طرابلس: بلباسه الأبيض والأسود، يجول النيجيري جوناثان جوشوا داخل كنيسة في طرابلس، حيث يساعد المؤمنين على أخذ مقاعدهم. ومع بدء القدّاس، ينسى هذا الرجل المسيحي المتدين أنّه يعيش في ليبيا الرازحة تحت وطأة الحرب.

وصل جوشوا (30 عامًا) إلى هذه البلاد قبل أربعة أعوام، حاملًا معه شهادة في الهندسة الميكانيكية. يعمل حاليًا في سوق الجمعة حيث يسكن أيضًا، وهو حي مكتظ في الضاحية الشرقية لطرابلس، غير بعيد عن المعارك الدائرة بين حكومة الوفاق الوطني والقوات الموالية للمشير خليفة حفتر.

يقول لفرانس برس "أجد أنّ الحياة صعبة جدًا هنا، ولكن في الكنيسة (...) أنسى ساعات عدة أنني في ليبيا".

إلى كنيسة القديس فرنسيس، واحدة من أقدم الكنائس الكاثوليكية في طرابلس وتقع في وسط المدينة القديم، يتوجه المسيحيون، وكلهم من الأجانب، للمشاركة في القداس الذي يقام أيام الجمعة، لا الأحد، تبعًا لمواقيت العطلة الأسبوعية محليًا.

في كل يوم جمعة، تخرق الأصوات الآتية من الكنيسة الهدوء الذي يعمّ في المحيط الخارجي، إذ يكون الليبيون في بيوتهم في بداية عطلتهم الأسبوعية.

يستقبل جوناثان جوشوا برفقة خمسة آخرين المؤمنين، ويساهم في توزيع المقاعد قبيل قدّاس يندرج في إطار الاحتفالات بعيد الميلاد.

في الأرجاء، تختلط اللغات المختلفة بالضحكات وببكاء الأطفال، بينما يسارع جوناثان إلى تهدئة ست فتيات يرتدين ثياب الملائكة ويلهون بالتسلل بين مقاعد الكنيسة.

مكان آمن
في هذه الفترة من العام المتميزة بمقدّمات عيد الميلاد، تتحوّل الكنيسة أكثر من أي وقت آخر إلى مكان للمواساة والأمل بالنسبة إلى مسيحيي طرابلس. وذلك خاصة منذ 4 إبريل، تاريخ إطلاق المشير حفتر، رجل شرق ليبيا القوي، هجومه على العاصمة حيث مقرّ حكومة الوفاق المعترف بها دوليًا.

لم يسلم المدنيون من الاشتباكات الدموية الدائرة في أطراف طرابلس، وأسفرت عن مقتل أكثر من ألف شخص، ونزوح حوالى 140 ألف آخرين، فيما تدهورت أحوال اللاجئين.

تتألف الطائفة المسيحية في طرابلس، بشكل خاص، من فلبينيين وهنود وباكستانيين يعملون في مجالات الصحة والبناء، إضافة إلى مهاجرين أفارقة، يعيشون غالبًا في أوضاع غير قانونية. ويلفت الأسقف جورج بوغيجا (57 عامًا) إلى أنّ "التردد (إلى الكنيسة) لا يزال عاديًا. أقله حتى الآن". يضيف لفرانس برس، "نواصل الاحتفالات كالمعتاد"، غير أنّه يشير في الوقت نفسه إلى "تراجع في الأعداد".

يعيد ذلك إلى رجوع العديد من الفلبينيين إلى بلدهم بسبب التوتر القائم في طرابلس، وكذلك "أفارقة كانوا يعيشون في أوضاع قانونية (...) وغالبيتهم من النيجيريين" الذين هم الأكثر عددًا في ليبيا.

من جانبها، تأسف أرليندا (62 عامًا)، الممرضة في أحد مستشفيات طرابلس، لتناقص عدد مواطنيها مع تواصل المعارك. وكانت هذه الشابة قد وصلت إلى ليبيا بعمر الـ25 عامًا، حيث تزوجت بفلبيني وصارت أمًاً لأربعة أطفال.

تقول "إنّ حياتنا هنا"، مضيفة لفرانس برس إنّ "الكنيسة مكان آمن، (...) مكان للسلام وفرح التشارك، خاصة خلال هذه الفترة من العام التي نحتفل خلالها بولادة يسوع المسيح. إنّها أوقات روحانية مبهجة".

كما لو أنك في منزلك
قدم بيرتو الإيطالي، وهو واحد من بين قلة من الأوروبيين الذين لا يزالون يعيشون في طرابلس، إلى الكنيسة الجمعة فقط "لإلقاء نظرة".

يؤكد الأستاذ الخمسيني الذي وصل إلى ليبيا قبل خمس سنوات لتعليم لغته، "لم يعد ثمة شيء يزعجني في هذا البلد. اعتدت على الحياة هنا".

غير بعيد عنه، تتبادل أنجلينا (14 عامًا) الحديث مع صديقتين. تقول "فقط حين أذهب إلى الكنيسة، أصادف غانيين آخرين من عمري".

تضيف "هنا، لا نملك حياة اجتماعية خارج المدرسة والبيت والكنيسة" لأسباب أمنية. وتتابع "لذلك، ولمرة واحدة أسبوعيًا، أختار ثيابًا بتأن (...) إنني أحب الذهاب إلى الكنيسة، إذ تشعر فيها كما لو أنك في منزلك".