واشنطن: أعلنت الولايات المتّحدة الثلاثاء أنّها "تدعم بالكامل" الآلية التي أطلقتها الدول الأوروبية الثلاث الأطراف في الاتفاق النووي الإيراني لإرغام طهران على العودة للالتزام بمفاعيل هذا الاتفاق المبرم في 2015 والذي يقيّد أنشطتها النووية.

وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية في بيان "نحن ندعم بالكامل قرار الترويكا الأوروبية إطلاق آلية فضّ النزاعات"، داعياً إلى فرض "المزيد من الضغوط الدبلوماسية والاقتصادية" على الجمهورية الإسلامية التي تخضع أساساً لعقوبات أميركية مشدّدة.

وبدأت الدول الأوروبية الأطراف في الاتفاق النووي عملية دبلوماسية صعبة لإلزام طهران بالعودة إلى احترام تعهداتها النووية من دون فرض عقوبات جديدة عليها قد تقتل اتفاق فيينا المبرم عام 2015.

وباشرت فرنسا وبريطانيا وألمانيا تفعيل آلية لتسوية للخلافات ينصّ عليها الاتفاق، في حال انتهاك الالتزامات.

من جهتها، حذرت إيران برلين ولندن وباريس من "عواقب قرارها". وقالت الخارجية الإيرانية في بيان "بالطبع، إذا حاول الأوروبيون (...) إساءة استخدام (هذه الآلية)، فعليهم أن يكونوا أيضاً مستعدين لتحمل العواقب، التي سبق أن قمنا بإخطارهم بها".

وقال وزراء الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان والألماني هايكو ماس والبريطاني دومينيك راب في بيان مشترك "ليس لدينا خيار آخر نظراً للتدابير المتخذة من جانب إيران".

وفي الخامس من يناير، كشفت طهران عن "المرحلة الخامسة والأخيرة" من برنامجها القاضي بالتخلي عن التزاماتها الدولية بشأن النووي، رداً على انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق في 2018 وإعادة فرض عقوبات أميركية قاسية تخنق الاقتصاد الإيراني.

وقال الوزراء الأوروبيون إن "دولنا الثلاث لا تنضمّ إلى الحملة الهادفة إلى ممارسة ضغوط قصوى على إيران"، ملمحين بذلك إلى عدم رغبتهم في اتباع سياسة العقوبات التي تنتهجها الولايات المتحدة.

وقد يؤدي إطلاق آلية تسوية الخلافات التي هددت بها باريس منذ أسابيع عدة، في نهاية المطاف إلى فرض عقوبات من جانب الأمم المتحدة.

وسارعت موسكو الى التنديد بقرار الاتحاد الأوروبي إطلاق آلية تسوية الخلافات وحذرت من أنه قد يؤدي الى "تصعيد جديد".

وذكرت "لا نستبعد أن تؤدي تصرفات الأوروبيين اللاعقلانية الى تصعيد جديد بشأن الاتفاق النووي الإيراني".

إلا أن الأوروبيين لا يريدون "تسريع الانتقال" إلى عقوبات إنما ممارسة ضغوط على إيران لإنقاذ الاتفاق المبرم عام 2015 والذي يحدّ من برنامج إيران النووي، كما ذكرت مصادر في باريس.

من جهته، دعا وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل المكلّف الإشراف على آلية تسوية النزاعات كل الدول المشاركة في الاتفاق بينها إيران، إلى الحفاظ على النصّ، معتبراً أن هذا الأمر "مهمّ اليوم أكثر من أي وقت مضى".

وقال بوريل كذلك إن "الهدف من الآلية ليس إعادة فرض عقوبات على إيران وإنما حل المسائل المتصلة بتنفيذ الاتفاق في إطار اللجنة المشتركة".

وأضاف للصحافيين في مقر البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ أن الاتفاق "أبرم بعد سنوات من التفاوض وما من حل آخر سوى هذا الاتفاق"

- محور جونسون ترمب؟ -

تقوم الدول الأوروبية الثلاث بعكس ما فعله الرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي دعاها إلى الانسحاب من الاتفاق وفرض عقوبات جديدة في الثامن من يناير بعد تصعيد عسكري بدأ باغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني في غارة أميركية في بغداد في الثالث من الشهر نفسه.

خلافاً لذلك، تأمل باريس وبرلين ولندن في أن يأخذ المسار الدبلوماسي مجراه في الأزمة مع إيران، وهو رهان محفوف بالمخاطر وقد تعيقه أيضاً التظاهرات الجديدة المناهضة للنظام في طهران.

وحذّرت المحللة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية إيلي جيرانمايه في تغريدة من أن "ما يريدون طرحه على الطاولة مقابل تراجع إيران (عن تخليها عن التزاماتها)، ليس واضحاً. قد يؤدي ذلك إلى مواصلة تقويض إطار الاتفاق النووي".

سرعان ما جاء تصريح رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون لتعكير الأجواء فقال إنه مستعدّ لاستبدال الاتفاق النووي المبرم عام 2015. وصرّح لشبكة "بي بي سي" أن "الرئيس ترمب مفاوض ممتاز (...) لنعمل معاً من أجل استبدال (الاتفاق النووي) باتفاق ترمب".

وتعليقاً على ذلك قال بوريل إن الاتفاق "يستحيل" استبداله "لا أرى كيف يمكن التوصل إلى اتفاق آخر في سياق على هذه الدرجة من التعقيد. هذا غير ممكن".

وقال إن جونسون "يقول أشياء تتعارض مع الرسالة الموقعة من وزراء خارجية بريطانيا وفرنسا وألمانيا. بالنسبة لي هذه الرسالة هي المهمة"، تأكيدا لما قاله في وقت سابق إن الرسالة "هي إطار مرجعيّتي".

لكنّ البريطانيين ما زالوا "متمسكين" بالاتفاق حول النووي الايراني وفقا لتاكيد مصدرين دبلوماسيين أوروبيين. كما نفى وزير الخارجية دومينيك راب أي تراجع في الموقف البريطاني.

واعتبر الخبير أليكس فاتانكا في معهد الشرق الأوسط في واشنطن أن الأوروبيين لا يتمتعون بوزن سياسي "ثقيل جداً" وإضافة إلى ذلك هم منقسمون. ويتوقع أن يحصل "تقارب" بين جونسون وترمب.

ونجحت الإشارات التي بعثتها طهران في الأيام الأخيرة في تشجيع الحركة الدبلوماسية، بينما جعل الشعور الذي أثاره اغتيال سليماني، الجميع يخشون الأسوأ.

واختارت الجمهورية الإسلامية رداً متناسباً على مقتل سليماني وأطلقت للمرة الأولى صواريخ على قاعدتين في العراق يتمركز فيهما جنود أميركيون، من دون التسبب بسقوط ضحايا.

- ماكرون لا يزال مستعداً -

أقّرت طهران بأن الحرس الثوري الإيراني أسقط عن طريق الخطأ طائرة مدنية أوكرانية بعد بضع ساعات من استهداف القاعدتين العسكريتين في العراق، ما أدى إلى مقتل جميع ركابها البالغ عددهم 176.

ولا يزال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي حاول بدون جدوى تنظيم لقاء بين ترمب والرئيس الإيراني حسن روحاني في 2019 لإنقاذ الاتفاق النووي، مستعداً للقيام بالمساعي الحميدة.

وقال مصدر في وزارة الخارجية الفرنسية "نعتبر أن هذه المبادرة الفرنسية لم تفشل. ليس هناك بديل آخر (...) ليس هناك قائد آخر قادر في الوقت الراهن على التحدث مع الجميع وقول الأمر نفسه إلى الجميع".

لكن هل الرئيس ترمب، القلق بشأن إعادة انتخابه، لا يزال يسعى لمصافحة نظيره الإيراني، ولو أمام عدسات الكاميرات فقط؟

يغيّر الغضب الذي أثاره تحطّم طائرة البوينغ الأوكرانية في إيران، المعطيات على الأرجح.

وأوضح فاتانكا أن "ترمب قد يميل نظراً إلى الأحداث إلى تغيير النظام" اكثر من ميله الى التفاوض.

ورأى الخبير في مؤسسة البحث الاستراتيجي في باريس فرانسوا هيسبورغ أن مجرد إعادة فرض الرئيس الأميركي عقوبات على إيران، وهو ما تعتبره طهران خطاً أحمر، هو "مؤشر سيئ جداً".

لكن الرئيس الأميركي يبقى منفتحا على "حل تفاوضي" كما يؤكد مصدر دبلوماسي في باريس. وقال "إنه لا يريد تدخلا عسكريا لوقف البرنامج الإيراني".