الخرطوم: خطا السودان خطوة كبيرة في التحول باتجاه الحكم المدنيّ بأداء رئيس وأعضاء المجلس السيادي الذي سيحكم البلاد خلال مرحلة انتقالية مدتها 39 شهرًا، اليمين الدستورية الاربعاء، كما أدى رئيس الوزراء مساء القسم بدوره.

سيحل المجلس السيادي محل المجلس العسكري الانتقالي الذي تولى السلطة في أعقاب الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير على يد الجيش في السادس من أبريل إثر تظاهرات شعبية حاشدة استمرت خمسة أشهر. وتأتي هذه الخطوات الأولى للانتقال بعد احتفالات كبيرة واكبت توقيع المجلس العسكري وحركة الاحتجاج المطالبة بحكم مدني، على وثيقة دستورية انتقالية في 17 اغسطس.

بعيد الساعة الحادية عشرة (9,00 ت غ)، أقسم الفريق عبد الفتاح البرهان الذي كان يرأس حتى الآن المجلس العسكري، اليمين ببزته العسكرية الخضراء المرقطة، واضعًا يده على القرآن، في احتفال قصير. وفي وقت لاحق، أدّى أعضاء المجلس العشر الآخرون، اليمين أمام البرهان ورئيس مجلس القضاء.

تم تنصيب الخبير الاقتصادي عبد الله حمدوك رئيسًا للوزراء لقيادة حكومة انتقالية في البلاد، وفق ما ذكرته وسائل الإعلام الحكومية. بعد وقت قصير من وصوله الى الخرطوم، أدى هذا المتعاون السابق للأمم المتحدة اليمين الدستورية خلال حفل مقتضب.

قال حمدوك للصحافيين إن "أبرز الأولويات للحكومة إيقاف الحرب وبناء السلام المستدام والعمل على معالجة الأزمة الاقتصادية الطاحنة وبناء سياسية خارجية متوازنة". ورحّب مجلس الأمن الدولي بـ"هذه الخطوات المهمة لتحقيق السلام والأمن لشعب السودان".

أضاف المجلس في بيان أنّه يشدّد "على الحاجة إلى استئناف المفاوضات بسرعة لإيجاد حلول سلمية للنزاعات في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق"، داعياً "جميع الأطراف إلى المشاركة بصورة بنّاءة وفورية وبدون شروط مسبقة في هذه المحادثات".وسيكون البرهان رئيسا للبلاد للأشهر الـ21 الأولى في المرحلة الانتقالية، على أن يتولى مدني المدة المتبقية.

يضم المجلس السيادي امرأتين، بينهما ممثلة عن الأقلية المسيحية في البلاد، وسيشرف على تشكيل الحكومة والمجلس التشريعي الانتقالي. ويضم ستة مدنيين وخمسة عسكريين. وعقد المجلس أول اجتماعاته بعد ظهر الأربعاء.&

لقي تعيين المجلس الذي يهيمن عليه مدنيون، ترحيبًا، إلا أن بعض سكان الخرطوم قالوا انهم سيراقبون الحكام الجدد من كثب.&

نهاية العزلة؟
أقيم حفل توقيع رسمي للوثيقة الدستورية السبت بحضور عدد من الزعماء الأجانب، في مؤشر الى أن السودان قد يقلب صفحة العزلة التي عرفها خلال عهد الرئيس المعزول الذي استمر ثلاثين عاما.&

ويتوقع أن يضغط المجلس الجديد من أجل وقف تعليق عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي. واتخذ الاتحاد الإفريقي قرار تعليق عضوية السودان بعد عملية فض اعتصام المحتجين الدامية في الخرطوم في الثالث من يونيو التي أدت الى مقتل 127 شخصا. كما سيسعى حكّام البلاد الجدّد الى إزالة اسم السودان من اللائحة الأميركية للدول الراعية للإرهاب.

يذكر أن البشير مطلوب من المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بموجب مذكرة توقيف دولية واتهامه بأن له دورًا في مجازر وقعت في إقليم دارفور، حيث اندلعت حركة تمرد في العام 2003. مثل البشير أمام محكمة سودانية الاثنين، لكنّ فقط في اتهامات بالفساد في بداية محاكمة قال أحد المحققين فيها إن البشير أقرّ باستلام ملايين الدولارات نقدا من دول عربية.

باتت صورة البشير (75 عاما) جالسا في قفص الاتهام، رمزا لانهيار نظامه العسكري. ورحبّ السودانيون على نطاق واسع بمشهد مثول دكتاتورهم السابق في قفص الاتهام، لكنّ العديد منهم حذر من أنّ تصرف محاكمته بتهم الفساد الانتباه عن الاتهام الأخطر الموجه له في المحكمة الجنائية الدولية.

وقال أحد المتحدرين من دارفور ويدعى الحاج آدم لوكالة فرانس برس "أدلة ارتكابه إبادة جماعية يجب أن تقدم... الكثير من المدنيين داخل وخارج السودان قتلوا بسببه ويجب أن يمثل أمام العدالة".

الاقتصاد

سيحتاج المجلس السيادي التصديق على معاهدة روما الخاصة بالمحكمة الجنائية الدوليّة قبل تسليم البشير ليخضع للمحاكمة في لاهاي.

لكن رغم البهجة المحيطة بتوقيع الاتفاق حول المرحلة الانتقالية، تبرز تحفظات في أوساط الحركة الاحتجاجية، خصوصاً حول نائب رئيس المجلس العسكري محمد حمدان دقلو المعروف باسم حميدتي الذي وقع الاتفاق عن الجانب العسكري.&

يقود دقلو "قوات الدعم السريع" المتهمة بتنفيذ عملية فض الاعتصام أمام مقر قيادة القوات المسلّحة في الخرطوم. ويخشى كثر أن يقوم باحتكار السلطة ويقضي على التحول الديموقراطي في البلاد.&

وسيمثل إحلال السلام في بلد تسوده نزاعات في أقاليم دارفور وكوردفان والنيل الأزرق إحدى المهام العاجلة لحكام السودان الانتقاليين. فيما سيشكل إنقاذ الاقتصاد الذي انهار خلال السنوات الأخيرة تحديا أساسيا أيضا.

أثار رفع أسعار الخبز ثلاثة أضعاف في ديسمبر 2018 موجة الاحتجاجات العارمة التي انتهت بإطاحة البشير. من المقرر أن يتوجه رئيس الوزراء المعين حمدوك إلى الخرطوم من أديس أبابا، حيث كان يعمل خبيرا اقتصاديا بارزا في الأمم المتحدة.
&