شملت القمة العالمية لطاقة المستقبل التي عقدت في مركز أبوظبي الوطني للمعارض على برامج للمعارض والمنتديات تتوزع على 5 ركائز رئيسة هي الطاقة والطاقة الشمسية والمياه والنفايات والمدن الذكية. في هذا التقرير عرض لدور الذكاء الاصطناعي في تشكيل المدن الذكية.

"إيلاف" من بيروت: شكلت القمة العالمية لطاقة المستقبل التي انعقدت بين 13 و16 يناير 2020 في أبوظبي ملتقى عالميًا يجمع كبار المسؤولين الحكوميين وقادة الأعمال لمناقشة السوق العالمية الرائدة للطاقة والتقنيات النظيفة والاستدامة في المستقبل. ونعرض لكم هنا كيف يساعد الذكاء الاصطناعي في تطوير مفهوم المدن الذكية.

المدينة الذكية

تعاني المدن في العالم آثار التوسع الحضري السريع الذي يجعلنا غير قادرين على استيعاب الأعداد الهائلة للسيارات والركاب. تتجاوز تحديات التنقل مسألة الازدحام، حيث يحتاج سكان المدينة أيضًا إلى روابط سهلة وموثوقة وفعالة بين المنزل والعمل والمجالات الأخرى المهمة بالنسبة لهم.

لذلك، يجب أن يكون مخططو المدن الذكية ومشغلوها قادرين على توفير شبكات التنقل الذكية التي تمتلك نطاق لاستيعاب عدد المستخدمين، وتوفر في الآن عينه اتصال "الميل الأخير" الذي يسهل حياة الناس.

يوفر مزيج الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء تحليلًا للبيانات ضروريًا لتقييم دقيق يشرح طريقة وتوقيت سفر الناس، ويفتح نوع من الأفكار المطلوبة لتطوير شبكات التنقل الذكية الحقيقية التي تصب في مصلحة الجميع. والجدير بالذكر أن هذا النهج لا يمكن أن يؤدي إلى تصميم شبكات نقل أفضل فحسب، بل يمكن أن يخفف أيضًا من مشكلات مواقف السيارات ويحسن من كفاءة أعمال الصيانة والترميم مع تقليل آثارها السلبية على السكان.

تؤدي الحاجة إلى التنقل الذكي القادر على الحفاظ على المدن المتوسعة في الشرق الأوسط، وفي مناطق أخرى تطمح لاعتماد أنموذج المدينة الذكية، إلى إنشاء أنظمة نقل مدهشة ومتطورة تقنيًا. ومن مروحيات التاكسي إلى المركبات ذاتية القيادة في مركز المدينة، والوحدات المعلقة "يونيبايك"، والهايبرلوب، وموقف السيارات الذكي، من المتوقع أن يكون مستقبل السفر القريب أقرب وأكثر ملاءمة للبيئة.

استراتيجية دبي للتنقل الذكي

تهدف استراتيجية دبي للتنقل الذكي ذاتي القيادة إلى تحويل 25 في المئة من إجمالي وسائل النقل في دبي إلى ذاتية القيادة بحلول عام 2030. ومن المتوقع أن تحقق الاستراتيجية 22 مليار درهم إماراتي بشكل عائدات اقتصادية سنوية في العديد من القطاعات من خلال خفض تكاليف النقل وانبعاثات الكربون والحوادث، ورفع إنتاجية الأفراد، وكذلك توفير مئات الملايين من الساعات المهدورة في وسائل النقل التقليدية. يتوقع المبادرون في المشروع بأن أنظمة النقل المستقلة التي يسيطر عليها الذكاء الاصطناعي ستتعامل مع أكثر من 5 ملايين رحلة يوميًا.

شهد عام 2019 تجربة تاكسي ذاتي القيادة في منطقة واحة دبي للسيليكون. في حال نجحت هذه التجارب، ستوفر سيارات الأجرة ذاتية القيادة حلًا أخيرًا أساسيًا سيتم تطبيقه في أنظمة مترو وترام دبي. ولا بدّ من الإشارة أنه في هذا العام أيضًا، بدأت هيئة الطرق والمواصلات الإماراتية في اختبار نموذجين من "سكاي بودس" بالشراكة مع شركة "سكاي واي غرينتك كو"، الهدف منها إنشاء شبكة خاصة تصل بين أبراج المدينة الشاهقة.

يتميز النموذج الأول من وحدات دبي المعلقة "يونيبايك" بكونه صغير الحجم وخفيف الوزن، كما أنه يجمع بين مزايا المركبة الكهربائية ذات الأداء العالي والمزايا الرياضية والترفيهية. وتتراوح سعة كل وحدة نقل بين شخص واحد و 5 أشخاص، فضلًا عن وجود مساحة خاصة للتنقل الفردي. وفي سرعة قصوى تصل إلى 150 كيلومترًا في الساعة. أما بالنسبة إلى النموذج الثاني من وحدات دبي المعلقة "يونيكار"، فهي مصممة لنقل الركاب لمسافة 200 كيلومتر، وتتراوح سعتها بين راكبين و 6 ركاب.

تأمين المدينة الذكية

يستمر معدل جرائم المعلوماتية في الارتفاع على الصعيد العالمي، حيث بلغت انتهاكات أمان البيانات المُبلغ عنها 42 في المئة عام 2018، وبلغت التكلفة السنوية للجرائم المعلوماتية 608 مليارات دولار عالميًا بين عامي 2014 و 2017.

نظرت الحكومة الإماراتية في هذا التهديد الحالي والمتطور بعناية لسنوات، وشهدت نهاية يونيو 2019 إطلاق إستراتيجيتها الوطنية للأمن السيبراني التي تهدف إلى خلق بيئة سيبرانية آمنة ومرنة في الدولة تساعد على تمكين المواطنين من تحقيق طموحاتهم وتمكين الشركات من التطور والنمو.

تعمل الاستراتيجية الوطنية للأمن السيبراني الجديدة على تعزيز المنظومة المتكاملة للأمن السيبراني من خلال تنفيذ 60 مبادرة في 5 محاور: وضع قوانين ولوائح الأمن السيبراني تتضمن رفع جاهزية أمن الشركات الصغيرة والمتوسطة من خلال توجيهات غير ملزمة، وإلزام موردي الجهات الحكومية بحيازة شهادة تطبيق الأمن السيبراني، وتطوير بوابة موحدة للشركات الصغيرة والمتوسطة لتمكينها من تنفيذ المعايير، وتأسيس بيئة حيوية تتضمن حماية التكنولوجيا الحالية والناشئة، وتحديث خطة الاستجابة مع الحوادث السيبرانية.

قامت الهيئة بتطوير الاستراتيجية، بناءً على تحليل أكثر من 50 مصدرًا من المؤشرات والمنشورات العالمية، والعمل مع فريق من الخبراء العالميين، وإجراء مقارنة معيارية مع 10 دول رائدة في مجال أنظمة الأمن السيبراني.

حماية المدينة الذكية

مع تزايد التهديدات في الفضاء الإلكتروني، تواجه المدن جميع أنواع التهديدات المادية بشكل يومي. وأثبت الذكاء الاصطناعي من خلال تمكين المراقبة في الوقت الحقيقي والتحليلات واتخاذ القرارات أنه يقدم رصيدًا لا يقدر بثمن في مساعدة الشرطة وغيرها من المنظمات الأمنية في جهودها المستمرة لمكافحة الجريمة والتهديدات الأخرى.

من خلال جمع البيانات المأخوذة من شبكة المدينة عبر الأجهزة المترابطة، والكاميرات، وأجهزة الاستشعار، والطائرات من دون طيار، تستطيع حلول الذكاء الاصطناعي تزويد الإنسان بالمعلومات الاستخباراتية التي يحتاج إليها في وقت قصير. وإذا نظرنا إلى المستقبل، فإن حلول الذكاء الاصطناعي المتطورة بشكل متزايد ستكون قادرة على التقييم ثم التصرف بشكل مستقل عندما يكون اعتراض الإنسان بطيئًا جدًا.

هناك شعور بالفعل بوجود الذكاء الاصطناعي في شوارع المدن الكبرى في الشرق الأوسط حيث تبحث قوات الشرطة عن ميزة جديدة ضد الجريمة. ومن الأمثلة الرائدة على ذلك، احتلال قوة شرطة دبي طليعة دمج الابتكار التكنولوجي في عملها لأكثر من عقد من الزمان. أما أحدث إبداعات قسم المخابرات في قيادة شرطة دبي فهو الدراجات النارية الطائرة لدوريات السماء التي قد تدخل الخدمة الفعلية في بداية 2020. وستكون هذه الدراجات قادرة على الوصول إلى سرعة 96 كيلومترا في الساعة وبإمكانها أن تحوم على ارتفاع يصل إلى 5 أمتار فوق سطح الأرض.

بنية تحتية ذكية

في حين تكمن قوة المدينة الذكية في طبيعتها المترابطة، حيث تقوم جميع العناصر بتبادل البيانات وإبلاغ القرارات الإستراتيجية لشبكة مركزية، فإن الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيات المرتبطة به تقود أيضًا تحسينات كبيرة في القدرة على الاستدامة في المباني الفردية وعناصر البنية التحتية.

إن قدرة الشبكة التي يسيطر عليها الذكاء الاصطناعي على تحليل استخدام كل وحدة من وحدات الإضاءة والصنابير المائية ووحدات التدفئة والتهوية وتكييف الهواء وحتى واجهة المبنى ذاتها، تمنحك القدرة على تلبية احتياجات وتفضيلات السكان مع التخلص من المواقف المهدَرة أو الخطرة عن طريق إغلاق العناصر التي ليست قيد الاستخدام.

يوفر الذكاء الاصطناعي أحدث إجراءات الوقاية والسلامة، إضافة إلى مراقبة التهديدات الأخرى. ومن الأمثلة على ذلك نذكر إعلان شركة "بيئة" الرائدة في مجال الاستدامة في الشرق الأوسط، أن كل مساحات وأنظمة مقرها الجديد في الشارقة ستكون مجهزةً بتقنية الذكاء الاصطناعي، ليصبح عند افتتاحه في الربع الأخير من عام 2019 الأول من نوعه في دولة الإمارات، ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وأحد أهم المباني الذكية في العالم.

وفقًا لهذه الاتفاقية، سيتم تجهيز المقر الرئيسي الجديد لـ"بيئة" بمجموعة واسعة من حلول المباني الذكية وتقنيات الذكاء الاصطناعي التي تدعمها "مايكروسوفت". ما سيجسد علامة فارقة أخرى في رحلة التحول الرقمي التي تبنتها "بيئة" وتوسّعت فيها بشكل كبير على مدى السنوات القليلة الماضية. ويأتي ذلك تماشيًا مع رؤيتها التي تتمحور حول التركيز على كل جوانب الاستدامة والتكنولوجيا كركائز للإقتصاد الحديث.

كفاءة الطاقة

يجب أن يقترن وجود الطاقة المتجددة في المدن بأنظمة التحكم الصحيحة القادرة على تقليل النفايات وتلبية الطلب بطريقة موثوقة وبأكثر طرائق الاستدامة الممكنة.

في هذا التقرير، نسلط الضوء على الاستخدامات الكثيرة والمتنامية للذكاء الاصطناعي في صناعة الطاقة، من إنشاء وتشغيل شبكات ذكية، إلى التنبؤ بدقة بالإنتاج والطلب على مستوى المدينة، إلى صوغ حلول ومواد طاقة متجددة أفضل. يُضاف إلى ما ذكرناه آنفًا قدرة الذكاء الاصطناعي على إنشاء شبكة طاقة متكاملة واسعة تكون أبعد من مستوى المدينة.

قدّر تقرير صدر حديثًا أنه في مجلس التعاون الخليجي وحده، يمكن الحكومات توفير ما يصل إلى 10 مليارات دولار من استثمارات البنية التحتية في عام 2020 من خلال نشر الشبكات الذكية ودمجها لتحقيق كفاءة إضافية عبر مدن متعددة.

وفقًا لوكالة الطاقة الدولية، ستتمكن أكثر من مليار أسرة و 11 مليار جهاز ذكي بحلول عام 2040 من المشاركة بنشاط في شبكات الكهرباء التي تديرها حلول الذكاء الاصطناعي على مستوى المدينة أو حتى على مستوى البلاد.

تخطيط مستدام

يلجأ مصممو المدن إلى الذكاء الاصطناعي لكشف أسرار التخطيط الحضري المستدام الذي يشمل الأنشطة اليومية لملايين السكان. ويمكن اـلذكاء الاصطناعي دمج البيانات من كاميرات التتبع، والمقاييس الذكية، وأجهزة الاستشعار وأجهزة المراقبة بكل أنواعها لبناء صورة أكثر دقة عن كيفية استخدام الناس للمدن.

إلى ذلك، يمكن الذكاء الاصطناعي قراءة لوحات الترخيص والتعرف على الوجوه بمعدل مئات الآلاف كل ساعة. وباختصار، يمكنه تتبع حركات وتفاعلات واحتياجات وتفضيلات سكان المدينة وزوارها لمساعدتنا في تقديرنا التام لكيفية تصميم وبناء تجهيزات حضرية أفضل تعمل للجميع مع تقليل تأثيرها البيئي.

أطلقت "حكومة دبي الذكية" في الإمارات أول مختبر لعلوم البيانات من نوعه يعمل مع شبكة متنامية من الشركاء من مختلف القطاعات الحكومية والخاصة. وسيعتمد هذا المختبر تحليل البيانات باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، ومن خلاله سيطور خبراء البيانات وأصحاب الأعمال الأفكار المختصرة بتفاصيل أكثر، قبل الانتقال، أخيرًا، إلى المرحلة النهائية، التي يتم خلالها استخدام أدوات ومنصات مختبر علوم البيانات لتنفيذ حالات الاستخدام. كما يشتمل المختبر على مرحلة التنسيق وبناء القدرات للوصول إلى مدينة ذكية وآمنة للجميع.