أجمع المتدخلون في اليوم الثاني من ندوة "الإبداع الأفريقي في أفريقيا والمهجر" على مركزية الثقافة والتقاليد التي تزخر بها مجتمعات بلدان القارة الأفريقية في تحقيق التنمية والازدهار الذي تفتقر إليه، وحمّلوا الحكام والسياسيين مسؤولية الأوضاع التي تعانيها القارة بسبب افتقارهم للنزاهة والقدرة على التفكير والإبداع لمجابهة التحديات.

إيلاف من الرباط: قال بيير ميشيل نغيبي، الرئيس التنفيذي لمنظمة "جيريا" المعنية بتقديم الخبرات المطلوبة واستحداث فرص التنمية في أفريقيا، إن القاعدة المادية لا يمكن أن تفيد إلا إذا فكرنا في عملية التنمية من خلال إعطاء الأفكار الثقافية الأولوية فيها.

أضاف ميشيل إن ربط المجتمعات مع تراثها وتاريخها مهم في تحقيق التنمية، معتبرًا أن المجتمعات "القاصرة على التأمل النظري لا يمكنها أن تستفيد من الماضي، وأفريقيا ستكون مختلفة عمّا هي عليه الآن، وعليها أن تبذل الجهد ولا تبقى في موقف اللامبالاة وتنصهر في السياق الغريب عنها".

ودعا الخبير الأفريقي إلى ضرورة إحياء الثقافات والحضارة الأفريقية واستعمال وصفة المقاومة والوعي بماضيها وتاريخها الانتربولوجي والثقافي الغني والمتنوع"، مؤكدًا أن أفريقيا تفتقر إلى الخبرة والمعرفة لتدبير الثروات الموجودة فيها، كما شدد على ضرورة الاهتمام بالتربية والتعليم باعتباره مجالًا استراتيجيًا.&

حكيم بنحمودة وزير الاقتصاد والمالية التونسي السابق وزوجته يتابعان أعمال الندوة&

وأشار إلى أن الثقافة والتقاليد "موجودة وراسخة في ترابنا، وهذا يتطلب المزيد من الأبحاث الأنتروبولوجية والمعرفية"، وتساءل "كيف يمكن لأفريقيا أن تنسى تاريخها وثقافتها؟"، مبرزًا أن الثقافة تعاني من التهميش، ووزارات الثقافة في دول أفريقيا ليست منخرطة في هذا الأمر، ويجب أن نعيد النظر في هذه العملية، حتى تسترجع أفريقيا هويتها وثقافتها".

من جهتها، قالت نديورو ندياي، المديرة العامة سابقًا للمنظمة الدولية للهجرة، إن التنمية جزء لا يتجزأ من ثقافتنا الأفريقية، واعتبرت أن الثقافة ركيزة أساسية لتنمية مجتمعاتنا الأفريقية.

وأضافت ندياي أن الثقافة هي أساس التنمية والازدهار، وهي المنطلق والهدف الأساسي للتنمية، مؤكدة وجود خصوصيات تميز مجتمعات القارة "لا بد من مراعاتها. وينبغي أن تنطلق التنمية من التراب ولا تقف عند ذلك".&

زادت مبينة أن الخصوصية هي "ما تبقى لنا بعدما فقدنا كل شيء، وهذا سيأتي بالنجاح المشترك وعلينا أن نتغلب على عقدة التنوع الثقافي"، موضحة أن أوروبا استطاعت أن تتغلب على الصعاب، لكنها فرضت أفكارها وشروطها على قارة تاريخها مختلف تمامًا عنها.

وشددت ندياي على أن مفهوم التنمية جاء من العالم الغربي، و"كانت النقاشات حادة بين أنصار الاستقلال وأنصار الليبرالية الذين يبحثون عن الأرباح دائمًا"، وطالبت بضرورة استعادة الثقة في قظرات القارة وإمكانياتها من أجل النهوض بأوضاع شعوبها بعيد عن الوصفات الغربية.

الثقافة دافع التنمية&
أما حكيم بنحمودة، وزير الاقتصاد والمالية التونسي السابق، فسجل بأن الطرح الذي يؤكد على أن الثقافة هي دافع التنمية لا ينبغي أن نبالغ فيه على حساب الموارد المالية والخبرات الاستثمارية، مؤكدا أن الاضطرابات والتحولات التي عشناها في أفريقيا أثرت على شعوبها.

وقال بنحمودة إن مستقبل العالم أصبح "مهددًا، وهناك دواعي للانشغال بذلك، خصوصًا بعد توسع الشعبوية التي تحرّض الشعوب على التمرد ضد المنظومات السياسية، وهذا ينطوى على مغامرات خطيرة".

تساءل الخبير التونسي "هل تستطيع أفريقيا أن تتجنب التوجه الشعبوي الذي يعاني منه العالم؟"، وأضاف أن أفريقيا لا ينبغي أن تبقى على هامش العالم وخارج الحراك العالمي من الناحية الاقتصادية، فأفريقيا كإقليم في حاجة الى الانخراط في حركة الأفكار على المستوى العالمي".&

وأفاد بأن توجّهًا أفريقيًا نحو "التحرر والاستفادة من كل الطاقات جاء في سياق أزمة عميقة للحراك الليبرالي ألهمت الميل إلى الشعبوية"، مشددًا على أن دول أفريقيا عليها أن تواجه الشعبوية من خلال التفكير في مشروع ديمقراطي منفتح يضمن التنمية والاستقرار لشعوب المنطقة.

على أفريقيا أن تركض بدلًا من أن تتمشى&
من جانبه، قال إبريما صال، الأمين التنفيذي السابق لمجلس تنمية البحوث الاجتماعية في أفريقيا، إنه بناء على مقاييس التجارب الغربية في الانتقال والتنمية "هناك مراحل يفترض علينا قطعها، والطريق إلى التقدم طويل ولا يمكن اختصاره"، مؤكدا أن أفريقيا عليها أن "تركض بدلًا من أن تتمشى كما فعلت أقاليم أخرى".

وأضاف صال أن الواقعية مطلوبة أمام الضغط الحاصل في أفريقيا، وأفاد بأن العلاقة بين الفكر والإبداع والتنمية في تطور مستمر وتتجدد باستعمال المعايير الدولية والانخراط في السياق العالمي.

وأشار صال إلى أن الثقافة "داعمة للتنمية ولا يمكن أن تتحقق التنمية في غياب الإدارة السديدة والحكامة"، مبرزا أن قولة "الثقافة الأفريقية تعترض سبيل التنمية" هي "وجهة نظر غير صحيحة لأنها ليست أفريقية وروّجها الاستعمار".

شدد على القول ان المشاكل التي تعيشها أفريقيا حاليا ترتبط بأن التنمية "غير كافية، ولا بد من مواصلة الكفاح من أجل تحقيق الحرية والتنمية"، وأوضح أن مفاتيح نجاح التنمية "ظاهرة ثقافية لأنها بحاجة إلى الفكر والتخطيط وانطلاقا من ذلك يمكن تحقيق الأهداف، وما نلاحظه هو خطط الطوارئ التي تاأتي من مركز ماكينزي وغيرها من المنظمات الاستشارية التي تستنسخ التجارب وتبين أننا لا نثق في التفكير المحلي".

الاتفاق على المفاهيم ودلالاتها&
من جهته، دعا عبد الرحمن نغايدي، الأستاذ الباحث في التاريخ (موريتانيا)، إلى الاتفاق على المفاهيم ودلالاتها، مبينا أن مثقفي المهجر "يمثلون حلقة وصل لنقل عناصر ثقافية أفريقية من ثقافة سحقتنا".

أضاف نغايدي "علينا ألا نعتمد الانماط الفكرية التي تفرض علينا أن نتأقلم مع الأنماط المفروضة علينا وهي جامدة"، مطالبًا بالكفّ عن ترويج الأفكار التي "لا تتماشى مع ما نؤمن به، وعلينا أن نسلط الضوء على الأنماط الفكرية، ويجب أن ننقل هذه الرسالة إلى الأجيال الأفريقية المقبلة".

زاد نغايدي موضحًا أن أفريقيا ينبغي أن تكون على وعي بأهمية دور أهل الفكر في التغيير والتنمية و"يجب أن نقوم بتحليل موضوعي للمجتمعات التي نعيش فيها"، وسجل أهمية استخدام اللغات المحلية، محذرًا من فقدان "أهميتها، وعلينا أن نتجهز لهذا الأمر لإبطال الاستعمار الذي يؤدي&إلى ازدواجية استعمال اللغات".