل بمجريات الأحداث اقترح "تسعة أشهر أو سنة كمرحلة انتقالية".

وبالنسبة له فإن كل القوى ضرورية في البلاد سواء أحزاب المعارضة أوالمجتمع المدني & أوشباب &الحراك الذي ولد على شبكات التواصل الاجتماعي، وكذلك الزعماء السياسيين لفترة ما قبل بوتفليقة.

&وفي ما يخص الجيش الذي أصبح في واجهة اللعبة السياسية بعد التخلي عن بوتيفليقة، "علينا أن نكون برغماتيين. إنه مؤسسة قوية، نحن بحاجة إليها من أجل المرحلة الانتقالية".

&"لكن يجب أن يرافقوا(قادة الجيش) فقط، ولا يتدخلوا في شؤون الشعب" ، كما قال.