يحتفل السودان السبت ببدء تنفيذ الاتفاق التاريخي الذي تم التوصل إليه بين المجلس العسكري الحاكم وقادة الحركة الاحتجاجية بهدف الانتقال إلى الحكم المدني الذي يأمل السودانيون أن يجلب لبلدهم مزيدًا من الحرية والازدهار الاقتصادي.

إيلاف: خلال حفل سيقام في قاعة تطل على نهر النيل، سيوقّع قادة المجلس العسكري الانتقالي وزعماء الحركة الاحتجاجية على وثائق الاتفاق الذي يحدد فترة حكم انتقالية مدتها 39 شهرًا.

وعلى الرغم من أن الطريق إلى الديموقراطية لا يزال حافلًا بالكثير من العقبات، فإن الأجواء الاحتفالية تخيّم على البلاد التي ستستقبل السبت العديد من الشخصيات الأجنبية، إضافة إلى الآلاف من المواطنين من جميع أنحاء السودان الذين تقاطروا على الخرطوم للمناسبة.

وقد أنهى الاتفاق الذي تم التوصل إليه في 4 أغسطس ما يقرب من ثمانية أشهر من الاضطرابات التي بدأت بتظاهرات حاشدة ضد الرئيس عمر البشير، الذي أطاح به الجيش في أبريل، بعد 30 سنة من التربّع على كرسي الحكم.&

الاتفاق الذي توسّط فيه كل من الاتحاد الأفريقي وأثيوبيا قوبل بارتياح من كلا الجانبين، إذ رأى فيه المتظاهرون انتصارًا لـ"ثورتهم"، بينما رأى فيه الجنرالات تكريسًا لفضلهم في تجنيب البلاد حربًا أهلية.

وفي مدينة عطبرة، مهد الاحتجاجات التي اندلعت في ديسمبر 2018، رقص الناس وغنّوا في محطة القطار الجمعة، بينما كانوا يستعدون لركوب القطار باتجاه الخرطوم للمشاركة في احتفال السبت.

وهتف المحتفلون "مدنية، مدنية"، متعهّدين الانتقام للقتلى الذين سقطوا خلال الاحتجاجات. ومع التوقيع الرسمي على الاتفاق السبت، سيبدأ السودان عملية تشمل خطوات أولى فورية مهمة.

مؤسسات جديدة
غداة توقيع الاتفاق سيتم الأحد الإعلان عن تشكيلة مجلس الحكم الانتقالي الجديد الذي سيشكّل المدنيون غالبية أعضائه. وكان قادة الحركة الاحتجاجية أعلنوا الخميس أنهم اتفقوا على تعيين المسؤول السابق في الأمم المتحدة عبد الله حمدوك، وهو خبير اقتصادي مخضرم، رئيسًا للوزراء.

ومن المتوقّع أن يركّز حمدوك جهوده على إصلاح الاقتصاد السوداني، الذي يعاني من أزمة، منذ انفصل الجنوب الغني بالنفط في 2011 عن الشمال، والذي شكّل شرارة الاحتجاجات ضد حكم البشير.

لكن العديد من السودانيين يشكّكون في قدرة المؤسسات الانتقالية على كبح جماح قوى النخبة العسكرية خلال فترة السنوات الثلاث التي ستسبق الانتخابات.

وسيحكم البلد، الذي يبلغ عدد سكانه 40 مليون نسمة، مجلس سيادة سيتألف من 11 عضوًا، غالبيتهم من المدنيين، بحسب الاتفاق الذي ينص على أن وزيري الداخلية والدفاع سيعيّنان من قبل المجلس العسكري. وقالت روزاليند مارسدن من مركز تشاتام هاوس في لندن إن "الديناميات السياسية ستهمّ أكثر من قصاصات ورق".

أضافت أن "التحدّي الأكبر الذي يواجه الحكومة هو تفكيك الدولة الإسلامية العميقة... التي سيطرت على جميع مؤسسات الدولة والقطاعات الرئيسة في الاقتصاد، بما في ذلك مئات الشركات المملوكة للجهاز الأمني-العسكري".

نهاية العزلة؟
يحضر الحفل الرسمي السبت رئيس الوزراء الأثيوبي آبيي أحمد وعدد من كبار القادة من المنطقة. أحد أكثر العواقب الدبلوماسية الفورية للحلّ الوسط الذي تم التوصل إليه خلال هذا الشهر هو رفع تعليق العضوية الذي فرضه الاتحاد الأفريقي على السودان في يونيو.

وقال اللواء الركن محمد علي إبراهيم، العضو البارز في المجلس العسكري الانتقالي، الجمعة إن التوقيع الرسمي "سيفتح الباب مجددًا أمام العلاقات الخارجية للسودان".

ومن المقرر أن يمثل البشير، الذي تولّى السلطة إثر انقلاب في 1989 والمطلوب من قبل المحكمة الجنائية الدولية بجرائم حرب أبرزها ارتكاب إبادة جماعية في منطقة دارفور، أمام المحكمة يوم السبت بتهم فساد. غير أن محاكمته لا تنفك تؤجّل مرة تلو الأخرى.

وحذرت منظمة العفو الدولية الجمعة من السماح للبشير بالهروب من المحاكمة في لاهاي. وقالت في بيان "يجب على السلطات السودانية تسليم البشير إلى المحكمة الجنائية الدولية للردّ على تهم الإبادة الجماعية، وجرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية. لقد تهرَّب عمر البشير من العدالة لمدة طويلة جدًا، علمًا بأن ضحايا الجرائم البشعة لا يزالون ينتظرون تحقيق العدالة، وتلقّي التعويضات، بعد أكثر من عقد منذ أن أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أول مذكرة لاعتقاله".

ويشكّك البعض في معسكر الاحتجاج في قدرة الاتفاق على الحدّ من سلطات الجيش وضمان العدالة لنحو 250 متظاهرًا قتلوا على أيدي قوات الأمن. وتغيّب عن حفل السبت أيضًا مختلف الجماعات المتمرّدة في المناطق المهمشة مثل دارفور والنيل الأزرق وكردفان.

وكانت الجبهة الثورية السودانية التي توحّد هذه الحركات المتمردة تحت رايتها دعمت الحركة الاحتجاجية، لكنها رفضت الإعلان الدستوري، وطالبت بتمثيل في الحكومة وبمزيد من الضمانات في محادثات السلام.
&